الفنون البصرية > أعمال سينمائية

مراجعة فيلم A Serious man: رجل جادّ ضائعٌ في عالم الأخوين كوين

في فيلم A Serious Man، كما في كتاب أيّوب، أحدِ أسفار العهد القديم، هنالك رجلٌ مستقيمٌ ونزيه، هنالك مآسٍ ومحن، وكثيرٌ من التساؤلات عن معنى هذه المحن، لكن لا تتوقّع أيّ حكمٍ ومواعظَ في النّهاية.

فأيّوب هنا هو أستاذ فيزياء يُدعى (لاري غوبنيك) يعيش حياةً هادئةً ومستقيمةً وبسيطة إلى أن تنهال عليه المصائب من كلّ حدبٍ وصوب. يبقى لاري طيلة الفيلم يكرّر السؤال الآتي "ماذا يحدث ؟!"، ونحن نكرّره معه وطيلة الفيلم لا يتوقف لاري عن البحث عن السّبب، ونحن نواصل البحث معه، فبصفته أستاذًا للفيزياء والرياضيات، تلك العلوم التي تسير وفقَ قوانينَ واضحة، يبقى لاري متمسّكًا بالتفسير المنطقيّ للأشياء وأن هناك دائماً إجابةٌ صحيحة، وحتى عندما يقرّر الخروج عن هذا المنطق، واللجوء لمنطق مجتمعِه المحافظ، تبقى اسئلتُه معلقةً، ونبقى نحن بلا إجابة.

هناك تفسيران يمكن أنْ نلجأ إليهما لنرضي فضولنا، يظهر أحدهما في شارة البداية: "فيلم الأخوين كوين"، فبصمة إيثان وجويل كوين واضحةٌ في أصغر تفاصيل هذا العالم الواقعيّ رغم غرابته إبتداءً من البطل لاري الشّخص الطبيعيّ المحاط بمجتمع من غريبي الأطوار، وصولًا إلى الشّخصيّات الثّانوية، فهي ليست مسطّحةً أو سهلةَ النّسيان لحظة إنتهاء مشاهدها كما هي العادة في أفلامٍ أخرى، بل يَعمدُ الأخوان إلى خلق شخصيّاتٍ متكاملةٍ مميّزةٍ في المظهر والطّباع، لكلٍّ منها أسلوبٌ خاصٌّ في الكلام والسّير واللباس وحتى في أبسط التصرّفات، ممّا يترك انطباعًا لدى المشاهد أنّ هذه الشخصيّاتِ لن تتلاشى بمجرّد خروجها من الكادر، مثل الحاخامات الثّلاثة والمدرّس المسنّ. كما كان لملامح الممثّلين الذين تمّ اختيارُهم دورٌ أيضاً في خلق هذا الانطباع، فهم لا يبدون كنجوم هوليوود، بل كأشخاصٍ يمكن أنْ تصادفَهم بينما تشتري الخضار في دكان حيّكم، إضافةً إلى أدائهم المتقن، مثل فريد ميلماد في دور ساي إيبلمان جار لاري، الذي استطاع أنْ يعكسَ تصنّعَ ونفاقَ ساي بخفّة وذكاء دون مبالغةٍ رغم ظهوره لدقائقَ معدودة، ومايكل ستالبارغ الذي رغم تدهور حياة الشخصيّة، لم يقدّم لنا شخصيّةً مترهّلةً ومتشائمةً غارقةً في البؤس كما هو متوقّع، بل قدّم لنا بكلّ حرَفيّةٍ شخصيّةَ لاري الذي رغم ذعرِه وارتباكِه يبقى إيجابيّاً ومندفعاً حتى في انهياراته، فهو في عالم الأخوين كوين، أرضُ التّناقضات والكوميديا السّوداء. إلا أنّ ما يميّز هذا الفيلم عن سوابقه أنّه أكثر سوداويّةً، ولذلك فهو أكثر إضحاكاً، فأسلوب الأخوين في الكوميديا ليس من النّوع الذي يدفعك إلى القهقهة والضّحك، بل إلى التنهّد مع ابتسامة، كما قال ايثين كوين في إحدى المقابلات أنّه يأمل أن يخرج المشاهد من السّينما وهو يقول: يمكن للبشر أنْ يكونوا فظيعين، يا لروعة الحياة، فهذا التناقض واقعيٌّ ومثيرٌ للاهتمام، بعكس كليشيهات هوليوود التي تتغنّى بروعة البشر وروعة الحياة.

وممّا لا شكّ فيه، أنّنا لم نكن لنستطيع رؤية عالم الأخوين، بهذه الصّورة، لولا كوادرُ روجر ديكنز المتقنة، في تعاونه العاشر معهم، وفي هذا المشروع الذي ربّما يقلُّ بهرجةً عن مشاريعه المعتادة، إلّا أنّه لا يقلُّ تعقيداً، نقلنا روجر بكاميرته إلى المجتمع اليهوديّ في ستينيّات القرن ال20 في الغرب الأوسط الأمريكي، إلى طفولة الأخوين كوين، اللذين عاشا في مجتمعٍ مشابه، واستثمرا هذه الألفةَ والتشابهَ لجعل الموقع الذي تجري فيه الاحداثُ يروي لنا بصريّاً جزءاً من القصة، فهو جزءٌ مهمٌّ منها كما هو جزءٌ مهمٌّ من لاري.

لكن إذا تناسينا الشّخصيّات فلم نعر تكوين المشاهد ذلك القدرَ من الانتباه، ولسبب ما فاتتنا الكوميديا السوداء، يبقى اهتمام الفيلم بطرح الاسئلة أكثر من الاجابة عليها كفيلاً بالتّعريف عن صانعَيه، فحتى في النّهاية، لا نعرف نحن ولا لاري لماذا تستمرّ المصائب بالتّوالي، لا نعرف ما سببُ ظهور تلك العلامة على سنّ ذلك الرجل، لا نعرف ما إذا كانت قطّة شرودنجر على قيد الحياة أم لا، ولا نعرف في افتتاحيّة الفيلم الغريبة- التي عرضت قصّة تشابه قصص التراث اليديشيّ اليهوديّ- إن كان الحاخام على قيد الحياة أم لا، ما نعرفه فقط، هو ما قاله لنا الأخوان في البداية وهو التّفسير الثّاني الذي يمكننا أن نلجأ إليه…

"تقبّل كل ما يحدث لك ببساطة"

والآن عزيزي المتابع، إذا تابعت هذا الفيلم، ما رأيك به؟ وهل هناك إجابةٌ على هذه التّساؤلات؟؟ أو أنّ الحكمة في قبول الأشياء كما هي والالتفات إلى التّفكير بأسئلة يمكن الإجابة عليها؟

للاطّلاع على تجربة قطّة شرودنجر :هنا

معلومات الفيلم:

تدقيق لغوي: Hadeel Idris