الهندسة والآليات > الروبوتات

أول روبوت حي على الإطلاق

في عام 2021 شهد عدد من الباحثين أمرًا غيرَ مسبوق، فقد تمكنت مجموعة من الروبوتات العضوية المصنوعة في المختبر من التكاثر، والأمر الأغرب أنها تكاثرت بطريقة لم يعرفها العلماء من قبل، ولا تشبه أي عملية تكاثر لدى أي كائن حي معروف (1).

البداية

نعود في البداية إلى عام 2020 إذ تمكن فريق من الباحثين من جامعات مختلفة من إعادة توظيف خلايا حية مأخوذة من أجنة ضفادع وتحويلها إلى أشكال حية جديدة تمامًا، مكونةً بذلك أول روبوت حي على الإطلاق (2)، لكن هذه الكائنات الجديدة ليست روبوتًا بالمعنى التقليدي ولا نوعًا معروفًا من الحيوانات، بل هي فئة جديدة: كائنات حية قابلة للبرمجة (2).

في البداية، صُمت  هذه الروبوتات بواسطة كومبيوتر خارق في جامعة فيروموت ( Vermont University)، ثم جمّعها واختبرها علماءُ البيولوجيا من جامعة تافتس (Tufts University).

فقد زود الباحثون الحاسوب الخارق بالمعلومات الحيوية الأساسية لما تستطيع أن تفعله خلايا القلب والجلد للضفدع، ومن ثم درّبوا الحاسوب باستخدام خوارزميات معقدة ومتطورة على إنشاء آلاف التصاميم لأشكال كائنات حية جديدة تستطيع أداء مهام معينة حددها العلماء مسبقًا مثل: الحركة في اتجاه واحد (2).

وبعد تشكيل الحاسوب عددًا كبيرًا من التصاميم المحاكية الكائنات الحية الجديدة، اُحتفظ بالكائنات الحية الأكثر نجاحًا و كُرّرت، بينما  تخلصوا من التصاميم الفاشلة (2).

وبعدها ستبدًا مهمة علماء البيولوجيا من جامعة تافتس الذين سيقومون بتحويل هذه التصاميم إلى كائنات حية على أرض الواقع (2).

وذلك من خلال جمع الخلايا الجذعية المأخوذة من أجنة الضفدع الإفريقي وتركها منفصلة بفترة الاحتضان، ثم تقطيع هذه الخلايا وربطها لتصبح مشابهة للتصميم الذي حدده الحاسوب (2).

تستطيع هذه الروبوتات الصغيرة (بعرض 1 ملي متر) أن تتحرك باتجاه أهداف معينة وبإمكانها نقل حمولة مثل: توصيل الدواء إلى أماكن معينة من جسم المريض، كما تمتلك القدرة على شفاء نفسها في حال تعرضها للجرح (2).

الأهمية الكبيرة لهذه الروبوتات:

تقدم لنا هذه الروبوتات فائدة كبيرة على صعيدين مختلفين:

الأول: تكنولوجيًّا:

تُصنع معظم المعدات التكنولوجية في يومنا هذا من المعدن أو البلاستيك أو مواد أخرى تؤمن لها القوة أو المرونة، لكنها في المقابل تسبب مشكلات بيئية؛ كالتلوث الباستيكي في المحيطات، وهي أيضًا تضر صحة الإنسان بسبب سمّية بعض المواد المصنعة لها، وهذا ما يجعل استخدام هذه التقنيات لإجراء عمليات داخل جسم الإنسان أمرًا صعبًا، لكن الكائنات الحية ليست كذلك، فهي لا تسبب ضررًا لصحة الإنسان حتى بعد موتها (2).

وهذه الروبوتات الجديدة مثل كل الكائنات الحية تتحلل بعد توقفها عن العمل وتصبح مجرد خلايا جلد ميتة غير مضرة.

