الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

استهداف التضخم

تتبنى المصارف المركزية إستراتيجية استهداف التضخم بوصفها أساساً للسياسة النقدية، إذ يشكل هدفاً واضحاً يمكن التحكم به على المدى المتوسط ويمكن التنبؤ به وقياسه، ونُفِّذ استهداف التضخم أول مرة من قبل بنك الاحتياطي النيوزيلندي في عام 1988 وأصبح مبدأً توجيهياً واسع النطاق لعديدٍ من البنوك المركزية (1). وتعرَّف إستراتيجية استهداف التضخم بأنها إستراتيجية نقدية يتّبعها البنك المركزي تعتمد على استخدام أدوات السياسة النقدية لتحقيق معدل تضخم سنوي محدد. تهدف إستراتيجية استهداف التضخم إلى تحقيق استقرار الأسعار للوصول إلى نمو اقتصادي جيد وذلك عن طريق التحكم في التضخم (2).

يمكن أن يتعارض استهداف التضخم مع السياسات التي تتبعها البنوك المركزية عادة، والتي تسعى إلى استهداف مقاييس أخرى غير التضخم لقياس أداء الاقتصاد، على سبيل المثال: استهداف أسعار الصرف، ومعدل البطالة والنمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (2).

تبنت عديد من البنوك المركزية عالمياً هذه الإستراتيجية، ويعلَن عن تبني هذه الإستراتيجية بطريقتين، إما أن يفصح البنك المركزي عن أهدافه فيما يتعلق بمعدل التضخم، أو عن طريق قانون وطني يحدد معدل التضخم المستهدف من البنك المركزي. وهذا لا يعني أن استهداف التضخم هو قاعدة صارمة، بل يُترك للبنوك درجة من حرية التصرف، إذ يمكن أن يحدَّد نطاق للتضخم المستهدف (من 1% الى 3% على سبيل المثال) والمنطقة المراد تطبيق الإستراتيجية فيها. ويمكن للبنك المركزي أن يعدل معدل التضخم المستهدف في أوقات الأزمات والتي تؤثر في معدل التضخم على نحو كبير (3).

كيف يستهدَف التضخم؟

للوصول إلى معدل تضخم محدد تُستخدَم كافة أدوات السياسة النقدية، مثل زيادة المعروض النقدي في الاقتصاد، ولكن مؤخراً أصبح من النادر أن تطبع البنوك المركزية النقود للتأثير في المعروض النقدي، وأصبحت عوضاً عن ذلك تستخدم أسعار الفائدة وعمليات السوق المفتوحة (4).

إذ تستخدم البنوك المركزية أسعار الفائدة على القروض بوصفها وسيلةً للتحكم بالتضخم، وتُرفع أسعار الفائدة أو تُخفض للوصول إلى مستوى التضخم المستهدف. أي إن رفع سعر الفائدة يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض مما يشجع الناس على عدم الاقتراض مما يخفض التضخم ويبطئ النمو الاقتصادي، وعلى العكس فإن خفض سعر الفائدة يرفع معدل التضخم ويسرع النمو الاقتصادي (4).

يمكن أن تتخذ البنوك المركزية إجراءات أخرى للتحكم في التضخم مثل عمليات السوق المفتوحة، التي تشتري البنوك عن طريقها السندات الحكومية وتبيعها. ويؤدي شراء السندات إلى زيادة المعروض النقدي في الاقتصاد، بينما يؤدي بيع السندات إلى تقليل المعروض النقدي. يظل النقاش دائراً فيما يخص فعالية أدوات السياسة النقدية في تحقيق هدف التضخم، لكنها تظل الأداة الأكثر مباشرة للبنوك المركزية للتحكم في التضخم (3).

تختلف آراء الاقتصاديين فيما يخص سياسة استهداف التضخم بين من يرى أن إيجابياتها أكثر من سلبياتها، وبين من يرى أن فوائدها لا تغطي تكاليفها؛ فما هي إيجابيات استهداف التضخم وسلبياته؟

إن الفائدة من استهداف التضخم ليس التضخم بحد ذاته، بل وجود هدف يمكن للبنك المركزي قياسه والتأثير فيه (1)، ويسمح استهداف التضخم للبنوك المركزية بالتركيز على الاقتصاد الوطني ويمنحها القدرة على التعامل مع الصدمات (5) كما حدث في أستراليا عام 2002 عندما ساعد استهداف التضخم على مواجهة صدمة الطلب الذي تسارع بالزيادة مقابل العرض، عن طريق رفع سعر الفائدة مما خفض الطلب (1)، فإذا أُعلِن عن معدل التضخم المستهدف، تزداد شفافية السياسة النقدية، ويُسمح للمستثمرين بالتنبؤ بأسعار الفائدة ومعدلات التضخم، مما يقلل حالة عدم اليقين لديهم (5).

