الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

هل يؤدي تغيُّر المناخ إلى اندلاع جائحة أخرى؟!

قد يرتبط انتقال الفيروسات الممرضة بتغيّر المناخ تغيُّرًا مشابهًا -إلى حدٍّ كبير- لخطر تفشي الأمراض انطلاقًا من أسواق تجارة الحيوانات، إذ تتجمع الحيوانات بكثرة، مما يزيد إمكانية انتقال هذه الفيروسات عبر الأنواع الحية. 

ويُبدي الباحثون تخوُّفهم من احتمال تكرار حادثة انتقال فيروس السارس SARS من الخفافيش إلى البشر في رقعةٍ بيئيةٍ أكثر اتساعًا نتيجة الظروف الناجمة عن التغيُّر المناخي المستمر (1).

إذ يحذِّر عديد منهم من عملية الانتقال الحيواني (وهي ما يمكن تمثيله ببدء ظهور جائحة COVID-19 عند انتقال فيروس كورونا غير المعروف سابقًا من حيوان برِّي إلى الإنسان)، والارتفاع المتوقَّع في انتشار الفيروسات وانتقالها بين الأنواع الحية، الأمر الذي قد  يزيد من الأوبئة، ويهدِّد صحة الإنسان والحيوان على حدٍّ سواء، وهذا يُحتِّم على الحكومات والمنظمات الصحية الاستثمار في مراقبة مسببات الأمراض وتحسين البنية التحتية في مجال الرعاية الصحية (2).

وفي ضوء ما سبق، قيَّم الباحثون كيفية تغيُّر الفيروسات الموجودة في أجسام الثدييات تبعًا لتغيُّر المناخ، عن طريق تحديد بؤر التفشي المحتملة بالاستعانة بنماذجَ جغرافية تُحدّد نطاق انتشار الفيروسات التي تصيب الثدييات، في ظل التغيرات المناخية. 

وفي أثناء هذا التقييم، برز قلقٌ رئيسٌ في احتمال تحوُّل أماكن سكن الحيوانات تحولًا غير متناسب إلى الأماكن التي يسكنها البشر أو تجاورها، مما قد يزيد من خطر انتشار الفيروس وانتقاله إلى البشر.

وربما كان هذا ما يحدث بالفعل في بيئتنا اليوم، خاصةً مع ارتفاع متوسط درجة الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية مقارنةً بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وفشل الجهود -الحالية- في الحدِّ من انبعاث غازات الاحتباس الحراري وإحباط حدوث عواقبه (3,4)، وعدم إمكانية التقليل من انتقال الفيروسات عبر الحيوانات ومنها إلى البشر مستَقبَلًا حتى لو نجح العالم في حفاظه على ارتفاع درجات الحرارة بمعدَّل يقلُّ بمقدار درجتين مئويتين في القرن الحادي والعشرين. 

إضافةً إلى ذلك، يشير الباحثون إلى تأثيرِ ارتفاع درجات الحرارة سلبًا في الخفافيش خصوصًا، نظرًا إلى قدرة هذه الثدييات المجنَّحة على الانتقال مسافاتٍ طويلة، لذا تُعدُّ معرفة الفيروسات ومحاولةُ اكتشاف قفزات المضيف وأماكن انتشاره الجغرافي -حاليًّا- الطريقةَ الفعالة الوحيدة الممكِنة لمنع انتشار الفيروسات والحد من مزيدٍ من التداعيات والأوبئة.

ولا يمكن فصل الصحة وانتشار الأمراض المُعدية عن تغيُّر المناخ، إذ يسهم هذا التغيُّر في تحويل الظروف البيئية إلى شروطٍ أكثر ملاءمةً لانتشار بعض الأمراض المُعدية، بما في ذلك مرض لايم (Lyme)، والأمراض الناتجة عن شرب المياه الملوثة التي قد تسبِّب القيء والإسهال، والأمراض التي قد ينقلها البعوض مثل الملاريا (Malaria) وحمى الضنك (Dengue fever). 

وتجدر الإشارة إلى أن تأثير تغيُّر المناخ العالمي في انتشار الأمراض المعدية يتعلَّق بعوامل ثلاثة؛ هي: 

1. عاملٌ مناخي مثل ارتفاع درجة الحرارة. 

2. كائن ناقل مثل البعوض.  

3. كائن مضيفٌ مثل الإنسان (4).

وعلى سبيل مثال، قد تتحرك أنواع البعوض Aedes aegypti و Aedes albopictus باتجاه الشمال حاملةً فيروس حمَّى الضنك ويكون انتقالها أسرع مع ظهور الاحتباس الحراري بوصفه عاملًا مناخيًّا، مما قد يزيد من احتمال انتقال هذا الفيروس وانتشاره. 

وفي مثالٍ آخر: أعلِن خلال المئتي عام الماضية عن الكوليرا بوصفها وباءً متفشيًّا سبع مرات بعد انتشارها في آسيا، أوروبا، إفريقيا، أمريكا الشمالية، فعلى الرغم من وجود جراثيم الكوليرا في بيئتها المستقرة في مصبَّات الأنهار للولايات المتحدة، فإن التغيُّر المناخي قد سبَّب تغيُّر بيئة المياه لتغدو أكثر ملائمةً لانتشار الكوليرا في مناطق جديدة.

وقد يرتبط ظهور بعض الأمراض المُعدية الأخرى أيضًا  مثل التهاب لاكروس الدماغي (Lacrosse encephalitis) ومرض لايم بسلامة بيئتها، فتصبح هذه الأمراض أقل ظهورًا في ظل ظاهرة الاحتباس الحراري وتعديل الظروف البيئية في مناطق الأوبئة. 

وعلى الرغم من ذلك ليس من السهل -حتى الآن- التنبُّؤ بالمخاطر المستقبلية، وخصوصًا مع تأثيرٍ مهم للتغيُّر المناخي في زمن ظهور مسبِّبات الأمراض ومكانها، بما في ذلك أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار. 

لذا، يجب بذل مزيدٍ من الجهد للحدِّ من مخاطر الأمراض المعدية وانتشارها، بدءًا من إيقاف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من الظاهرة  إلى 1.5 درجة (5)، والاستعانة بالدراسات البيئية لفهم نتائجه المحتَملة فهمًا كاملًا، دون إغفال الحاجة المُلحّة للبحث عن طرائق جديدة أكثر فعالية لمكافحة نواقل هذه الأمراض، والحدِّ من انتشارها قبل تحوُّلها إلى أوبئة تدق ناقوس الخطر عالميًّا بالتوازي مع إجراءات جادّة للحفاظ على بيئة سليمة.

المقال من إعداد: Maha krietam

المصادر

1- New Study Finds Climate Change Could Spark the Next Pandemic. Georgetown University Medical Center. 202‪2 [cited 26 June 2022].Available from:

هنا#

2- Gilbert N. Climate change will force new animal encounters — and boost viral outbreaks. Nature [Internet]. 2022 [cited 26 June 2022];605(7908):20. Available from: 

هنا

3- Climate change could spark next pandemic, study finds [Internet]. Thehill. 2022 [cited 26 June 2022]. Available from: هنا

4- Carlson C, Albery G, Merow C, Trisos C, Zipfel C, Eskew E et al. Climate change increases cross-species viral transmission risk. Nature [Internet]. 2022 [cited 26 June 2022];607:555–562. Available from: هنا

5- Coronavirus and Climate Change [Internet]. C-CHANGE | Harvard T.H. Chan School of Public Health. [cited 26 June 2022]. Available from: هنا