اللغة العربية وآدابها > علم العَروض وموسيقا الشِّعر

مبادئ علم العَروض وموسيقا الشعر; _الكتابة العروضية_

يقوم الشعر العربي على مبدأ النظر في الحروف الساكنة والحروف المتحركة وتكرارها في كل شطر من القصيدة، فالقصيدة الشعرية وحدةٌ موسيقية، أصواتُها الحروف، ومعرفةُ الساكن والمتحرك هي أساس علم العَروض؛ لأن البناء الموسيقي للشعر مؤسسٌ عليها (1-3).

مثال للتوضيح قول المتنبي:

عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزِمِ تَأْتِيْ الَعَزَائِمُ ... وَتَأْتِيْ عَلَىْ قَدْرِ الكِرَامِ المَكَاْرِمُ

وَتَعْظُمُ فِيْ عَيْنِ الصَّغِيْرِ صِغَارُهَا ... وَتَصْغُر فِيْ عَيْنِ العَظِيْمِ العَظَاْئِمُ (4)

لاحظ تشابه الأشطر الأربعة في ترتيب الحروف المتحركة والساكنة (كلها بدأتْ بحرفَينِ متحركين ثم حرفٌ ساكن ثم متحرك ثم ساكن ثم متحركَين ثم ساكن...إلخ) مع اختلافات بسيطة في بعض أشطر ندعوها زِحافات وعِلل (وسنفصّل الحديث عنها فيما بعد).

يُرْمز للحرف الساكن بإشارة ○

ويُرمز للحرف المتحرك (أيًّا كانت الحركة) بإشارة /

ويُعتمد في تحديد الحروف الساكنة على اللفظ لا على الكتابة، لذلك لجأ العَروضيون إلى كتابةٍ خاصة اعتمدت الحروف المنطوقة فحسْب سُميت "الكتابة العَروضية": وهي كتابة يَثبُت فيها ما يُلفظ وإن حُذف في قواعد الخط والإملاء، ويحذف منها ما لا يُلفظ وإن ثبت في الخط والإملاء (1,2).

الحروف التي تلفظ ولا تُكتب:

1- التنوين: يُلفظُ نونًا ساكنة، مثل: "دميةٌ" نكتبها في الكتابة العَروضية "دميتُنْ" أو "كتابٍ" تُكتب "كتابِنْ".

2- الحرف المشدد: يعد حرفين (ساكن ومتحرك)، مثل: "صوّر" نكتبها "صَوْوَرَ".

3- المد: يعد حرفين (متحرك وساكن)، مثل: "مَلآن" نكتبها "ملأَاْن".

4- الألف المحذوفة في الإملاء: مثل "لكن، هذا، هذه، هؤلاء، هكذا…" تُكتب "لاكِن، هاذا، هاذه، هاؤلاء، هاكذا…"

5- الواو المحذوفة من بعض الكلمات في الإملاء: مثل: "داود، طاوس" تُكتب "داوود، طاووس".

6- اللام في الأسماء الموصولة: مثل: "التي، الذي" تُكتب "الْلَتي، الْلَذي".

7- الواو أو الياء الناتجتان عن إشباع حركة الحرف أو الضمير: (الإشباع: وهو إطالة الحركة حتى يتولد منها حرف علة، فيتولّد من الفتحة ألف، ومن الكسرة ياء، ومن الضمة واو).

مثل قول المتنبي: 

عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزِمِ تَأْتِيْ الَعَزَائِمُ ... وَتَأْتِيْ عَلَىْ قَدْرِ الكِرَامِ المَكَاْرِمُ (4)

تُكتب: لمَكَارِمُوْ.

وقول ابن زُريق البغدادي:

فاستعملي الرفق في تأنيبهِ … بدلًا من عنفهِ فهو مضنى القلبِ موجعهُ (5)

في البيت ثلاث حالات إشباع:

الحروف التي تكتب ولا تُلفظ:

همزة الوصل وألف ال التعريف إذا وقعتا في وسط الكلام (دَرْج الكلام).

لام ال التعريف الشمسية، مثل قول المتنبي:

مغاني الشعبِ طِيبٌ في المغاني … بمنزلة الربيعِ من الزمانِ (3)

يكتب البيت وفق قواعد الكتابة العروضية بالشكل الآتي:

مَغان شْشَعبِ طِيبُن فِ لْمغاني … بمنزلة رْرَبيعِ منَ زْزَماني

ألف التفريق بعد واو الجماعة، مثل: انتظروا، لم ينتظروا، تصبح في الكتابة العروضية: انتظرو، لم ينتظرو.

ألف الاسم المقصور المنوّن، فإننا لا نلفظ الألف بل نلفظ التنوين، مثل "فتًى، عصًا" فتُكتب: فتَنْ، عصَنْ.

ألف "أنا" في الغالب، وقد تُثبت أحيانًا، ومثال حذفها قول المتنبي: 

أنا تَرْبُ الندى ورَبُّ القوافي … وسِمَامُ العِدَا وغَيْظُ الحَسُودِ (3)

فإنها تكتب في الكتابة العروضية هكذا (أنَ تَرْبُ..).

الواو في بعض الكلمات، مثل: أولئك، أولو، أولي، عمرو…إلخ (تحذف الواو في الكتابة العروضية).

وبهذا نجد أن الكتابة العَروضية ما هي إلا تدوين للحروف الملفوظة فحسب ولا علاقة له بالكتابة الإملائية، ولا تُعتمد هذه الكتابة في التدوين العادي بل هي خاصة بالتقسيم الموسيقي للشعر.

في مقالنا القادم سنرى كيف قسّم علماء العروض هذه الحروف المتحركة والساكنة في مجموعات صُغرى سميت أسبابًا وأوتادًا، ومجموعات كبرى سميت تفعيلات..

تابعوا معنا وشاركونا تعليقاتكم واستفساراتكم.

المصادر:

  1. عتيق عبد العزيز. علم العروض والقافية. الطبعة الأولى. دمشق، سورية: دار النهضة العربية؛ 1987. ص7-11.
  2. الشَّنتريني محمد بن عبد الملك بن السرّاج. المعيار في أوزان الأشعار. تحقيق: د. محمد رضوان الداية. الطبعة الثانية. دمشق، سورية: دار الملاح؛ 1990. ص 5-10.
  3. التبريزي الخطيب. الوافي في العروض والقوافي. تحقيق: فخر الدين قباوة. الطبعة الرابعة. دمشق: دار الفكر؛ 1986. 
  4. المتنبي أبو الطيب أحمد بن محمد الجعفي. ديوان المتنبي. الطبعة الثانية. بيروت: دار بيروت للطباعة؛ 1983. ص 385.
  5. المجذوب عبد الله بن الطيب. المرشد إلى فهم أشعار العرب. الكويت، دار الآثار الإسلامية؛ 1989. ج5 ص23.