كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (الأمير الصغير) استعادة الطفل في داخلنا

«ارسم لي خروفًا من فضلك!» يتعجب الطيار العالق في الصحراء من تلك الجملة، ذلك لأنه لم يرَ مخلوقًا منذ تعطلت طائرته، والأكثر عجبًا أن صاحب ذلك الطلب طفل صغير لم يبدُ عليه أي مظهر من مظاهر التعب جرّاء سير طويل في الصحراء، وتلك كانت بداية التعارف بين الطيّار والأمير الصغير.

رسم الطيار عددًا من الخراف، لكن لم يعجب الأمير الصغير أيًّا منهم قائلًا: هذا مريض وهذا مُسنّ وهذا ليس خروف أصلًا، فرسم الطيّار صندوقًا وقال للأمير إن الخروف داخل الصندوق، ففرح به الأمير الصغير كثيرًا، قد يكون ذلك الصندوق أرضى خياله إرضاءً تامًا كما يريده لخروفه، فكان خياله داخل ذلك الصندوق.

عندئذ؛ بدأ الأمير الصغير طرح كثير من الأسئلة بفضول وإصرار على إيجاد إجابة لكل أسئلته. فسأل عن الطائرة المُعطَّلة وماهيتها، واندهش عندما علم أن الطيّار يستطيع الطيران بها. تحمل الرواية في طياتها طزاجة واندهاشً المعرفة الأولى للأشياء، فإن لم نحتفظ بالطفل الفضولي في داخلنا فلن نتعلم شيئًا ولن نشعر بدهشة المعرفة.

وينتقد الكاتب من خلال الطيّار عالم الكبار فيقول: «الراشدون يحبون الأرقام. حين تحدثهم عن صديق جديد، فهم لا يسألونك قطّ عن الأمور الجوهرية. لا يقولون لك أبدًا: "كيف هي رنّة صوته؟ ما هي ألعابه المفضلة؟ هل يجمع الفراشات؟"، بل يسألونك: "كم عمره؟ كم عدد إخوته؟ ما وزنه؟ كم دخْل أبيه؟". وعندها فقط يظنون أنهم عرفوه.»

تحدث الأمير عن الخروف كما لو كان موجودًا فعلًا، فيسأل: هل يأكل الخروف كثيرًا من العشب؟ هل يأكل الزهور؟ وعندما أجابه الطيّار بأن الخروف يأكل الزهور، فحزن لأنه يمتلك زهرة على كوكبه وهو لا يريد لها الأذى.

ومع استمرار الحديث بين الطيّار والأمير الصغير علم أيضًا قدوم الأمير من كوكب آخر؛ إذ إن ذلك الكوكب صغير وليس هناك أحد سواه مع هذه الزهرة، وثلاثة براكين ينظفهم الأمير باستمرار، وترك الأمير الصغير كوكبه وزهرته باحثًا عن صديق جديد؛ لأنه يحتاج إلى وجود صديق في حياته، فغادر في رحلة بين الكواكب علّه يجد ذلك الصديق، ومرّ في رحلته تلك على عدد من الكواكب، التي يمثل ساكنيها بعضًا من نماذج البشَر، فالتقى مرّة بملك لا يجد من يحكمه أو يأمره بشيء فاستغل وجود الأمير الصغير على كوكبه لإصدار الأوامر له، التي ليست أوامر فعلًا، لكنه يصدرها إرضاءًا لرغبته السلطوية، ثم ترك الأمير ذلك الكوكب متعجبًا من ذلك الملك، ليذهب إلى كوكب آخر ليلتقي فيه برجل مغرور يعيش على مدح الناس له، وهكذا ظل الأمير يتنقل من كوكب إلى كوكب، ويلتقي بسكّير ورجل أعمال ومُشعل مصابيح وعالم جغرافيا. كلّ على كوكبه الخاص حتى هبط على كوكب الأرض والتقى بالطيّار ومخلوقات أخرى. كل ذلك والطيّار يسمع قصة الأمير بشيء من التذمُّر لأنه يريد التفرغ لإصلاح طائرته، لكن بمرور الوقت أحب الطيّار ذلك الأمير واستعاد معه شيئًا من طفولته.

عَمِل الكاتب (أنطوان دو سانت - إكزوبيري - Antoine de Saint-Exupéry 1900-1944) في شركة لنقل البريد الجوي، فكان ينقل البريد بالطائرة بين أوروبا وإفريقيا. ابتداء من سنة 1929، فعَمِل في نقل البريد جوًّا في أمريكا اللاتينية، وفي هذه الفترة ألّف كتابه الأول "طيران الليل". وبعد إفلاس الشركة، ومع الحرب العالمية الثانية، انتقل إلى الولايات المتحدة حيث تفرغ للكتابة، فأصدر رواية "الأمير الصغير" سنة 1943، وهو العمل الذي تُرجم إلى ما يزيد عن مائة وستين لغة، وقد اقتُبس منها فيلم الرسوم المتحركة عام 2015 مع بعض الإضافات اللطيفة للقصة.

هل قرأتم رواية الأمير الصغير؟ أو شاهدتم فيلم الرسوم المتحركة المأخوذ عنها؟ وما رأيكم فيها؟

معلومات الكتاب: