الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

هل الحليب هو المصدر الأفضل للكالسيوم؟

الكالسيوم معدن يرتبط غالبًا بالعظام والأسنان السليمة، على الرغم من أنه يؤدي أيضًا دورًا مهمًا في تخثر الدم، ومساعدة العضلات على الانقباض، وتنظيم إيقاع القلب الطبيعي ووظائف الأعصاب. يُخزَّن قرابة 99٪ من الكالسيوم في الجسم في العظام، و 1٪ المتبقية توجد في الدم والعضلات والأنسجة الأخرى (1)، وللمزيد بخصوص الكالسيوم والحاجة اليومية منه ومصادره يمكنكم الاطلاع على المقال الآتي: هنا.

من أجل أداء هذه الوظائف الحيوية اليومية، يعمل الجسم على الحفاظ على كمية ثابتة من الكالسيوم في الدم والأنسجة. ويحصل الجسم على الكالسيوم الذي يحتاجه بطريقتين. إحداهما عن طريق تناول الأطعمة أو المكملات الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم، والأخرى عن طريق سحب  الكالسيوم من الجسم. فإذا انخفضت مستويات الكالسيوم في الدم على نحوٍ كبير، فإن هرمون الغدة الجار درقية Parathyroid Hormone (PTH) سيحفز العظام على إطلاق الكالسيوم في مجرى الدم. قد ينشط هذا الهرمون أيضًا فيتامين د لتحسين امتصاص الكالسيوم في الأمعاء. في الوقت نفسه، يرسل هرمون الغدة الدرقية إشاراتٍ للكلى لإخراج كمية أقل من الكالسيوم مع البول. عندما يحتوي الجسم على كمية كافية من الكالسيوم، يعمل هرمون مختلف يسمى الكالسيتونين Calcitonin على عكس ذلك: فهو يخفض مستويات الكالسيوم في الدم عن طريق إيقاف إطلاق الكالسيوم من العظام والإشارة للكلى للتخلص منه في البول (1).

يعتقد الناس غالبًا أنّ حليب البقر هو المصدر الأساسي للكالسيوم. لكن تشير بعض الدراسات الحديثة إلى خلاف ذلك. نظرًا إلى أنّ تناول الحليب كان نادرًا على الأرجح بين البالغين خلال معظم مراحل التطور البشري، فمن الآمن افتراض أنّ البشر كانوا يحصلون على الكالسيوم كله الذي يحتاجونه من مصادر غذائية أخرى. وقُدِّر المدخول اليومي في العصر الحجري القديم بما يصل إلى 1579 ملغ يوميًا بدون أي منتجات ألبان (2).

من شبه المؤكَّد أن المتطلبات الغذائية للإنسان المعاصر قد أُسِّسَت على مدى عصور من الخبرة التطورية، وتشير أفضل الأدلة المتاحة إلى أن هذا التطور حدث في بيئة غذائية عالية الكالسيوم. ويمكن عدُّ التمرينات والأنماط الغذائية للبشر الذين يعيشون في نهاية العصر الحجري نماذج طبيعية، وكان تناول الكالسيوم ضعف ما هو عليه بالنسبة إلى الإنسان المعاصر، إضافةً إلى أنّ متطلبات المجهود البدني كانت أكبر أيضًا مما هي عليه الآن. تشير البقايا العظمية من تلك الفترة إلى أن ذروة الكتلة العظمية كانت أكبر وتعرضهم لهشاشة العظام المرتبط بالعمر كان أقل مقارنةً بالبشر في القرن العشرين (3).

وتُظهر بعض الدراسات القائمة على الملاحظة أن زيادة تناول منتجات الألبان ليس لها أي تأثير في صحة العظام أو قد تكون ضارة؛ إذ فحصت أول دراسة ما إذا كان تناول كميات أكبر من الحليب والأطعمة الأخرى الغنية بالكالسيوم خلال سنوات البلوغ يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بكسور هشاشة العظام، ولم تدعم الفرضية القائلة بأن زيادة استهلاك الحليب أو مصادر الغذاء الأخرى للكالسيوم من قبل النساء البالغات يقي من كسور الورك أو الساعد (4).

وأشارت دراسة أخرى إلى ارتباط استهلاك منتجات الألبان، خاصة في سن 20 عامًا، بزيادة خطر الإصابة بكسر الورك في سن الشيخوخة (5).

