الفنون البصرية > فن المسرح

مقارنة بين المسرحين اليوناني والروماني

المعمار المسرحي اليوناني:

المسرح اليونانيّ بسيطٌ جدًّا؛ إذ مرّ بمراحل كثيرة من البناء الخشبيّ المؤقّت إلى الحجري الدائم، ويتألّف من الأقسام الآتية: 

  1. حلبة للرّقص وتسمّى الأوركسترا (Orchestra) دائريّة الشّكل: وهي مكان الجوقة وفي وسطها مذبحُ الإله. ومع مرور الزمن بدأت تضيق لصالح اتّساع الخشبة.
  2. الصّالة: عبارة عن مكان جلوس المشاهدين وتسُمى الثياترون (Theatron)، تأخُذ شكل ثُلثيّ دائرة تلتفّ حول الأوركسترا، وتتكوّن من صفوف المقاعد الحجريّة.
  3. في الجانب البعيد لحلبة الرّقص أُقيم بناءٌ بسيط لخشبة المسرح يسمّى (السكيني-Skene)، وهو مكان مرتفع له رواق على طول الواجهة بين الجناحين -الجناح اليميني مُخصّص للقادم من المدينة، واليساري للقادم من خارجها- اللذين يسبقانه ويُخفِيانه عن الصّالة. 
  4. الخلفيّة: وهي جدار يمثّل واجهة قصرٍ (وأحيانًا واجهة معبَد) لهُ ثلاثة أبواب -الأوسط كبيرٌ مخصّصٌ لدخولِ الملوك والأُمراء وخروجهم وإلى جانبيه بابين أصغر حجمًا- والجدار مزيّن لكنّه حياديّ.

لم يكنْ المسرح اليونانيّ مزيّنًا في البداية، كذلك فلم يكن هناك مناظر مسرحية، وكانت الإكسسوارات المستخدمة قليلة جدًّا إضافةً إلى أنه لم يكن هناك أثر يُذكر للسّتارة، غيرَ أنه أنّه احتوى مجموعة كبيرة من الآلات، نذكر أهمَّها:

  1. deus ex machina (أو الإله في الآلة): وهي آلةٌ تُشبه صندوقًا خشبيًّا معلّقًا بحبلٍ في أعلى المسرح، ينزِل به بعض الآلهة قرب نهاية العرض ليحلّ عُقدة المسرحيّة. 
  2. إكسيكليما (Ekkuklema): تشبه طاولةً خشبيّة منخفضة الارتفاعِ لها عجلات تخرج من الباب الرّئيس وعليها جثّةُ الشّخصيّة المقتولة.
وجديرٌ ذكره أنّه كان يُنظر إلى الممثّلين والمخرجين والكتاّب الدراميين بوصفهم أعضاء شرف في المجتمع الأثيني.

فمعظم الأحداث المسرحيّة في التّراجيديا كانت تجري أمام واجهة القصر، لذا لم يكن هناك حاجة لأيّ ديكور لتحديد المكان. لكن بعض المسرحيات قدّمت مشاهد تَجري أحداثها في أماكن مختلفة، ممّا تطلّب استخدامَ بعض الوسائل الماديّة لتحديد المكان الذي يجري فيه الحدَث، وقد بيّنت الوثائقُ أنّ اليونانيين استخدموا الوسيلتين الآتيتين: 

  1. الموشور ذو المُسطّحات الثّلاثة، وكان يُرسم عليه المناظر المناسبة. وهناك موشور على يمين الأوركسترا، وآخرٌ على يسارها، يحملُ كلاهما المناظرَ نَفسها، كي يتُابع المشاهد الجالس في صالة شبه دائرية مشاهدة المنظر على الموشور المقابل له. 
  2. لوحات قماشيّة رُسمت عليها مناظرٌ تجري فيها بعض الأحداث: قبر وغابة وطريق وجزيرة وغيرها. وتكون ملفوفةً ومعلّقةً في أعلى الخلفيّة، وتُسدَل من الأعلى إلى الأسفل في الوقت المناسب (1,2).

المعمار المسرحي الروماني:

إنّ أي معرفة دقيقة للمعمار المسرحي عند الرومان لا بد أن يمرَّ بمرحلتين أساسيّتين، الأولى هي مرحلة العصر الجمهوريّ -ولاسيّما الفترة التي عاش و عمل فيها بلاوتوس-، والثّانية هي مرحلة العصر الإمبراطوريّ.

العصر الجمهوري:

 لم يكن هناك مسرح مبنيّ من الحجر، بل من الخشب، وكان وجودُه مؤقّتًا؛ أي يُنصب في الأعياد فقط. وجرت محاولات منذ عام 179 ق. م. لبناء مسرح دائم من الحجر، لكن كلها باءَت بالفشل، وذلك لعدم تشجيع الدّولة للفنّ المسرحيّ واحتقارِها له، ولم يُبنَ مسرح دائم إلا سنة 55 ق. م. وذلك حين شيّد بومبيوس مسرحًا من الحجر في روما (3,1).

