الطب > علوم عصبية وطب نفسي

كيف تؤثر القراءة في أدمغتنا؟

يعرّف اكتساب أسس القراءة والكتابة لدى الطفل بأنّه المهارات الضرورية لخلق إدراك عقليّ يتمثل بإسناد كل حرفِ لصوتٍ مقابل في اللغة المنطوقة، فحتّى نقرأ يتوجب علينا أولًا التعرف إلى كل حرف بصريًّا وربطه بمكوّن صوتي وهو ما يدعى بالتشفير، و بالتدريج يصبح ربط الحرف بمكونه الصوتيّ عمليةً تلقائية عند القراءة وهو ما يدعى بفك التشفير (1-3)، وبعد فوز الطفلة السوريّة شام محمد البكّور في مسابقة تحدي القراءة العربيّ في الإمارات، لا بد لنا أن نسلط الضوء على تطوّر القدرة على القراءة وتأثيرها في تلافيف الدماغ البشري.

تشير الدراسات إلى أن القراءة تتضمن تنشيطًا متزامنًا لمناطق الدماغ المتعلقة بمعالجة المعلومات السمعية الصوتية، المعلومات البصريّة الإملائية والمعلومات الدلالية اللغوية، وخاصةً في النصف الأيسر من المخ (2). وتشمل هذه المناطق كلًّا من مناطق الدماغ الصدغية والجدارية التي تحوي كلًّا من التلافيف الزاوية وفوق الهامشية والقسم الخلفي من التلفيف الصدغي العلوي (المعروف باسم  باحة فيرنكه)، ويشارك الفص الجبهي أيضًا متمثلًا بباحة بروكا، وسبل من المادة البيضاء  للدماغ ؛ فالمادة البيضاء هي عبارة عن مجموعة من الألياف العصبية في الدماغ تسهم في ربط مناطق اللغة ببعضها بعضًا إضافة إلى ربط باحات اللغة من المادة الرمادية بالدماغ بالباحات الأخرى تلك المسؤولة عن معالجة المعلومات البصرية، وقد تبين أن هذه السبل تكون أقوى عند القراء الجيدين (1-3).

ويعدّ الفص الصدغي مسؤولًا عن التمييز الصوتي وإسناد كل صوت إلى حرف، في حين تسهم باحة بروكا في الفص الجبهي في إنتاج الكلام وفهم اللغة، أما التلفيف الزاوي وفوق الهامشي فيساهمان في ربط أجزاء مختلفة من الدماغ، إذ تُربط أشكال الحروف المشاهدة وأصواتها وتُجمع هذه الأصوات معًا لتشكيل الكلمات (1-3).

وعمومًا يتطلب تعلّم القراءة اكتسابَ عدد من الأمور كاللغة التي يبدأ تطورها منذ الحياة الجنينية بسماع الصوت البشري وتفضيله، والمهارات المعرفية التي تشمل مراقبة أداء الدماغ وتحسينه؛ كالذاكرة وسرعة المعالجة والتخطيط والطلاقة اللفظية وغيرها من المهارات التي تجمع تحت اسم الوظائف التنفيذية والتي ترتبط بأداء القراءة، كذلك يسهم النشوء في منزل ملمٍّ بالقراءة والكتابة بتعزيز كلٍ من التمييز الصوتي، المهارات اللغوية الشفهية، وإدراك الأحرف المطبوعة (2).

يبدأ تعرف الطفل إلى الكتب بحلول السنة الأولى من العمر في المنازل التي تحوي الكتب، ويستجيب لذلك بتأمل الكتاب. ومع تطور المهارات المعرفية يتعلّمون التركيز بصريًّا على الصور الكبيرة والملونة في الكتب ويبدؤون بتقليب الصفحات. وبين عمر السنة والسنتين يستطيع الأطفال الإشارة إلى الأشياء والشخصيات والأفعال المألوفة وتسميتها (2).

وبين عمر السنتين والثلاث سنوات يتعرّف الطفل إلى اللافتات والرموز المستخدمة في المجتمع وبعض الحروف كالحروف في اسمهم. وفي هذا العمر أيضًا يستمتعون بمشاهدة الكتب بمفردهم، والتظاهر بقراءة الكتب المألوفة، وتسمية الشخصيات والصور المألوفة ووصفها، وتذكر السير البسيط لمجرى القصة (2).

وفي عمر 3-4 سنوات يبدأ الوعي الصوتي بالتطور، فتزداد قدرتهم على قراءة مقاطع الكلمات قراءةً جيّدة، ويدركون تطابق وسجع ووزن الكلمات، ومعرفة الأصوات المرتبطة ببعض الحروف، وهذا مقترن مع تطور إدراك الأحرف المطبوعة، فهم الترابط بين الصور والقصة والتعرف على الكلمات المألوفة كأسمائهم، وعمومًا يصبح الأطفال قادرين على تكوين القصص بعمر الثلاث سنوات (2).

وما بين الخمس والست سنوات يصبح الأطفال قادرين على تقدير دوافع الشخصيات وتسلسل الأحداث، ويصبح الطفل قادرًا على تحديد الأحرف والتعرّف إلى بعض الكلمات المبصرة في سن السادسة، وبين السادسة والسابعة من العمر يبدأ الأطفال بتعلم القراءة وفك تشفير الكلمات وقراءتها على نحو مستقل والقراءة بطلاقة على مستوى الصف واستخدام استراتيجيات القراءة كإعادة القراءة والتنبؤ بلفظ الكلمة، وأخيرًا يصبح قادرًا على طرح الأسئلة واستخدام أفكار النص. وبحلول الصف الثالث يتحول التركيز الأكاديمي من تعليم القراءة إلى القراءة لأجل التعلم واكتساب المعرفة (2).

وقد عرضت بعض الدراسات تأثيرَ انعكاس رعاية الطفل في بيئة ملمة بالقراءة والكتابة على الدماغ البشريّ فقد ارتبط ذلك بزيادة التفعيل العصبي للروابط بين الباحات المسؤولة عن المعالجة الدلالية اللفظية والصور الذهنية وتكامل هذه المعلومات في الشبكات العصبية الخاصة والتي تتفعل عند القراءة (2).

وتفيد الأنشطة بين الأهل والأطفال في تطوير المهارات اللغوية؛ كالتفاعل الكلامي مع الطفل وتعريض الطفل للغة المكتوبة والقراءة المشتركة بين الأهل والطفل (2). فقد أثبتت إحدى الدراسات أن القراءة بصوتٍ عالٍ يساعد على تطوير اللغة للطفل وتطوير القراءة والكتابة (4,5).

كما قارنت إحدى الدراسات أدمغة الأطفال الذين يمارسون القراءة بأدمغة أولئك الذين يقضون الساعات الطوال أمام شاشات الهواتف الذكية والحواسيب والتلفاز، وجد أن قضاء هذه الساعات أمام الشاشات يؤثر سلبًا على الدماغ . فيؤدي إلى ضمور المادة البيضاء والرمادية للقشر الدماغي وضعف التوصيل في السبل القشرية المخية وسماكة القشرة الدماغية في المناطق غير المعنية باللغة، ويشمل ذلك أيضًا ضعف الوظيفة التوصيلية بين مراكز اللغة وأجزاء الدماغ التي تعالج المعلومات البصرية، والتأثير سلبًا في مناطق اللغة في الدماغ؛ إذ يؤدي ذلك إلى تأخر لغوي لدى الطفل وصعوباتٍ أكاديمية وتعليمية لدى الطفل وذكاء متدنٍ (3).

قد تكون شام حالة عرضها الإعلام من آلافٍ وملايين من الحالات والتي تسعى جاهدة لاغتنام الوقت بالقراءة واكتساب المعرفة، لتصبح قدوةً لكل الأطفال والأهل في استغلال الوقت وممارسة الأنشطة المفيدة، بعيدًا عن وسائل التواصل والشاشات المستهلكة للطاقة والمضرة للعقل، فلا بد لكل أبٍ وأمٍ تشجيع أطفالهم على القراءة واغتنام أوقاتهم بما يغذي عقولهم.

المصادر:

1- Reading and the Brain [Internet]. U.S: Hardvard Medical School; [updated 2016, cited 2022 Nov 11]. Available from: هنا

2- Horowitz-Kraus T, Schmitz R, Hutton JS, Schumacher J. How to create a successful reader? Milestones in reading development from birth to adolescence. Acta Paediatrica. 2017 jan 9 [cited 2022 Nov 11];106(4):534–44. Available from: هنا

3- Horowitz-Kraus T, Hutton JS. Brain connectivity in children is increased by the time they spend reading books and decreased by the length of exposure to screen-based media. Acta Paediatrica. 2017 Dec 27[cited 2022 Nov 11];107(4):685–93. Available from: هنا

4- Isaacs D. Reading to children. Journal of Paediatrics and Child Health. 2012 Apr 09[cited 2022 Nov 11];48(4):289–9. Available from: هنا

5- What is the best way to teach children to read? [Internet]. U.S: Eunice Kennedy Shriver National Institute of Child Health and Human Development (NICHD); [updated 2020 Mar 5, cited 2022 Nov 11]. Available from: هنا