الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية > الجغرافيا الاقتصادية

رفاهية الشعب أولاً؛ نيوزيلندا أنموذجاً

فاجأت نيوزيلندا العالم عام 2019م بالكشف عن أول ميزانية تقع تحت مسمى (Wellbeing Budget) موازنة الرفاهية أو السعادة (1)، والمقصود بمصطلح (Wellbeing)؛ الحالة التي يكون عندها الشخص سعيدًا وبصحةٍ جيدة (2)، وتعني أيضًا أن يعيش الناس حياةً مُرضيةً متوازنةً وذات قيمةٍ لهم (3).

كانت غاية نيوزيلندا من تخصيص هذه الميزانية إعادة النظر في معايير نجاح الدولة كما قال روبرتسون نائب رئيس الوزراء الحالي: "نحن لا نعتمد على الناتج المحلي الإجمالي فحسب، بل نعتمد أيضًا على كيفية تحسين رفاهية شعبنا وحماية البيئة وتعزيز مجتمعاتنا" (1).

وعلى الرغم من أن نيوزيلندا الدولة الأولى التي استخدمت مصطلح ميزانية الرفاهية والعيش بحالة جيدة (Wellbeing Budget) لكنَّ ذلك لا ينفي أنَّ العديد من الدول اهتمَّت برفاهية شعبها أيضًا؛ مثل فرنسا التي أدخلت مقاييس لجودة الحياة، وجاء ذلك استجابةً لمخرجات لجنة قياس الأداء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي (4)، وناقشت هذه اللجنة محدودية الناتج القومي المحلي (GDP) بوصفه مقياسًا للرفاهية (5). 

كما سبق للمملكة المتحدة أن أسست عام 2010م برنامجًا لقياس الرفاهية على مستوى البلاد مؤكدةً في ذلك رغبة رئيس وزراء المملكة السابق "ديفيد كاميرون" في قياس التقدم الوطني عبر جودة الحياة وليس المستوى المعيشي (4).

ماذا ميَّز ميزانية نيوزيلندا؟

خُصِّص نصيبٌ كبير من خطة الإنفاق للصحة النفسية (455 مليون دولار)، وكان من أعمالها أيضًا؛ منع الانتحار، وتأمين فرص عمل وتدريب للشباب، ودعم الأقليات من ناحية الصحة وفرص العمل، ومعاملتهم باحترام، والاستثمار في البحث العلمي لمساعدة المزارعين في مواجهة تحديات التغير المناخي (3).

بعيدًا عن قيم الـ (GDP) الباردة بحسب وصف منظمة التنمية والتعاون المشترك (OECD) التي اتَّخذت من مصطلح "الحياة الأفضل" هدفًا لها، والتي يتركَّز عملها في ما يزيد عن 40 دولة معظمها من الدول المتقدمة (6)؛ وجدت هذه المنظمة أنَّ التقدُّم الاجتماعي مرافق لرخاء ورفاهية السكان، وأنَّه لا يمكن تقييم هذا التقدم عن طريق أداء النظام الاقتصادي فحسب، ووضعت معايير لقياس الرفاهية (Wellbeing) مثل الدخل والوفرة وجودة العمل وجودة البيئة ورضا الناس عن حياتهم والصحة والإقامة والارتباط الاجتماعي (7).

وعلى عكس الدول المتقدمة؛ فإنَّ الدول النامية ولا سيما التي تعاني من صراعات أو كوارث تكون ذات مستويات رفاه منخفضة بالتأكيد، ولوحظ أيضًا التفاوت بنسب التعاسة بين هذه الدول؛ ففي دراسةٍ نُشِرت على مجلة (Nature communication) وُجِد أنَّه بمقارنة سورية في الفترة بين 2008م و2015م مع دول أخرى تعاني أيضًا من صرعات مسلَّحة واضطرابات أو كوارث زادت المشاعر السلبية في سورية عن نظيراتها بمقدار 37.5%، وتناقص مستوى المساندة الاجتماعية بنسبة 39.3%، وكذلك الحال بالنسبة إلى الرعاية الصحية (8).

إذًا كانت هذه قصة نيوزيلندا والتي يسير على نهجها دول أخرى؛ دولٌ ترى أنَّ الحكومة والشعب وجهان للدولة، ورفاهية الشعب معيارٌ لنجاح الدولة. 

وأنت عزيزي القارئ هل أعجبتك إستراتيجية نيوزيلندا؟

المصادر:

1. Robertson H. New Zealand’s first Wellbeing Budget [Internet]. The Beehive. 2019 [cited 7 June 2022]. Available from: هنا

2. well-being [Internet]. Dictionary.cambridge.org. [cited 7 June 2022]. Available from: هنا

3. Budget at a glance: the wellbeing budget [Internet]. New Zealand Government; 2019 [cited 7 June 2022]. 12 p. Available from: هنا

4. Joshanloo M, Jovanović V, Taylor T. A multidimensional understanding of prosperity and well-being at country level: Data-driven explorations. PLoS ONE [Internet]. 2019 [cited 7 June 2022];14(10). Available from: هنا

5. Measurement of Economic Performance and Social Progress: About - OECD [Internet]. Oecd.org. [cited 7 June 2022]. Available from: هنا

6. OCED Better Life Index [Internet]. Oecdbetterlifeindex.org. [cited 7 June 2022]. Available from: هنا

7. Measuring Well-being and Progress: Well-being Research [Internet]. Oecd.org. 2022 [cited 7 June 2022]. Available from: هنا

8. Cheung F, Kube A, Tay L, Diener E, Jackson JJ, Lucas RE et al. The impact of the Syrian conflict on population well-being. Nature Communications [Internet]. 2020 [cited 7 June 2022];11(3899). Available from: هنا