كان المسرح طويلًا وضيّقًا، ويُحتمل أنّه لم يتجاوز أكثر من خمسة أقدام ارتفاعًا، وكان عميقًا إلى حدٍّ ما، والمنظر -غالبًا- يُمثّل شارعًا في إحدى المدن اليونانيّة، إذ إنّ مسرحيات ذاك الزّمن مُستمدة من الكوميديا اليونانيّة الحديثة، وكان في نهاية المسرح لوحات رُسم عليها واجهة منزلين أو ثلاثة على الأكثر، ولكلّ منزلٍ بابٌ لدخول الممثّلين، وكانَ هناك مدخلين على جانبي المسرح، فالمدخل الأيمن -بالنسبة للمتفرج- يؤدّي غالبًا إلى المدينة، والأيسر إلى الأمكنة البعيدة كالميناء والرّيف.

وكان يوضع أمام المنازل -على المسرح- مذبحٌ للإله أبولون، وخلف المسرح غرف الممثلين حيث يغيّرون ملابسهم. المسرح نفسه لم يكن له سقف، ولم يكن هناك ما يدلّ على أنّ السّتارة التي كانت تُسدل من الأعلى إلى الأسفل قد استُعملت في ذاك الزّمن، بل في عصر الجمهوريّة المتأخر. وكان الدّخول إلى المسرح بالمجان، ولم يكن هناك ما يُعرف بتذكرة الدّخول التي تّشير إلى مكان حاملها إلّا في العصر الإمبراطوري (3).

العصر الإمبراطوري:

وضع أغسطس قيصر حدًّا للجمهورية بإعلان نفسه أنّه هو الدولة، أصلَحَ وبنى إصلاحًا كبيرًا لجعل روما عاصمة لإمبراطورية عالمية، ومن هذه الإصلاحات وضع حدّ للفوضى والنّهب والفساد المستشري وإعادة النّظام والقانون والعدالة، ويفتخر أغسطس أنّه أعاد بناء مسرح بومبيوس الرّائع، وبنى من الحجر مسرحًا على شرف ابنه المُتبنّى مرسيلوس. كانت الدولة تدفع المال للمتعهدين لتنظيم الاحتفالات والعروض للشّعب، وكان بعض الأثرياء يدفعون أُجرة عروضٍ مجانيّة إظهارًا لثروتهم، أو أن بعض المرشحين يكسبون عطف الشعب بتقديم تسلية ليوم كامل (3).

تشير الهندسة المعماريّة للمسرح الرّوماني إلى الاهتمام الروماني بالتّحكم الاجتماعي والعرض الهرمي. على النقيض من العالم اليوناني -حيث كان الجلوس في المسرح مفتوحًا إلى حدّ كبير-، فُصلت الجماهير الرومانية على أساس الطّبقة والجنس والجنسيّة والمهنة والحالة الاجتماعية (1).

فنجد مدرجات المسرح تتسع لـ 15000 مُتفرّج، وفي المنبسط الذي يعادل الأوركسترا في المسرح اليوناني هناك مقاعد الشّرف الخاصّة بأعضاء مجلس الشّيوخ، ومنصّة التّمثيل التي تمتد على طول 300 قدم، ويحيط بها من الجانبين جدار بارتفاع صفوف المدرجات، ويمثّل واجهة معبد أو قصر ومزيّن بترف، فيه عدة صفوف من الأعمدة والأروقة وفتحات للمشاعل وتماثيل وحوش مُذهّبة، وفوقها سطح مزين، أمّا الصّالة فمكشوفةٌ للسّماء. باختصار إنّه مسرحٌ أكثرُ صلابةً وضخامةً وفخامةً وتكاملًا ممّا كان عليه المسرح اليوناني (1,3).

الملابس والأقنعة والتماثيل اليونانية:

كان القناعُ يمثّلُ رمزًا أو تجريدًا للعاطفة الغالبة على الشّخصية التي تُمثّل بصورة رئيسة، فكان  يُصنَع من القماش أو الخشب الرّقيق مُغطّيًا الرّأس بأكملهِ، ويعلوه شعرٌ كثيفٌ، وله لحية، وفيه فُتحة كبيرة للفم -أشارت معظم المصادر أنّها كانت بغرض تضخيم الصوت- وكان من الصّعب على الممثّل التّعبير وتحريك القناع، ومن وظائف الأقنعة أيضًا إدخال الشخصيات النسائية للعرض؛ فمن المعروف أنه لم يكن مسموحًا للنساء بالتمثيل آنذاك.

كانت الملابس بسيطة، ظاهرها هو ثوب طويل حتى العقبين ينتهي بأكمام طويلة تغطّي اليدين ويتوسطه زنّار، وكانوا يلبسون أحذية عالية، ولكل شخصية لباسها. وكانت للألوان والاكسسوارات رموزٌ تدل على مكانة الشخصية، على سبيل المثال الأحمر علامة الملكية.

