الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

آرال.. قصّة البحر الذي اختفى

عُرِف بحر آرال سابقاً بصفته رابع أكبر الأجسام المائية المغلقة في العالم (1,2)؛ إذ كان في العام 1960 بحيرة ضخمة قليلة الملوحة تتوسّط صحارى آسيا الوسطى (2)، ويحدّ ثلاث دول هي كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان (1)، وكان مورداً كبيراً لصيد الأسماك إضافة إلى دوره المهمّ في التنقُّل في تلك المنطقة (2). وقد جاء التراجع والانحسار في بحر آرال نتيجةً لسياسات الري السوفيتية في آسيا الوسطى، ويُعَدُّ هذا الانحسار من أخطر الكوارث البيئية التي حصلت في القرن العشرين (3).

يرتبط تاريخ الإدارة المائية في حوض بحر آرال ارتباطاً وثيقاً بالتنمية الاجتماعية والسياسية في المنطقة، وينقسم التاريخ المائي للحوض إلى ثلاث فترات:

1) فترة ما قبل التاريخ حتى ثلاثينيات القرن العشرين: كانت المياه تُدار وتُحكم وفق الأعراف المحلّية، وكان دور الدولة محدوداً.

2) الفترة السوفيتية من ثلاثينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين: أصبحت إدارة وتمويل وتخطيط أنظمة المياه تحت سيطرة مركزية مموّلة فقط من ميزانية الدولة.

3) فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي من نهاية ثمانينيات القرن العشرين إلى اليوم: بدأت دول الحوض الجديدة - الناتجة عن انهيار الاتحاد السوفيتي - في بناء أنظمة مياه وطنية، ولكل منها طريقة إدارتها الخاصة (4).

أدّى التوسُّع غير المستدام في الريّ منذ بداية ستينيات القرن العشرين إلى جفاف البحر بسبب استنزاف النهرين الرافدين له (2,5)، وهما نهر أمو داريا (Amu Darya) ونهر سِير داريا (Syr Darya)، وذلك بغرض سقاية حقول القطن في أوزبكستان (1). وبحلول عام 2009 انخفض مستوى البحيرة بمقدار يزيد عن 26 متراً وتجزّأت إلى أربع بحيرات منفصلة، وتقلّصت مساحة المسطَّح المائي بنسبة 88%، وانخفض حجم المياه بنسبة 92%، وازدادت ملوحتها إلى أكثر من 20 ضعفاً (6)، ما تسبّب في آثار وتغيُّرات بيئية سلبية، إضافة إلى الضرر الذي طال السكان المقيمين في المناطق المحيطة بالبحيرة (5,6)؛ إذ يؤدّي تقلُّص مساحة المسطح المائي إلى معاناة منطقة بحر آرال من التصحّر والتلوّث البيئيّ أي تعرُّضها إلى سلسلة من الكوارث البيئية. وعلى سبيل المثال؛ انخفض الإنتاج من صيد الأسماك، وانقرضت أنواع كثيرة من الأسماك، وترسّبت كمّية كبيرة من الملح الجافّ في المناطق المجاورة لحوض البحيرة، وتتطاير حبيبات الملح من قاع البحيرة بفعل الرياح، وتشكّل عواصف ترابية ملحية مسرطِنة، مؤدّية إلى مزيد من الإضرار بالأراضي الزراعية والرعوية المحيطة وتعريض صحّة الإنسان للخطر (7).

تغيُّر مساحة بحر آرال بين عامي 1989 و2008.

اختفاء مسطّح مائيّ بهذه المساحة له تأثيره أيضاً على المناخ؛ إذ أظهرت دراسة أن معدّل درجة الحرارة عموماً في الإقليم المتأثّر ببحر آرال ارتفع بمقدار 0.4 إلى 0.6 درجة مئوية، ما سهّل التبخّر وساهم في انخفاض التوازن المائيّ في المنطقة، ويُظهر إجماليّ هطول الأمطار تزايداً في المواسم الباردة وتناقصاً في المواسم الدافئة، وتغيّرات جدّية في منسوب المياه الجوفية (8).

وقد أكّدت الدراسات أنّ التغيّرات التي طالت مساحة بحر آرال وحجم مياهه ناتجة أساساً عن الأنشطة البشرية، مثل الري الزراعي وبناء السدود الاصطناعية في أحواض الأنهار الرافدة، ولا يمكن لزيادة هطول الأمطار ومياه الثلوج الذائبة في الأنهار أن تعوّض عن فقدان المياه في بحر آرال (9).

