كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب رواية (الغثيان)؛ القلق الوجودي

أعطت رواية الفيلسوف الفرنسي جان بول  سارتر( Jean-Paul Sartre 1905-1980) الأولى (الغثيان)، اسم القلق الوجودي. إنها رواية فلسفية ذات مشاعر وجودية، تتعمق في العبثية الخالصة للعالم مع خيال سارتر العميق وتستكشف العشوائية وسعة العالم. كل ما نأخذه بصفته أمرًا مُسلَّمًا به ويبدو طبيعيًّا بالنسبة لنا، يتفكك ويتبعثر لجعله يبدو سخيفًا تمامًا.

أنطوان روكينتان  هو (بطل قصتنا)  هو رجل ليس بحاجة لكسب لقمة العيش. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، كرّس نفسه لكتابة كتاب تاريخ عن ماركيز دي رولليبون الأرستقراطي الفرنسي.

تدور حياة روكينتان حول تأليف هذا الكتاب والذهاب إلى المقاهي وقضاء ساعات طويلة في المكتبة. إنه شخصية منعزلة. ليس لديه أصدقاء وعادة ما يتنصت إلى محادثات الآخرين ويراقب أفعالهم، فهو متألم وفي حالة صراع مع كل ما في مدينته حيث يعيش، وفي حالة صراع نفسي وتفاعل دائم مع الشخصيتين الأُخرتَين ٱني ( عشيقته) و(ما يطلق عليه في الكتاب الرجل العصامي) الذي أمضى مئات الساعات في القراءة في المكتبة، الذي يعتقد أنه يمكنه تعلم كل ما يريد من خلال القراءة. وأخيرًا فبطلنا في حالة صراع مع نفسه، ويغلب على روكينتان الشعور بالغثيان عندما يدرك أنه كان يحاول إنعاش شخصية تاريخية من الماضي من أجل تبرير وجوده.

ينجم الموضوع الرئيس للرواية عن اعتقاد سارتر بأن "الوجود يسبق الجوهر". يُفرِّق روكينتان عن غير قصد بين الأشياء الجامدة، أو "الوجود في ذاته"، والوعي البشري. كل اكتشاف يقوم به روكينتان ينبع من فكرة بأن الوجود يسبق الجوهر، فهو يعتقد أن الوجود المخيف الساحق للوجود أكبر من أن يتعامل معه الناس، لذا يتجاهلونه ويخفونه من خلال إدراك جوهره فقط. يعتقد سارتر أن البشر يتمتعون أساسًا بحرية فعل ما يريدون. وعلى لسان بطل قصته يقول باستمرار إنه يريد أن يكون حرًّا فحسب، لكن مع هذه الحرية تأتي المسؤولية. يعتقد سارتر على لسان بطله أن هذه المسؤولية المذهلة تجعل الناس قلقين وتقودهم في النهاية إلى إنكار حريتهم ومسؤوليتهم، فمثلًا: آني تخشى التصرف لأنها لا تريد أن تكون مسؤولة عن قطع ماضيها. وكما أوضح سارتر ، فإن المسؤولية "تحتم علينا أن نكون أحرارا".

ومن الموضوعات الرئيسة في الرواية هو فكرة "الصدفة"، فليس هناك سبب ضروري لوجود أي شيء، إذا حدث التطور مرة أخرى، فستكون النتائج مختلفة تمامًا. يعتقد سارتر أن الناس ينسبون الجواهر إلى الأشياء لتقديم سبب لوجودهم. لذلك يستخدم  موضوع الصدفة لانتقاد تأكيد الإنسانية على عالم عقلاني يكون الوجود البشري هو محور تركيزه وهدفه، كما يشرح روكينتان للإنسان الذي يدرس نفسه، فإن البشر هم نتاج عرضي لواقع لا معنى له. 

 في نهاية الرواية يظهر بصيص أمل لهذا البطل، عندما يستمع إلى أغنيته المفضلة في البداية يسخر من فكرة أن الموسيقى "تعزية"، لكنه يبدأ بعد ذلك بالتفكير، وللمرة الأولى منذ سنوات، يتأثر روكينتان بفكرة الإنسان. 

إن الاعتماد على الإبداع الفني لفهم الذات يصبح العلاج النهائي لغثيانه. بدلا عن الاستسلام لليأس، يفكر في فعل شيء مشابه لهذا، ليس في عالم الموسيقى، لكن في عالم الفن ليس كتاب تاريخ؛ لأن هذا يتعلق بما كان موجودًا. لكن ربما قصة مخترعة، عن شيء لم يكن موجودا من قبل:

"يجب أن يكون جميلًا وصلبًا مثل الفولاذ، ويجعل الناس يخجلون من كينونتهم  ... كتاب. رواية."

معلومات الكتاب: