اللغة العربية وآدابها > علم العَروض وموسيقا الشِّعر

الدوائر العروضية

إذا كنت تسمع هذا المصطلح للمرة الأولى فلا بد أن تصيبك الدهشة وتشعر بالعجب والاستغراب، فما الرابط العجيب الذي يجمع الشكل الهندسي (الدائرة) بعلم من علوم اللغة العربية (العروض)! 

والحقيقة أنّ علم العروض بحد ذاته علمٌ عجيبٌ غريبٌ، لا يتأتّى لأحدٍ ابتداعه ووضع قوانينه وكشف علائقه إلا إذا كان فائقَ الفهم عظيمَ العقل مفرطَ الذكاء كالخليل بن أحمد الفراهيدي النحوي العروضي المعجمي، رائد علوم العربية، وواضع أسسها، وصاحب أول معجمٍ شاملٍ وأول كتابٍ في العروض (1).  

وقد استعمل الخليل النظريّات الرياضية في تقعيده لعلوم العربيّة المختلفة، وظهر ذلك جليًّا في ابتداعه لمعجمه، ولدوائره العروضية.

والدوائر العروضية مصطلحٌ أطلق على عددٍ من بحور الشعر التي تتشابه مع بعضها في المقاطع الشعرية.

ابتداع الخليل للدوائر العروضية:

تعددت نظريات الباحثين عن منهج الخليل في ابتكار الدوائر العروضية، وأهمها نظريتان: 

النظرية الأولى نظرية الزمخشري: وتنصّ على أن الفراهيدي قد حدّد التفعيلات المكونة للشعر -والتفعيلات هي ألفاظ في علم العروض اتفق القدماء أن يوزن الشعر بها-  ثم وجد أنّ الشعر العربي ينتج إمّا من تكرار التفعيلة الواحدة بعينها كما في بحري الكامل والوافر وغيرها، أو المزاوجة بين جزأين كما في بحري السريع والمنسرح وغيرها.

ونتج من تكرار التفعيلة بعينها أو المزاوجة بين التفعيلات بحور الشعر العربي، والتي لاحظ الخليل أنها تجتمع معا لتكوّن دوائر تنفك منها البحور  (2).

النظرية الثانية نظرية شوقي ضيف المسماة نظرية التبادل والتوافيق وهي قائمة على حصر كل أشكال الجمع بين التفعيلات بمعنى أن ترتيب أجزاء الشيء الواحد يعطيه صورةً معينةً، ثمّ بإعادة هذا الترتيب تنتج صورةٌ أخرى، وإذا أعدنا الترتيب مرة ثالثة تولدت عندنا صورة ثالثة وهكذا دواليك، فقام الخليل بإجراء عملية التبادل والتوافيق للتفعيلات، فقلب السواكن والمتحركات في الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي والسداسي والسباعي، فحصر التفعيلات واستثنى المهمل منها وما لا يجوز وفق قواعد اللغة العربية كالتفعيلة البادئة بساكن أو التفعيلة التي توالى فيها أكثر من ساكنٍ أصليّ ونحو ذلك، ثمّ أجرى عملية التقليب بين التفعيلات المستعملة ووجد أنّ العرب استعملت من هذه الأوزان ستة عشر وزنًا، ثمّ جعل هذه الأوزان في دوائر فنتجت البحور المستعملة والمهملة (3).

الدوائر العروضيّة وبحورها المستعملة: 

1- دائرة المختلف وبحورها الطويل والمديد والبسيط.

2- دائرة المؤتلف وبحورها الوافر والكامل.

3- دائرة المجتلب وبحورها الهزج والرجز.

4- دائرة المشتبه وبحورها المضارع والمقتضب والمجتث.

5- دائرة المتفق وبحورها المتقارب والمتدارك (4).

فكّ البحور الشعريّة من الدوائر العروضيّة:

نبدأ بفكّ البحور من هذه الدوائر من الوتد -والوتد هو ثلاثة أحرفٍ واحد منهم ساكن واثنان متحركان- متجهين نحو اليمين، إلى آخر جزءٍ يسبق هذا الوتد، ثمّ ننتقل إلى الجزء الذي يلي الوتد فنبدأ بفكّ بحرٍ جديدٍ إلى أن ننتهي إلى آخر الجزء الذي سبقه، وهكذا دواليك، وهكذا نستخرج البحور والأوزان الشعريّة مهملها ومستعملها. 

ومثال عن فكّ البحور الشعرية سنأخذ دائرة المؤتلف:

تتكون دائرة المؤتلف من تفعيلاتٍ سباعية -أي مكونة من سبعة حروف- فإذا بدأنا الفك من الوتد الأول المكون من متحركين فساكن //0 -هذا الرمز / يدل على الحرف المتحرك، وهذا 0 يدل على الساكن-  نحصل على //0///0   والتفعيلة التي تحوي ترتيب الأحرف المتحركة والساكنة هذه هي مفاعلتن، وهذه التفعيلة مكرّرة ست مرّات  وبذلك يتكوّن لدينا بحر الوافر. 

وعندما نبدأ من الفاصلة الأولى- والفاصلة مقطع صوتي يتألف من أربعة أو خمسة أحرف- أي ///0 نحصل على التفعيلة ///0//0 وهي متفاعلن مكررة ست مرات وهي تفعيلات بحر الكامل.

وإذا ابتدأنا الفك من نصف الفاصلة الأولى أي من /0 تنتج لدينا التفعيلة /0//0// وهي فاعلاتك المكررة ست مرات وهي تفعيلات بحر مهمل لم تنظم عليه العرب.

وبالطريقة نفسها نستطيع فك البحور من الدوائر الأربعة الأخرى (2,4).

وقد نالت الدوائر العروضية نصيبًا كبيرًا من اهتمام العلماء وحاول بعضهم التجديد فيها كالسكاكي ودوائره المترابطة والجواهري ودوائره المتداخلة إلى أن انتهت إلى دائرة الوحدة عند عبد الصاحب المختار، لكن كل هذه المحاولات عجزت عن التفوق على دوائر الخليل الفراهيدي الذي سبق زمانه وزماننا.

المصادر:

1- الذهبي شمس الدين. سير أعلام النبلاء. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. ط3. القاهرة: مؤسسة الرسالة؛ 1985. ج7 ص430.

2- الزمخشري محمود بن عمرو. القسطاس في علم العروض. تحقيق: فخر الدين قباوة. ط2. بيروت: مكتبة المعارف؛ 1989. ص47-51.

3- ضيف شوقي. المدارس النحوية. ط7. القاهرة: دار المعارف. ص32.

4- الشنتريني محمد بن عبد الملك . المعيار في أوزان الأشعار. تحقيق: محمد رضوان الداية. ط3. دمشق: دار الملاح؛ 1979. ص17.