الطبيعة والعلوم البيئية > ألـبومـات

سدود القنادس إعادة هيكلة النظم البيئية

في منتصف القرن التاسع عشر؛ كان مدير السكك الحديدية ورائد الأعمال والسياسيّ لويس هنري مورغان يجوب مساحات الأراضي الشاسعة التي لم تمتدّ إليها يد البشر في شبه جزيرة ميشيغان العليا في أمريكا الشمالية بغرض دراسة مسارات السكك الحديدية في البرّية، وقد ذُهل بما رآه حينها. إنها أرض القنادس... حيثما أدار عينيه وجدَ بركة مائية أمام سدّ صغير لبعض القنادس.

كان ذلك بمنزلة فرصة ذهبية له ليستكشف القندس في بيئته الطبيعية، واستمرّ بعد ذلك سنوات عدّة وهو يراقب هذا الكائن الدائم الانشغال ببناء السدود، حتى خرج بكتاب "القندس الأمريكيّ وأعماله" إلى النور عام 1868.

احتوت كلّ نسخةٍ مطبوعة من الكتاب على خريطة مطوية ومرسومة بعناية من مهندسي السكك الحديدية العاملين تحت إشراف مورغان؛ إذ بيّنت هذه الخريطة مواقع 64 سدّاً من سدود القنادس موزعةً على مساحة 125 كيلومتراً مربّعاً.

بقيت هذه الخريطة النادرة حتى يومنا دليلاً على مدى براعة القندس هندسة سدوده وإتقانها، وهذا بالفعل ما أثبتته الدراسات التي بيّنت أن معظم سدود القنادس التي وثّقها مورغان في خريطته لا تزال حتى الآن، وهذا دليل على مدى مرونة هذه القوارض الكبيرة وقدرتها على بناء منشآتٍ قد تدوم أجيالاً (1).

فما هي سدود القنادس؟ دعونا نلقي نظرة عن كثب في هذا الألبوم.

تُعدّ القنادس (Castor fiber, Castor canadensis) واحدةً من أكثر أنواع الثدييات تأثيراً في النظم البيئية، حتى أصبحت تدعى "مهندسو البيئة"، ويرجع ذلك إلى سدودها التي تُشكّل بركاً مائية صغيرة وتسهم في تحسين النظام البيئي كله (2).

تبني القنادس سدودها على المجاري المائية الصغيرة والسهول الفيضية التابعة لها بهدف إعادة تشكيل موائلها؛ بما يساعدها في تأمين غذائها وتشكيل مسطّحات مائية ذات عمق كافٍ يضمن عدم تجمّدها شتاء، إضافة إلى حمايتها من الحيوانات المفترسة (2).

عادةً ما تفضّل القنادس بناء سدودها على المجاري المائية من المراتب الدنيا ذات الميول الخفيفة التي يتراوح عرضها بين 4 إلى 6 أمتار أو أقلّ (2) وبعمق أقلّ من 0.7 متر (3)، وكذلك تُبنى سلسلة من هذه السدود على المجرى الواحد لتشكّل ما يسمى "مدرّجات القنادس المائية"، ويتحكّم التصريف الأدنى للمجرى مع ميل الوادي في حجم سلسلة السدود هذه (2).

طوّرت القنادس - على مدى ملايين السنين - قدرتها على تعديل النظم البيئية بما يلائم احتياجاتها، ويَمتدّ تأثيرها ليشمل النواحي الهيدرولوجية والجيومورفولوجية والبيئية والمجتمعية (3).

تُسهم سدود القنادس في زيادة موائل المياه العذبة؛ إذ تقلّل التصريف المائيّ في اتّجاه المجرى الأساسي للنهر، في حين تزيد الاتصال المائيّ على جانبيّ المجرى مما يزيد السهول الفيضية ويَخلق بيئات متنوّعة من الأراضي الرطبة، وكذلك تُسهم في إعادة شحن مخزون المياه الجوفية (3).

تعمل سدود القنادس على استعادة النظم النهرية المتدهورة عن طريق زيادة كمّيات الطمي في سرير برك هذه السدود؛ ما يُسهم بدوره في زيادة اتّصال السهول الفيضية (3)، وكذلك تُلحظ التغييرات الجيومورفولوجية في المجرى المائي بتأثير القنادس في تغيير الملامح الطّولية للمجرى وميل سرير النهر وخشونة السطح (3).

وفيما يخصّ التأثيرات الهيدرولوجية لسدود القنادس؛ فهي تُسهم في زيادة الاتّصال الجانبيّ للنظام النهريّ عن طريق دفع الماء جانبياً، وكذلك فإنها تُسهم في زيادة تخزين المياه السطحية في بركها الصغيرة، إلى جانب إعادة شحن مخزون المياه الجوفية ورفع منسوبها (3).

وكذلك تؤدّي سدود القنادس دوراً مهمّاً في تخزين الكربون؛ ممّا يبقي الغازات الدفيئة الحاوية على هذا العنصر خارج الغلاف الجوّيّ، لكنه قد يعود في حال هجرت هذه الكائنات سدودها (4).

تُسهم سدود القنادس في زيادة التنوّع الحيويّ، ويظهر ذلك في زيادة وفرة بعض أنواع الحيوانات مثل الأسماك والضفادع والطيور المائية والخفافيش، وكذلك فإنّها تُسهم في زيادة التنوّع النباتيّ؛ ممّا يوفّر الموائل لبعض الكائنات المهدّدة (5).

على الرغم من الدور الكبير الذي تؤدّيه القنادس في إعادة هيكلة النظام البيئي عن طريق سدودها، لكنّها قد تسبّب بعض المتاعب إذا عاشت بقرب البشر، وتتّضح هذه المتاعب في العادات الغذائية لهذه الكائنات ونشاطها في بناء السدود والتي تعتمد أساساً على وجود الأشجار بقربها، ما قد يهدد الممتلكات الخاصة للبشر (6).

المصادر:

1. Malakoff D. 150-year-old map reveals that beaver dams can last centuries. Science | AAAS [Internet]. 2015 [cited 2022 Mar 21]. Available from: هنا

2. Larsen A, Larsen J, Lane S. Dam builders and their works: Beaver influences on the structure and function of river corridor hydrology, geomorphology, biogeochemistry and ecosystems. Earth-Science Reviews [Internet]. 2021 [cited 23 June 2022];218:103623. Available from: هنا

3. Brazier R, Puttock A, Graham H, Auster R, Davies K, Brown C. Beaver: Nature's ecosystem engineers. WIREs Water [Internet]. 2020 [cited 23 June 2022];8(1). Available from: هنا

4. Perkins S. What Role Do Beavers Play in Climate Change?. Science | AAAS [Internet]. 2013 [cited 2022 Mar 22]. Available from: هنا

5. Nummi P, Liao W, Huet O, Scarpulla E, Sundell J. The beaver facilitates species richness and abundance of terrestrial and semi-aquatic mammals. Global Ecology and Conservation [Internet]. 2019 [cited 23 June 2022];20:e00701. Available from: هنا

6. Beaver (Castor canadensis) [Internet]. Washington Department of Fish & Wildlife. [cited 2022 Mar 25]. Available from: هنا