الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

كيف تعاملت مجتمعات دول الجوار مع قضية اللاجئين السوريين؟

تنويه: لم يتناول هذا المقال الدول المستضيفة جميعها؛ بسبب قلة الدراسات الاكاديمية المعنية بتلك الدول، وإنَّما اقتصر على الدول التي استضافت أكبر عدد من اللاجئين وهي دول الجوار.

تشغل قضيةُ اللاجئين ومعاناتهم ومشكلاتهم حيزًا كبيرًا في تغطية تداعيات الحرب وآثارها، وقد نال اللاجئون السوريون اهتمامًا كبيرًا بسبب معاناتهم وبسبب الصعوبات والمخاطر الكبيرة التي واجهوها في طريقهم إلى دول اللجوء،  واختلفت المواقف تجاه قضيتهم بين مؤيد ومتعاطف معهم وآخر متخوِّف ورافض لهم، وأسهمت وسائل الإعلام في ترسيخ هذه المواقف عن طريق الرسائل والصور النمطية التي رسَّختها في أثناء تغطية أخبارهم؛ إذ انعكس هذا التأطير والصور النمطية المرافقة له بمدى اندماج اللاجئين في البلدان المضيفة لهم ومدى ترحيب هذه المجتمعات لوجودهم وتقبُّلهم (1).

ما موقف المجتمعات المستضيفة؟

تُعدُّ تركيا من أكبر الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين، وقد وصلت أعدادهم إلى مليوني لاجئ نهاية عام 2015، ولاقى اللاجئون السوريون الترحيب والتضامن من المجتمع التركي شعبيًّا وعلى مستوى الدولة بدايةً، وبُني ذلك على الموقف الإنساني تجاههم، ولكنَّ هذا الموقف تغير كليًّا بعد مرور بضعة سنوات على بداية الحرب وذلك بعد تركيز وسائل الإعلام والأخبار على إظهارهم بصورة سلبية بسرد أخطاء اللاجئين السوريين والتركيز عليها (1). 

أما في لبنان، فكان الوضع أصعب نسبيًّا، فقد شكَّل وجودُ أكثر من مليون لاجئ سوري منذ بداية الحرب تحديًا كبيرًا لكل من المضيفين في البلد واللاجئين إليه وخصوصًا في بلد صغير مثل لبنان يعاني من مشكلات داخلية تظهر في الظروف المعيشية لسكانه وضعف الموارد وقلة الخدمات وقلة فرص العمل، فهذه العوامل جميعها أسهمت في ظهور مشكلات متعددة متمثلة بالتعصب والتحيز والتمييز والعنصرية؛ إذ نُظر إلى اللاجئين السوريين في لبنان بازدراء على اختلاف مستواهم الثقافي والتعليمي، و تعرَّضوا للعنف والضرب لمجرد كونهم لاجئين سوريين، كما وتعرَّض عديدٌ من العمال السوريين لهجمات عنيفة وحالاتٍ عديدة من سوء المعاملة والاستغلال (2). 

كيف تعامل الإعلام مع قضايا اللجوء وكيف صوَّر اللاجئين؟

كرَّست وسائل الإعلام الصور النمطية السائدة عن اللاجئين السوريين عن طريق تغطية أخبارهم بما يتفق مع الصور النمطية الشائعة عنهم لدى الجمهور المُتابِع؛ وذلك بهدف تحقيق الأرباح، وبما يتناسب مع توجهات الشركات ومصالحها والمعايير المشتركة لجمع الأخبار وتقييمها، وهي الأخبار التي تجعل من الأنباء المتداولة متشابهة ومنسجمة، وتركز على فئات محددة وتتناسى فئات أخرى، فصوَّرتهم لاجئين بائسين ينامون في الخيام ويفترشون الطرقات ومحطات القطار المزدحمة أو يتجادلون مع الشرطة، أو يحاولون عبور السياج الحدودي لدخول البلد، وبعض الصور والمقالات ركَّزت على الذين ماتوا في أثناء رحلة اللجوء في البحر ونشرت صور أطفال غرقى على الشواطئ الأوروبية لكسب استعطاف الجمهور (3).

وصُوِّر اللاجئون السوريون في الغرب على أنَّهم إرهابيون وأنَّهم خطرٌ محتمل، وعلى أنَّهم متخاذلون وجبناء تركوا نساءهم وأطفالهم خلفهم في بلدٍ يعاني من الحرب وهربوا من القتال والدفاع عنهم، هذه الأصوات نُظِّمت في حملة غير مُرحِّبة باللاجئين السوريين أُطلِقت من مختلف دول أوروبا وترافقت مع صور للاجئين سوريين رجال فحسب، مع غياب وجود نساء أو أطفال بصحبتهم وقُورنت هذه الصور بصور لمقاتلات نساء يحملن بندقيات بأيديهن ويستعددن للقتال، وذلك للتشكيك برجولتهم وقوتهم، وبُنيت هذه التصورات نتيجةَ الصورة النمطية للذكور في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر والتي رسَّخت صورتهم بأنَّهم إرهابيون مُحتمَلون وتهديدٌ للمجتمع (4). 

أما في تركيا، فقد تماشت وسائل الإعلام مع موقف المجتمع المتعاطف مع اللاجئين في السنين الأولى للحرب، من حيث تقديم تغطية محايدة أو ايجابية لأخبارهم وخصوصًا ما يتعلق بأوضاع النساء والأطفال كونهم أشد الفئات ضعفًا وتضررًا. ولكن، لم يدم الأمر طويلًا حتى بدأ تركيزُ وسائل الإعلام والأخبار على إظهارهم بصورة سلبية، فأصبحوا بين عامي 2016 و2017 من بين أكثر الفئات المكروهة في الصحافة التركية مبررين ذلك بتزايد أعدادهم تزايدًا كبيرًا، فتغيَّرت صورتهم من ضيوف مُرحَّبٍ بهم إلى تصويرهم بأنَّهم عبء وتهديد للمجتمع وتحوَّل التعاطف السائد سابقًا إلى كراهية، وانعكست هذه التصورات لأفعال وحوادث عنف طالت وما تزال تؤرِّق اللاجئين السوريين (1).

وأوضح تقريرٌ صادرٌ عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن التغطية الإعلامية لأوضاع اللاجئين السوريين في عديدٍ من الدول الأوروبية وجودَ عديدٍ من حالات التغطية المتحيِّزة؛ إذ طغت المقالات والتقارير الإخبارية التي تناولت قضية اللاجئين من جانب التهديد الأمني على تلك التي تناولتها من جانب إنساني، مع التركيز على خطاب السياسيين المُناهِض لوجود اللاجئين والمتخوِّف منهم (4).  

ما موقف السياسيين من اللجوء السوري؟

استُعمل وجود اللاجئين -عمومًا- كبشَ فداء لتفسير المشكلات المختلفة التي تعاني منها المجتمعات المُضيفة سواء المشكلات الاقتصادية أو الاجتماعية أو ارتفاع معدلات الجريمة، وأُلقي باللوم على اللاجئين؛ ممَّا أدى إلى تعرُّضهم إلى التمييز وتنامي مشاعر العداء ضدهم.

كان موقف الحزب الحاكم في تركيا داعمًا للاجئين السوريين، وأُرفِق هذا الدعم مع خطابٍ سياسي بصبغةٍ دينية للقيادة التركية، مُطلقين على اللاجئين السوريين لقب (المهاجرين المسلمين) وسمُّوا من يساعدهم ويقف إلى جانبهم (الأنصار) (1).

 

وفي الغرب، استغلَّت الأحزاب السياسية اليمينية في أوروبا قضية اللاجئين السوريين لجذب الناخبين والحصول على دعمهم وتأييدهم عن طريق خطاب شعبوي عدائي ضد التعددية الثقافية وضد اللاجئين ومع التركيز على الصور النمطية السائدة بين أوساط جمهورها. فاتُّهِموا بأنَّهم سببٌ في زيادة معدلات الجريمة في المجتمع وبأنَّهم تهديدٌ حقيقي للمجتمع عن طريق اغتصاب النساء الجماعي والتشويه والزواج القسري، بالإضافة إلى التركيز على ارتفاع معدلات البطالة باتهام اللاجئين بسرقة الوظائف من المواطنين (5).

أما في لبنان، ففُرض حظر التجوال على حركة اللاجئين السوريين في بعض المناطق والبلديات وقُيِّدت حركتهم في أوقات محددة للتضييق عليهم، بالإضافة إلى خطاب بعض القادة السياسيين اللبنانيين والذين صنَّفوا اللاجئين السوريين على أنَّهم متَّهمون؛ ممَّا أجَّج الأوضاع لتصل إلى حدِّ الاشتباكات في بعض المناطق. ونُظر إلى المخيمات التي يقطنها اللاجئون السوريون بوصفها أماكن مُسيسة، كما وشكَّل وجودُ هذه المخيمات مادةً دسمةً لوسائل الإعلام وخطابات الأحزاب السياسية (2).

وبذلك يتضح كيف أُطِّرت صورة اللاجئين السوريين ونُمِّطت في قوالب محددة ومتناقضة في بعض الأحيان وذلك تبعًا لمنظورات مختلفة، فصُوِّروا على أنَّهم (ضحايا) وفق منظور المصالح الإنسانية، وأنَّهم (تهديد للبلد المضيف) ذلك من المنظور الأمني، أما من المنظور الاقتصادي فنوقشت قضيتهم من حيث (المكاسب والخسائر) العائدة على الدول المضيفة لهم، وعُدُّوا أنَّهم (تحدٍّ للحكومات) وفق المنظور الإداري (1).

المصادر:

1. Narlı N, Özaşçılar M, Turkan Ipek I. Turkish Daily Press Framing and Representation of Syrian Women Refugees and Gender-Based Problems: Implications for Social Integration. Journal of Immigrant & Refugee Studies [Internet]. 2019 [cited 20 April 2022];18(1):1-21. Available from: هنا.

2. Kheireddine B, Soares A, Rodrigues R. Understanding (in)tolerance between Hosts and Refugees in Lebanon. Journal of Refugee Studies [Internet]. 2020 [cited 1 June 2022];34(1):397-421. Available from: هنا

3. Perreault G, Paul N. An image of refugees through the social media lens: A narrative framing analysis of the Humans of New York series ‘Syrian Americans’. Journal of Applied Journalism & Media Studies [Internet]. 2018 [cited 10 June 2022];7(1):79-102. Available from: هنا

4. Rettberg J, Gajjala R. Terrorists or cowards: negative portrayals of male Syrian refugees in social media. Feminist Media Studies [Internet]. 2015 [cited 29 April 2022];16(1):178-181. Available from: هنا

5. Sakib N, Ishraque Osman S. Syrian refugee influx and the rise of far-right rhetoric: a quasi-experimental investigation. European Politics and Society [Internet]. 2019 [cited 15 June 2022];21(4):371-383. Available from: هنا