تملك هذه الروبوتات القدرة على التعافي وإعادة الالتئام والعودة إلى العمل في حال تعرضت للتمزق أو الانقسام إلى نصفين على عكس التقنيات التكنولوجية التقليدية (2).

الثاني: بيلوجيًّا:

يعد التحدي الأكبر في علم الأحياء هو فهم الخوارزميات التي تحدد كل من الشكل والوظيفة للكائن الحي.

يعطينا هذا الروبوت نظرة أعمق إلى الطريقة التي تنظم بها الكائنات الحية نفسها، وكيف تخزن معلوماتها بناءً على تاريخها وبيئتها (2).

كما أن هذه الأنظمة المصنعة تزيد معلوماتنا عن كيفية نشأة الذكاء في الأنظمة الحية وغير الحية (3).

تعد هذه خطوة أولى في فهم كيفية تصرف الأنظمة الحية وكيف يمكننا التلاعب بأجزاء معينة لتنفيذ السلوكيات التي نريدها (2).

كما يمكن استخدام هذه الروبوتات بوصفها نماذجَ اختبارٍ فريدة في مجالات عدة مثل: الحياة الاصطناعية والطب التجديدي وتطور الخلايا المتعددة وعلم الأحياء الفلكي (4).

الصدمة الكبرى: الروبوتات تتكاثر:

بعد تصميم هذه الروبوتات وفي أثناء إجراء الاختبارات عليها تفاجئ العلماء برؤية هذه الروبوتات تتحرك داخل الطبق الموضوعة فيه وتبحث عن خلايا وحيدة لتجمع المئات منها مع بعضها بعضًا لتشكل منها أطفال جديدة للكائن الحي التي تغدو بعد بضعة أيام روبوتات جديدة مشابهة بالشكل والحركة الروبوتات السابقة، وتبحث هذه الروبوتات الجديدة بدورها عن الخلايا وتنتج نسخًا من نفسها بصورة متكررة في كل مرة (3).

يرى د. دوغلاس بلاكستونDouglas Blackiston الباحث الرئيس في هذا الاكتشاف أن هذا الحدث غير المسبوق ينفي الاعتقاد الشائع بأننا توصلنا إلى الطرائق جميعها التي يمكن للكائنات الحية أن تتكاثر أو تتكرر عن طريقها، وذلك لأن هذه الطريقة بالتكاثر لا تشبه طريقة التكاثر لدى الضفدع التي أخذت منه الخلايا الجذعية بالأساس ولا حتى أي حيوان أو نبات أخر (3).

ماذا بعد؟

تحتوي الحياة على سلوكيات مدهشة ما زالت مخفية وتنتظر من يكتشفها.

رأينا أن هذه الروبوتات تستطيع المشي ورأيناها قادرة على السباحة، والآن وجدنا أنها أيضًا قادرة على التكاثر فماذا سوف نكتشف مجددًا بالمستقبل؟

هذا التساؤل المهم الذي يطرحه د. بونغارد Dr.Bongard واحدٌ من القائمين على هذا البحث يؤرقنا نحن أيضًا، ويجعلنا منتظرين ومتحمسين للخطوات القادمة في هذا المشروع، وما سوف يكشفه لنا (3).

المصادر:

1. Kriegman S, Blackiston D, Levin M, Bongard J. Kinematic self-replication in reconfigurable organisms. Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America [Internet]. 2021 [cited 24 July 2022];118(49): e2112672118. Available from: هنا

2.Team builds the first living robots [Internet]. The University of Vermont. [cited 2022 Jul 24]. Available from: هنا

3.Kriegman S, Blackiston D, Levin M, Bongard J. A scalable pipeline for designing reconfigurable organisms. Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America [Internet]. 2020;117(4):1853–9. Available from: هنا

4.Team builds first living robots—that can reproduce [Internet]. Wyss Institute. 2021 [cited 2022 Jul 24]. Available from: هنا