الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز

سينما الجذب

قبل أنْ تذهلَنا مارفل، ويثيرَ كوبريك في رأسنا التساؤلات، وقبل أن يرعبَنا هيتشكوك ويضحكَنا تشابلن، هناك مَن أرسلنا إلى القمر، ليصطدم صاروخنا بعينه، من جال بنا قاع المحيطات في حلم بحّار، ومن جعل القطار يسير بعجلةٍ نحو جمهورٍ يصرخ من الهلع والذهول والاستمتاع.

    هؤلاء هم الذين استطاعوا جذب أنظار العالم بأجمعه نحو الإمكانات اللانهائيّة لشريطٍ من الصور المتلاحقة، هؤلاء هم سحرة سينما الجذب.

    فسينما الجذب (Cinema of attraction) مصطلحٌ تجوهر على يد المؤرّخ (Tom Gunning) ليصف من خلاله مجموعةً من السمات التي ميّزت الأفلام التي صُنعت حول العالم بين عامي 1895م و1908م تقريبًا. أفلامٌ كان لها أثرٌ مشابهٌ للملاهي الترفيهيّة في إثارة فضول المشاهد. 

    شملت سينما الجذب أفلامًا صَوّرت أحداثًا معاصرةً كالاستعراضات العسكريّة ومشاهدَ من الحياة اليوميّة مثلَ العمّالِ بعد انتهائهم من عملهم والأسواقِ المزدحمة، أو مشاهدَ نُظّمت وتُدرّب عليها كالكوميديا التهريجيّة أو مقاطعَ من مسرحيّاتٍ هزليّةٍ تتضمّن حركاتٍ بهلوانيّة، وكثيرًا من وسائل الجذب التي تطوّرت لتشكّل أنواعًا محبّبةً من الأفلام في وقتنا الحالي كأفلام الخيال العلميّ. 

    إنّ عمل Gunning ليس إلّا جزءًا من إعادة نظرٍ واسعةٍ في بدايات السينما، تعود إلى اجتماع الفدراليّة العالميّة للأرشيف السينمائيّ في بريطانيا عام 1978م، وقد شكّل هذا الاجتماع منصّةَ انطلاقٍ للمؤرّخين الذين يتّبعون المنهج السياقيّ في مقاربتهم لبدايات السينما عندما رغب هؤلاء المؤرّخون في دحض مفهومين؛ الأوّل، أنّ السينما في سنينها الأولى كانت بدائيّة، والثاني أنّها استعارت الأداء والأدوات المسرحيّة ريثما وجدت جوهرها السينمائيّ عبر توظيف تقنيات السرد والمونتاج في رواية القصّة للمشاهد.

فبعكس هذه الآراء، أشار المؤرّخون إلى أنّ السينما قبل عام 1908، لم تكن لتُفهم لو نظر إليها كحقبةٍ سابقةٍ لسينما هوليوود الكلاسيكيّة فقط، بل كان لا بدّ مِن رؤيتها كجزءٍ من ثقافةٍ شعبيّةٍ وحيويّةٍ تضمّنت مهرجاناتٍ ترفيهيّةً وملاهٍ وصالاتٍ موسيقيّة. 

    وضمن هذا السياق، فإنّ سينما الجذب كانت تستعرض سحرَ عمليّة صناعة الأفلام باستخدام المؤثّرات الخاصّة والألوان والأزياء ومواقع التصوير المذهلة، كلّ هذا كان احتفالًا بالإمكانات التقنيّة لهذه الأداة الجديدة. 

    كانت الأفلام تستعرض لجذب أنظار المشاهدين، وتدعوهم للمشاركة في الحدث، في تباين تامٍّ مع الأفلام التي صُنعت في العشريّة الثانية والثالثة من القرن العشرين، التي كانت تشدّ المشاهدَ وتأسرُه.

فالجانب العنيف في سينما الجذب يهدف لأنْ يواجهَ ويحفّزَ ويصدمَ الجمهور، ممّا يجعل تأثيرها أقربَ إلى تأثير القطار السريع في الكرنفال أو الملاهي. 

    يبقى مفهوم سينما الجذب مؤثّرًا بالدراسات السينمائيّة إلى يومنا هذا، هذه السينما التي امتازت بانفتاحها واحتوائها على تنوّعٍ ثقافيٍّ كبير، تنوّعٍ تفتقر إليه بشدّةٍ سينما هوليوود التي لحقتها، سينما كانت أصلَ مدرسة ال (avant-garde) والعديدِ من الأنواع المختلفة مثلِ الأفلام الموسيقيّة والرعب والآكشن، وما زالت إلى الآن مصدرًا يتعلّم ويستلهم منه صنّاع الأفلام المعاصرون. 

يمكنكم قراءة المزيد عن اثنين من أهم صناع أفلام سينما الجذب في الروابط التالية:

جورج ميليه:هنا

آليس غاي بلاشيه: هنا

المصادر:

Gunning T. The Cinema of Attractions: Early film, Its Spectator, and the Avant-Garde [Internet]. Wide Angle; 1986. Available from: هنا;

Kuhn A, Westwell G. A Dictionary Of Film Studies. 1st ed. Oxford University Press; 2012 [cited 13 September 2022]. Available from: هنا
Cinema of attraction | Europeana Pro [Internet]. Europeana Pro. 2018 [cited 1 May 2022]. Available from: هنا