 وأوجد بحث ثالث تعرض الرضع الذين تناولوا حليب البقر الكامل لزيادة بنسبة 30٪ في نزيف الأمعاء وفقدان كبير للحديد في البراز، ومن المفترض أن يكون هذا مرتبطًا باستهلاك بروتين الكازئين الموجود في حليب الثدييات. وتهدف هذه الدراسة إلى إظهار وجود علاقة بين استهلاك منتجات الألبان ووقوع ارتباط النزيف المعدي المعوي عند الرضع وسرطان المبيض وداء السكري. إذ وجدت إحدى الدراسات أن استهلاك حليب البقر كان مرتبطًا بضعف وظيفة المناعة لدى الأطفال، مما قد يؤدي إلى تكرار العدوى (6).

أما بالنسبة للسمنة فكان الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا أقل عرضةً لزيادة الوزن أو السمنة عند عمر 4 سنوات مقارنةً بالأطفال الذين يرضعون حليبا صناعيًا (7). وفي دراسة أخرى أيضًا وُجد ارتباط إيجابي بظهور حب الشباب عند تناول الحليب الكلي والحليب الخالي من الدسم، وافترضت هذه الدراسة أن الارتباط بالحليب قد يكون بسبب وجود الهرمونات والجزيئات النشطة بيولوجيًا في الحليب (8).

التوافر البيولوجي للكالسيوم:

الكالسيوم معدن كبير وليس من السهل تفتيته في القناة الهضمية. كمية الكالسيوم المدرجة في ملصق البيانات الغذائية لمنتج غذائي ما هي مقياس محتوى الكالسيوم في هذا المنتج، ولكن ليس بالضرورة الكمية التي سيمتصها الجسم من الكالسيوم عند تناول هذا المنتج. الكمية التي يمتصها الجسم ويستخدمها فعليًا تسمى "التوافر البيولوجي للكالسيوم Calcium Bioavailability". 

تزود بعض الأطعمة الجسم بنسبة أعلى من الكالسيوم من غيرها اعتمادًا على توافره الحيوي فيها؛ على سبيل المثال، تتمتع منتجات الألبان بتوافر حيوي يبلغ 30٪ امتصاص، لذا فإذا كان ملصق البيانات الغذائية على الحليب يذكر احتواءه على 300 مغ من الكالسيوم لكل كوب، فسوف يمتص الجسم حوالي 100 مغ ويستخدمه. وتحتوي الأطعمة النباتية مثل الخضروات الورقية على كمية أقل من الكالسيوم بشكل عام مقارنةً بمنتجات الألبان ولكنها تتمتع بتوافر حيوي أعلى منها. على سبيل المثال، يحتوي بوك تشوي Bok choy (نوع من الملفوف الصيني ) على حوالي 160 مغ من الكالسيوم لكل كوب واحد مطبوخ ولكن له توافراً حيوياً بنسبة 50٪، لذلك يُمتص قرابةُ 80 مغ منه. لذلك، فإن تناول كوب واحد من بوك تشوي المطبوخ يزود الجسم تقريبًا بالكمية نفسها التي يأخذها من كوب واحد من الحليب بالرغم من أن محتواه من الكالسيوم أقل. ويحتوي عصير البرتقال المدعم بالكالسيوم والتوفو المحتوي على الكالسيوم على كمية إجمالية مماثلة من الكالسيوم والتوافر البيولوجي مثل الحليب، في حين أن اللوز يحتوي على نسبة أقل من الكالسيوم الإجمالي والتوافر البيولوجي بنسبة 20٪.

لكن لا بد أن نذكر أنه من عيوب بعض الأطعمة النباتية أنها تحتوي على مواد نباتية طبيعية، يشار إليها أحيانًا باسم "مضادات المغذيات" Antinutrients، من أمثلة مضادات المغذيات الأوكسالات Oxalates والفيتات Phytates التي ترتبط بالكالسيوم وتقلل من توافره البيولوجي. يحتوي السبانخ على أعلى محتوى كالسيوم من بين جميع الخضروات الورقية، إذ يحتوي على 260 مغ من الكالسيوم لكل كوب مطبوخ، ولكنه يحتوي أيضًا على نسبة عالية من الأوكسالات، مما يقلل من التوافر البيولوجي بحيث يمكن للجسم استخدام 5٪ أو قرابة 13 مغ فقط من الكالسيوم. والرسالة هنا ليست تجنب السبانخ، فهو يحتوي على عناصر غذائية قيّمة أخرى، ولكن لا يجب الاعتماد على السبانخ بوصفه مصدراً مهماً للكالسيوم لأن الجسم لا يمتص معظمه. يمكنك أيضًا جدولة وجباتك بحيث لا تأكل الأطعمة الحاوية على مركبات "مرتبطة بالكالسيوم" مثل السبانخ في نفس الوجبة مع الأطعمة الغنية بالكالسيوم أو مع مكملات الكالسيوم (1).