كما اعتمد الممثل في أدائه الإشارة والحركة، وكان التمثيلُ حُرفةً يُعترف بها منذ عصر أسخيلوس (Aeschylus)؛ إذ كان الممثلون يتجهون نحو احتلال المركز الأول في العرض المسرحي. وأصبحت نقابة الممثلين منظمة اقتصادية واجتماعية قويّة، يتمتّع أفرادُها بامتيازاتٍ خاصةٍ بكونهم عاملين في حقل الدين، لذلك كان الممثل يلقى تقديرًا كبيرًا في المجتمع اليوناني.  

طوّرت أثينا نظامًا يَفرِض على المواطن الغنيّ أن يُنتج برنامجًا مسرحيًّا لشاعرٍ ما، ويتحمّل مُعظم نَفقات التّنفيذ، فيدفع المموّل (الخوريغوس-Choregos) مُرتّبات الممثلين والموسيقيين، ويؤمّن الملابس لهم، وإذا فاز البرنامج المسرحي تُوّج الممول مع الشاعر بالجائزة (1).

التمثيل والملابس والأقنعة الرومانية:

كان الممثل الروماني- كنظيرهِ اليوناني- يَنتظم في فرقة تمثيلية، وكان في روما عديدًا من هذه الفرق، وكان معظم الممثلين من العبيد أو المعتَقين، وهناك ما يثبت أنّ مهنة التمثيل لم تكن مُحتقرة دائمًا، إذ يتحدّث المؤرّخ الروماني ليفيوس عن عصر لم يجد فيه الشّباب من المواطنين -أي ممن ليسوا عبيدًا- ضيرًا في أن يقوموا بالتّمثيل.

ممثلٌ واحدٌ كان يمثّل دورين مختلفين أو أكثر، إذ لم يكن عدد أعضاء الفرقة كبيرًا، فكانت مؤلّفة في الغالب من خمسة ممثلين يُضاف إليهم أحيانًا بعض الكومبارس للقيام بالأدوار الصّامتة. وكان الرّجالُ يقومون بأدوار النساء في زمن بلاوتوس وتيرينس. 

في مسرحية "علبة المجوهرات" لـِ بلاوتوس (Plautus) نَلحَظ ما يفيد أنّ الممثلين الذين سيقدّمون أدوارَهم بشكل جيّد سيُمنَحون شرابًا، أمّا الذين لم يُتقنوا التمثيل فسوف يُجلَدون. وربّما وَردت هذه الإشارة على سبيل المُزاح، لكنّنا لا نستطيع تصوّر وجود أمثال هذه الإشارات في المسرح اليوناني. 

كانت العلاقة بين الفِرق التّمثيلية قائمة على المُنافسة في كثيرٍ من الأحيان. ويوجد ما يُشير إلى أنّ الجوائز كانت تُمنح للفرق والممثلين على السّواء. 

عُدت الملابس أساس تقسيم الكوميديا الرّومانية إلى أنواع، فالكوميديا الرومانية المأخوذة عن اليونان عُرفت باسم بالياتا (Fabula palliata)، أي الكوميديا التي تلبس فيها الشخصيات العباءَة اليونانية المعروفة باسم باليوم Pallium.

إنّ ملابسَ السّيدات شبيهةٌ بملابس الرّجال تقريبًا، الجلباب والعباءَة والصّندل، غير أنّ عباءَة النساء كانت تختلف عن عباءَة الرّجال، وبعض النسوة كُنَّ يَلبَسن جلبابًا طويلًا. 

  لم تكن هناك ملابس خاصة للعبيد، فبعضهم كان يلبس ملابس شبيهة بملابس سيده؛ غيرَ أنها من نوع أحط، وأحيانًا يلبسون القميص فقط. وكان الجندي يلبس عباءَة قصيرة (Chlamus) تُثبّت في الكتف الأيمن بحيث يُعلّقها على الكَتف الأيسر. أمّا الرأس فكان يترك عاريًا، لكنَّ بعض العمّال والعبيد الذين أُعتقوا حديثًا كانوا يَلبسون نوعًا من القبعات (Pilleus) المصنوعة من اللباد -وقد تصنع من الجلد- وهي مخروطيّة الشّكل.

ليس هناك رأيٌ قاطع باستخدام الأقنعة في زمن بلاوتوس وتيرينس، فهناك من يَقرّ باستخدامها -لأنّه يرى بأنّ الأقنعة في الكوميديا الرومانية كانت تتبع نظام الأقنعة في الكوميديا اليونانية-، فيما يمنع آخرٌ ذلك، والاكتفاء ببعض المكياج (1,3).

تدقيق لغوي: لمى الفروي.

المصادر:

1. Pandolfi V. Histoire du théâtre: avant-garde symbolism; theater and history. Vol 1. Verviers: Gerard & Co - Marabout University Librarynumber 5; 1969. 413‪ p. Available from: هنا

2. . التكريتي ج. قراءة وتأملات في المسرح الاغريقي. العراق: وزارة الثقافة والاعلام; 1985.

3. Beare W. The Roman stage. London,Methuen:Harvard University Press; 1951. P. 292. Available from: هنا