الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الأخلاق وعلم الجمال

كيف تبدو علاقة القوة بالأخلاق؟

هل تفسدُ القوة أخلاقَ صاحبها؟ وهل هناك ارتباطٌ أساسًا بين القوة والأخلاق؟ أيوجد مبرر للتصرفات اللاأخلاقية من السلطة إذا كانت تخدم المصلحة العامة؟

أكملوا القراءة وأخبرونا أجوبتكم..

تُمثل (الأخلاق -Ethics) قيمًا محددةً ومعاييرَ مقبولةً مُعترف بها ضمن المجتمع لتوّجه السلوك، وتكون تلك القيم مفاهيمَ فرديةً أو مشتركةً مُتفق عليها فيما يخص السلوك المرغوب فيه (1)، ثم تصبح هذه القيم مرجعيةَ الفرد في الحكم على الخطأ والصواب، فالفعل الأخلاقي -حسب إيمانويل كانط (Immanuel Kant   1724-1804)- إذا كان نابعًا من دافع احترام الفرد للقانون الأخلاقي، فتكون أفعاله قيّمةً أخلاقيًّا، والشخصيات التي تتصرف بناءً على هذا الدافع فقط، تعدّ شخصياتٍ ذات نوايا حسنة (2)، وفي المقابل تبدو (القوة - Power) سيطرةً غير متكافئة على الموارد القيّمة في العلاقات الاجتماعية؛ وبذلك كلما كان الفرد أكثر نفوذًا وسيطرةً كان أقل اعتمادًا على الآخرين في علاقته بهم؛ مما يخفف عنه ضغط الالتزام بالأعراف الاجتماعية والتقيد بالسلوكيات المرغوبة أو المعيارية تجاههم (3). وعليه قد نفترض أن العلاقة السائدة بين القوة المتمثلة بالثراء أو السلطة من جهة، والالتزام الأخلاقي المتمثل بالقيم والسلوكيات الحميدة في المجتمع من جهة أخرى؛ هي علاقة عكسية، ويواجه هذا التصور تشابكًا ينتج عنه مجموعة من النقاشات عن طبيعة القوة نفسها مقابل درجة الالتزام الأخلاقي، وما إذا كانت العلاقة بينهما تقوم على التأثير المتبادل أم لا!

فعلى مستوى الأشخاص، قد نقيس هذه العلاقة من زوايا عدة، منها زاوية (القيادة - Leadership) مثلًا، فالقيادة واحدةٌ من الحالات الإنسانية التي يتعرض لها الفرد بين الحين والآخر، ونحن نعيش ونعمل معًا، لذا القيادة هي أكثر من مجرد قوة على هيئة منصب أو أن هناك شخصًا مسيطرًا؛ بل هي علاقة أخلاقية معقدة بين الأفراد، تتأسس على صفات إنسانية كالثقة والالتزام والعاطفة والاتفاق فيما يتعلق بالمصلحة العامة.

ويرى أفلاطون (Plato 347-427 B.C) أن القائد الأخلاقي هو الذي يسعى إلى مصلحة رعاياه لا إلى مصلحته الشخصية، ولهذا أثرٌ سلبي عليه؛ إذ قد يواجه استياءً من المقربين منه لأنه لم يمنحهم امتيازاتٍ خاصة؛ وعليه صُنف القادة إلى أخلاقيين ولاأخلاقيين تبعًا للمصلحة التي يسعون إلى تحقيقها في ظل النفوذ الذي يتمتعون فيه (4).

أما فريدريك نيتشه (Nietzsche 1844-1900)؛ فتناول هذه العلاقة من منظور (الشفقة - Pity) بأنها انتقال مُعدٍ وغير مرحب به للألم من متلقي الشفقة (الضعفاء) لمقدميها (الأقوياء)، وصنفها بالسلوك المضر بالأخلاق لأنها تمثل انغماسًا خفيًّا في ميول الفرد، واصفًا إياها بقوة إيذاء الآخرين في الوقت الذي يجب علينا عدم دفع العالم إلى مزيد من الشر والمعاناة (2). في حين أزاح مكيافيللي (Machiavelli 1469-1527) علاقة القوة بالأخلاق لصالح السلطة والحكم، مبررًا التخلي عن الأخلاق في سبيل المصلحة، وكلنا نذكر مقولته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة"؛ إذ يرى أن على القادة ألا يتحملوا المسؤولية الأخلاقية كاملةً في أثناء حكمهم عندما تصبح سلطتهم ومصلحة شعوبهم على المحك، كذلك لا يمكن للحاكم النزيه الاستمرار لكونه محاطًا بمساعدين غير أخلاقيين، فلا يمكن للقادة التصرف على أنهم قديسين وهو ما اُصطلح على تسميته فلسفيًّا بمشكلة (الأيادي القذرة - Dirty Hands) (4)، ويختلف تصوّر مكيافيللي لأخلاق السلطة عنه لدى أفلاطون، ففي الوقت الذي يعتقد فيه أفلاطون بضرورة صلاح القائد، يتيح مكيافيللي للقائد اللجوء إلى الأساليب الملتوية لضمان المصلحة العامة.

أما على مستوى المؤسسات، فيمكن قياس هذه العلاقة عن طريق القانون الذي يسعى إلى تحقيق العدالة عبر إيجاد نوع من التوازن بين القوة والأخلاق على سبيل المساواة والعدالة التوزيعية، وكانت النظريات النقدية الفلسفية قد ناقشت هذه العلاقة في ضوء السرد التاريخي لعلاقات الإنتاج والرأسمالية في سبيل وضع أسس معيارية لتنفيذ هذه العدالة انطلاقًا من الواقع نفسه، وعلى الرغم من ذلك، فما زالت قضايا الفقر المدقع والتخلف تسقط من هذه المقاربات الأخلاقية كونها تُنتزع من السياق المؤسسي الاقتصادي والسياسي عالميًّا (5).

أخيرًا؛ يمكن القول إن العلاقة بين القوة والأخلاق علاقة تبادلية، فلا يمكن للقوة أن تحكم دون إطار مرجعي أخلاقي يضبطها، ولا يمكن للأخلاق أن تفرض تأثيرها دون قوة تكافح الخطأ وتسعى إلى الصواب، ولا يكون ذلك إلا من خلال قوانين وأنظمة تسعى إلى عدالة حقيقية.

المصادر:

1. Serrano-García I. The ethics of the powerful and the power of Ethics. American Journal of Community Psychology. 1994;22(1):1–20. Available from: هنا

2. Cartwright DE. Kant, Schopenhauer, and Nietzsche on the morality of pity. Journal of the History of Ideas. 1984;45(1):83–98. Available from: هنا

3. Lammers J, Galinsky AD, Dubois D, Rucker DD. Power and morality. Current Opinion in Psychology. 2015;6:15–19. Available from: هنا

4. Ciulla JB, Knights D, Mabey C, Tomkins L. Guest Editors’ Introduction: philosophical contributions to leadership ethics. Business Ethics Quarterly - Cambridge University Press. 2018;28(1):1–14. Available from: هنا

5. Forst R. Justice, Morality and Power in the Global Context. In: Føllesdal A, Pogge T, editors. Real World Justice. Studies in Global Justice, vol 1. Dordrecht: Springer; 2005. p. 27–36. Available from: هنا