الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

هل يحق لأي أحد الإنجاب؟!

ينطوي مفهوم الوالدين على عدة جوانب منها البيولوجية والاجتماعية والقانونية والطبية؛ إذ إن الوالدين البيولوجيين هما اللذان يشكلان الطفل جينيًّا، وتعقد وسائل الإلقاح اليوم هذا المفهوم.

ومن الممكن أن يختلف الوالدان البيولوجيان عن الأب والأم الاجتماعيين اللذين يرعيان الطفل ويربيانه، كما في حالة التبني أو التبرع بالنطاف والبويضات.

أما الوالدان القانونيان فهما اللذان يملكان الحقوق والمسؤوليات القانونية، وسابقًا في الولايات المتحدة مثلًا، كان زوج الأم يُعدُّ أبًا للطفل، حتى لو كان الطفل لزوج سابق.

ونظرًا إلى هذا الاختلاف في مفهوم الأهل، يرى بعض الفلاسفة أن مفهوم العائلة قد يتغير ليشمل أكثر من شخصين يمثِّلان الوالدين القانونيين والاجتماعيين والبيولوجيين، بما يضمن صحة الطفل وتحقيق العدالة الاجتماعية له والأثر البيئي الناتج (1).

هل الإنجاب حق مشروع؟

معظم الناس يتكاثرون دون التفكير في أحقيتهم فيه، ولكنهم يعلمون أنه وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في القرن العشرين، يحق لكل إنسان أن يتزوج ويُنشئ عائلة، ولكن لهذا السؤال عديدًا من وجهات النظر ولكل منها درجة في أحقيتها، فقد يرى البعض أن موقف المجتمع من الإنجاب يجب عكسه، إذ إننا ننظر باستغراب نحو الذين لا يريدون الإنجاب، بينما يجب أن نستغرب من الذين ينجبون وننتظر منهم تبريرًا للإنجاب (1,2).

ويرى الليبراليون أنه يحق لكل شخص أن ينشئ طفلًا ويكون أبًا له، فيما يرى المحافظون أن حقَّ الإنجاب يتغير وفقًا للسياق، وأن تقنيات تعزيز الإنجاب الطبية تهدد قيمة الحياة والعائلة، في حين يركز التيار النسوي على التجربة النسائية في الحمل والرعاية تحت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والتمييز الجنسي (1).

من جهة أخرى، يرى اللاإنجابيون أنه من الخطأ إنجابُ طفل سيتعرض إلى تجربة بائسة في الحياة؛ مثل المولودين بإعاقة دائمة، وبعض الناس يذهب إلى أبعد من ذلك؛ إذ يناقش أن الإنجاب لا يكون فعلًا صحيحًا إلا في حالة ضمان الأهل بأن يؤمِّنا حياةً جيدة للطفل، إذ إن حقهم في الإنجاب لا يجب أن يسبب أذى للطفل.

ومن الممكن أن بعض الأشخاص قد يفضلون ألا يولدوا لو كانوا يملكون الخيار، إذ إن الحياة فيها المتعة والألم، وبما أن الألم سيئ، فإنه بالمقارنة مع العدم حيث لا وجود للسعادة والألم أساسًا، لن يكون هنالك ألمٌ، ومن ثم فالعدم أفضل من الوجود (1-3).

متى يكون الإنجاب فعلًا أخلاقيًّا، وهل هو بالأصل فعلٌ أخلاقي؟

يرى البعض أن شرط الإنجاب الأخلاقي أن يضمن الأهل وجود المتطلبات الأساسية اللازمة ليعيش المولود حياة كريمة، كالطعام والمأوى والتعليم والعناية الطبية (1).

وناقش اللاإنجابيون بأن الإنجاب خطأ أخلاقي، أو على الأقل خطر أخلاقي، بسبب الأضرار التي يسببها البشر لبعضهم وللحيوانات والبيئة، إذ إن الإنجاب يزيد من عدد السكان، ومن ثم يزيد من انبعاثات الكربون واستهلاك المصادر، ولأن المال المصروف على إنجاب طفل جديد، من الأفضل أن يُصرف على إنسان موجود فعلًا لذلك من الواجب عدم الإنجاب، بل إن وجود الأطفال الأيتام يجعل من واجبنا الأخلاقي أن نتبنَّاهم بدلًا من إنجاب أطفال غيرهم (1-3).