يرى بعض الاقتصاديين أن التضخم لا يحقق أي فائدة بل إنه يزيد التكاليف فقط، لذلك يجب على البنوك المركزية أن تسعى إلى تحقيق معدل تضخم صفري، ولكن خفض معدل التضخم إلى الصفر له تكاليف تتمثل في ارتفاع البطالة وانخفاض الإنتاج، أي إن خفض التضخم يؤدي إلى ركود ولكنه بحسب منحنى فيلبس (منحنى يبين العلاقة بين البطالة والتضخم، وهي علاقة عكسية أي عندما ينخفض التضخم ترتفع البطالة وبالعكس) فهو ركود مؤقت، ويصف الاقتصاديون بأن وضع هدف معدل تضخم له تكاليف مؤقتة ومنافع دائمة، ويجب على صانعي السياسات أن يتحملوا التكاليف المؤقتة للوصول إلى تحقيق المنافع الدائمة، وهذا ما حدث فعلاً في أوائل الثمانينيات عندما خفض بول فولكر معدل التضخم من 10% عام 1981 إلى 4% عام 1983 وعلى الرغم من أنّ معدلات البطالة بلغت مستويات عالية جداً إلا أنها كانت مؤقتة وتعافى منها الاقتصاد تماماً (3).

من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن سياسة استهداف التضخم التي تسعى لاستقرار الأسعار يمكن أن تخلق مناخاً لفقاعات المضاربة غير المستدامة وتخلق أزمات في الاقتصاد، كالأزمة المالية العالمية 2008 (5). ويرى آخرون أنه يؤدي إلى استجابات ضعيفة لصدمات العرض، وأنه عوضاً عن ذلك يجب العمل على استهداف سعر الصرف أو استهداف الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي (1).

ويرى بعض الاقتصاديين أن فوائد التضخم الصفري صغيرة مقارنة بالتضخم المعتدل، في حين أن تكاليفه كبيرة جداً، إذ إنه من أجل خفض معدل التضخم بنسبة 1% سنوياً فإنه يجب التخلي عن 5% من الإنتاج، وبالمثل، لخفض التضخم بنسبة 4% يجب التخلي عن 20% من الإنتاج (3). 

إضافة إلى ذلك يؤدي خفض التضخم الى إعادة توزيع الثروة على نحو غير عادل، فعندما يدخل الاقتصاد في حالة ركود وتزداد البطالة تنخفض الدخول لكنها لا تنخفض على نحو متساوٍ، ويكون أكثر المتضررين هم العمال الذين يفقدون وظائفهم، ولذلك فإن تكلفة استهداف التضخم في هذه الحالة تقع على عاتق من لا يستطيع تحملها (3). 

بكافة الأحوال تبقى إستراتيجية استهداف التضخم مستخدمةً من قبل عديدٍ من المصارف المركزية، إلا أن التوقعات تشير إلى أن البنوك المركزية ستحول تركيزها إلى استهداف الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. الذي سيكون برأيهم أفضل للاقتصاد العالمي (1).

المصادر:

1. McKibbin W. Central Banks Must Target Growth Not Inflation [Internet]. Brookings. 2015 [cited 11 August 2022]. Available from: هنا

2. Powell J. New economic challenges and the Fed's monetary policy review [Internet]. Board of Governors of the Federal Reserve System. 2020. [cited 11 August 2022]. Available from: هنا

3. Mankiw NG. Principles of Economics. 8th ed. Cengage Learning; 2018. Available from: هنا;

4. Open market operations [Internet]. Board of Governors of the Federal Reserve System .2021. [cited 11 August 2022]. Available from: هنا

5. Buiter W, Pesenti P. Rational Speculative Bubbles in an Exchange Rate Target Zone. National Bureau of Economic Research. 1990. Available from: هنا