وعلى الرغم من أن تقلُّص بحر آرال كان كارثة اقتصادية على السكان الذين يعيشون على ساحله، وإعلان المنطقة المحيطة ببحر آرال "منطقة كارثة بيئية"، فقد ازداد عدد السكان في وديان أنهاره الرافدة كثيراً، ويعمل الجزء الأكبر من سكان أوزبكستان في الوقت الحاضر في هذه المنطقة، ويعتمد ملايين الأشخاص أيضاً في كازاخستان على مياه الريّ المأخوذة من روافد بحر آرال (10).

يُعّد الماء مورداً ثميناً لبلدان آسيا الوسطى وربما أهمّ عواملها الاقتصادية، لكن لا يمكن حلّ مشكلات بحر آرال على المدى القصير، فهي نتيجة قراراتٍ اقتصادية اتُّخذت في خمسينيات القرن العشرين في سياق سياسيّ مختلف عندما كان الاقتصاد مركزياً ويُنظَّم على مستوى الاتحاد السوفيتي، وتكافح البلدان الصغيرة الحالية لحماية اقتصاداتها المحلية؛ لكن لا توجد قدرة اقتصادية كافية لإحداث تغيير سريع في واقع حوض بحر آرال (على الأقلّ في البلدان غير المنتجة للنفط).

أما اليوم فإن مساحة بحر آرال ستتوسّع مع زيادة كمّية المياه المتبقية في نهرَيه الرافدين، ومع ذلك فإنّه لن يستعيد حجمه السابق على الأرجح في الجيل القادم (10).

المصادر:

1. Boomer I, Aladin N, Plotnikov I, Whatley R. The palaeolimnology of the Aral Sea: a review. Quaternary Science Reviews [Internet]. 2000 [cited 6 February 2022];19(13):1259-1278. Available from: هنا00002-0

2. Micklin P. The future Aral Sea: hope and despair. Environmental Earth Sciences [Internet]. 2016 [cited 6 February 2022];75(9):844. Available from: هنا

3. Wheeler W. Mitigating Disaster: The Aral Sea and (Post-)Soviet Property. Global Environment [Internet]. 2018 [cited 6 February 2022];11(2):346-376. Available from: هنا

4. Abdullaev I, Wegerich K, Kazbekov J. History of water management in the Aral Sea Basin. In: Xenarios S, Schmidt-Vogt D, Qadir M, Janusz-Pawletta B, Abdullaev I, ed. by. The Aral Sea Basin [Internet]. 1st ed. London: Routledge; 2019 [cited 6 February 2022]. Available from: هنا

5. Micklin P. The Aral Sea Disaster. Annual Review of Earth and Planetary Sciences [Internet]. 2007 [cited 6 February 2022];35(1):47-72. Available from: هنا

6. Micklin P. The past, present, and future Aral Sea. Lakes & Reservoirs: Science, Policy and Management for Sustainable Use [Internet]. 2010 [cited 6 February 2022];15(3):193-213. Available from: هنا

7. Jiang H, Huang J, Li L, Huang L, Manzoor M, Yang J et al. Onshore soil microbes and endophytes respond differently to geochemical and mineralogical changes in the Aral Sea. Science of The Total Environment [Internet]. 2021 [cited 6 February 2022];765:142675. Available from: هنا

8. Berdimbetov, Timur T; Ma, Zhu-Guo; Liang, Chen; Ilyas, Sana  (2020). Impact of Climate Factors and Human Activities on Water Resources in the Aral Sea Basin. Hydrology, 7(2), 30–.         doi:10.3390/hydrology7020030

9. Yang X, Wang N, Chen A, He J, Hua T, Qie Y. Changes in area and water volume of the Aral Sea in the arid Central Asia over the period of 1960–2018 and their causes. CATENA [Internet]. 2020 [cited 6 February 2022];191:104566. Available from: هنا

10. Erdinger L, Hollert H, Eckl P. An Ecological Disaster Zone with Impact on Human Health: Aral Sea. In: Nriagu J, ed. by. Encyclopedia of Environmental Health [Internet]. 2nd ed. Elsevier; 2019 [cited 6 February 2022]. p. 87-94. Available from: هنا