أما اللفت والبروكلي فهما غنيّان بالكالسيوم ومنخفضا المحتوى من الأوكسالات. وهذا ما يفسر ارتفاع معدل امتصاص الكالسيوم بنسبة 40.9٪، وهو أعلى من معدل امتصاصه في الحليب (32.1٪) (2).

ما أسباب زيادة الحاجة الى الكالسيوم أو قلة الامتصاص؟

قد تزيد بعض العناصر الغذائية والأدوية من حاجتك إلى الكالسيوم لأنها تقلل من امتصاص الكالسيوم في الأمعاء أو تتسبب في طرح المزيد من الكالسيوم في البول. وتشمل: الكورتيكوستيرويدات Corticosteroids (على سبيل المثال: بريدنيزولون Prednisone)، والصوديوم الزائد في النظام الغذائي، وحمض الفوسفوريك كالموجود في المشروبات الغازية الداكنة كالكولا، والكحول الزائد، والأوكسالات (1).

 

ما هي بدائل منتجات الألبان بوصفها مصدراً للكالسيوم؟

يتوفر الكالسيوم على نطاق واسع  في العديد من الأطعمة، وليس فقط الحليب ومنتجات الألبان الأخرى. تعد الفواكه والخضراوات الورقية مثل البروكلي والكرنب واللفت وبوك تشوي (نوع من الملفوف الصيني) والبقول (الفول والفاصوليا البيضاء وفول الصويا) والمكسرات كاللوز وبعض الخضروات النشوية مصادر جيدة، وكذلك القرع الشتوي والسردين المعلب والسلمون (1).

 

تحتوي منتجات الحبوب الكاملة على كميات كبيرة من الكالسيوم (107 مغ، 73 مغ لكل 100 غرام). عند تناولها بانتظام، يمكن أن تساهم على نحوٍ كبير في إجمالي مدخول الكالسيوم. تتداخل النخالة مع الامتصاص؛  والخميرة تحسنه.

غالبًا ما يشار إلى المكسرات بوصفها مصدراً طبيعياً للكالسيوم الغذائي. ومع ذلك، عادة ما تُستَهلك بكميات صغيرة. ينصح باستخدام السمسم لاحتوائه على نسبة عالية من الكالسيوم (مايقارب 900 مغ لكل 100 غرام). توفر ملعقة واحدة من حبات السمسم 90-135 مغ من الكالسيوم (2).

وللمزيد بخصوص بدائل الحليب وفوائدها الصحية يمكنكم الاطلاع على الآتي: هنا وهنا

المصادر:

 
1. Calcium [Internet]. Harvard T.H. Chan School of Public Health. 2022 [cited 24 June 2022]. Available from: هنا
2. Burckhardt P. Calcium revisited, part III: effect of dietary calcium on BMD and fracture risk. BoneKEy Reports [Internet]. 2015 [cited 24 June 2022];4. Available from: هنا
3. Eaton S, Nelson D. Calcium in evolutionary perspective. The American Journal of Clinical Nutrition [Internet]. 1991 [cited 24 June 2022];54(1):281S-287S. Available from: هنا
4. Feskanich D, Willett W, Stampfer M, Colditz G. Milk, dietary calcium, and bone fractures in women: a 12-year prospective study. American Journal of Public Health [Internet]. 1997 [cited 24 June 2022];87(6):992-997. Available from: هنا
5. Cumming R, Klineberg R. Case-Control Study of Risk Factors for Hip Fractures in the Elderly. American Journal of Epidemiology [Internet]. 1994 [cited 24 June 2022];139(5):493-503. Available from: هنا
6. Kelly-Newton S, Tulp O, Einstein G. The Correlation Between Dairy Product Consumption and Gastrointestinal Bleed, Ovarian Cancer, and Diabetes in Infants: A Meta-Analysis Approach. The FASEB Journal [Internet]. 2016 [cited 24 June 2022];30(S1):671.3-671.3. Available from: هنا (هنا)
7. Nicklaus S, Remy E. Early Origins of Overeating: Tracking Between Early Food Habits and Later Eating Patterns. Current Obesity Reports [Internet]. 2013 [cited 24 June 2022];2(2):179-184. Available from: هنا
8. Adebamowo C, Spiegelman D, Danby F, Frazier A, Willett W, Holmes M. High school dietary dairy intake and teenage acne. Journal of the American Academy of Dermatology [Internet]. 2005 [cited 24 June 2022];52(2):207-214. Available from: هنا