هل يعامل الأهل أبناءهم على أنهم أشياء يمتلكونها ويستخدمونها؟

قد يناقش البعض أن أسبقية الوالدين الجينية للطفل تمنحهم ملكية عليه، وهنا يحدث خلطٌ بين علاقات الملكية والعلاقات العائلية، إذ لا يمكن عدُّ الطفل ملكيةً تُباع وتُشترى (1)!

إضافةً إلى أن معظم الآباء والأمهات ينجبون الأطفال لأسباب تخصهم؛ مثل تمرير اسم العائلة والجينات والممتلكات والقيم، وممارسة دور الرعاية تجاههم، والشعور بالمشاعر الجميلة المرتبطة بالعلاقات بين الأهل وأبنائهم، وهم بذلك ينظرون إلى الطفل على أنه أداة يستخدمونها لتحقيق مصالحهم (2).

ما حدود الأهل وحقوقهم على حساب أطفالهم؟ 

 للأهل حقوقٌ قانونية وأخلاقية تسمح لهم باتخاذ القرارات التي تتعلق بغذاء أبنائهم، ودراستهم وتعاملهم مع الآخرين وتوجيههم دينيًّا، وتتراجع قدرتهم على اتخاذ هذه القرارات مع امتلاك أبنائهم القدرة على اتخاذ القرار، ولكن من وجهة نظر تركز على الطفل، فإن للأهل هذه الحقوق ليستطيعوا أداء مسؤولياتهم، وتأتي المسؤوليات قبل الحقوق (1).

من جهة أخرى، لو ركزنا على الأهل، فإن حقوقهم يجب أن تكون أساسية وليست إجبارية، لأن ما يقدمونه من تعاطف وود وحنان للأطفال لا يمكن استبداله، وهو أساسُ حقوقِ الأهل (1).

أما مسؤوليات الأهل فتُصنَّف إلى وصاية تتمحور حول الطفل وعيشه حياة جيدة، وعلاقات ثقة مع المجتمع والدولة، إذ إن قرارات الأهل التي تهدد فرص الطفل في أن يصبح مواطنًا صالحًا تقع في نطاق اهتمام الدولة (1). 

متى يجب أن تتدخل الدولة والمؤسسات المجتمعية العامة في تربية الأطفال؟

يجب أن نفرق هنا بين رعاية احتياجات الطفل، والرعاية القائمة على الود، وفي هاتين الحالتين لا تقلل الدولة من شأن حق الأهل في اتخاذ القرار بتدخلها، في حين تسبب ذلك فيما يتعلق بتنشئة الأطفال وتعليمهم، ويناقش البعض أن الدولة يجب أن تتدخل في بعض القضايا مثل ختان الأطفال، وتوريث ديانة الأهل إلى الأبناء، إذ إن ذلك يتناقض مع حريتهم الدينية بوصفهم أشخاصًا، في حين يرى آخرون أن نقل الدين للأطفال جزءٌ من المشروع العائلي (1).

ويحاول الأهل أن يؤدوا مسؤولياتهم قدر الإمكان، ولا يجب أن نتوقع منهم عدم ارتكاب بعض الأخطاء، لكن عند وصولهم إلى مرحلة الإهمال والأذى، يجب أن تتدخل الدولة لتحمي الأطفال منهم، ولكن غالبًا تتدخل الدولة بعد حصول ضرر كبير غير قابل للتراجع؛ لذلك يرى بعض الفلاسفة أنه يجب فحص قابلية الأهل للرعاية، و القادرون عليها -فحسب- يمكن منحهم شهادة تسمح برعاية الأبناء (1).

هل برأيكم يجب أن يُسمح بالإنجاب بموجب فحوص وشهادة نجاح تُمنح للوالدين؟

المصادر:

1. Brake E, Millum J. Parenthood and Procreation In: Zalta E, ed. by. Stanford Encyclopedia of Philosophy [Internet]. The Metaphysics Research Lab, Department of Philosophy, Stanford University; 2022. Available from: هنا

2. Rulli T. The Ethics of Procreation and Adoption. Philosophy Compass [Internet]. 2016 [cited 3 June 2022];11(6):305-315. Available from: هنا

3. Benatar D, Wasserman D. Debating procreation: Is It Wrong to Reproduce?. Oxford Scholarship Online; 2015. Available from: هنا