من يعبر مضيق جبل طارق؟

بطولٍ يقارب 65 كم وعرضٍ يزيد على 16 كم، يصل مضيق جبل طارق بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ويفصل بين أوروبا وأفريقيا، وقد أصبح ممرًّا مائيًّا ذا أهميةٍ عالميةٍ بعد افتتاح قناة السويس في العام 1869م (1). 

على الرغم من أنَّ المضيق يشكِّل حدودًا بحريةً طبيعيةً بين المغرب وإسبانيا، فإنَّ حدودهما أعقد من ذلك قليلًا إن نظرنا إلى سبتة ومليلية؛ الجيبين الإسبانيَّين على الساحل المغربي (2)، ومن المفيد هنا أن نلقي نظرةً موجزةً على تاريخ المنطقة.

انتهت حروب الاسترداد (Reconquista) في العام 1492م بسقوط إمارة غرناطة، وهي حروب دينية استهدفت استرداد شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال اليوم) من الحكم الإسلامي الذي بدأ في العام 711م (3,4)، ومع نهاية حروب الاسترداد كانت مدينة سبتة (Ceuta) قد سقطت في يد البرتغاليين في العام 1415م وفي يد الإسبان لاحقًا في العام 1668م، في حين وقعت مدينة مليلية (Melilla) بيد قشتالة في العام 1497م. صُنِّفت المدينتان "ميناءين حرَّين" منذ العام 1863م وتكثَّف نشاطهما التجاري، وفي ذلك الوقت ازداد اهتمام الإسبان بشمال المغرب بشدة، وعلى الرغم من استعمار إسبانيا لشمال المغرب بين العامين 1912م و1956م، ظلَّت مدينتا سبتة ومليلية منفصلتين عن باقي الأراضي المغربية الواقعة تحت الحماية الإسبانية، لأنَّهما بنظر إسبانيا جزء من الأراضي الإسبانية وليستا أراضٍ استعمارية، وباستقلال المغرب في العام 1956م لم يعترف بالسيادة الإسبانية على المدينتين وعدَّهما جزءًا لا يتجزَّأ من الأراضي المغربية التي لمَّا تتحرر من الاستعمار بعد (2). 

بقيت المدينتان تحت الحكم الإسباني وتتبعان توجيهات مدريد، لكن طرأت على هاتين الجبهتين الحدوديَّتَين تغيُّرات مهمة عدَّة لاحقًا؛ أولها انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي في العام 1986م، أي امتداد الاتحاد الأوروبي إلى سبتة ومليلية أيضًا، ثمَّ الانضمام إلى منطقة شنغن (Schengen) في العام 1991م، وتسييج محيط المدينتين أخيرًا في العام 1995م.

كان لانهيار الإمبراطورية الإسبانية في الأمريكيتين والمحيط الهادئ في نهاية القرن التاسع عشر الأثر الكبير في إعادة تركيز إسبانيا لمصالحها الجيوسياسية عبر مضيق جبل طارق، وقد عدَّت شمال أفريقيا "مجالًا حيويًّا" لها في محاولة استعادة مكانتها الزائلة (2).

فكيف ترون مستقبل هذه المنطقة؟ شاركونا بآرائكم.

المصادر: