اللغة العربية وآدابها > ألـــبـــومات

صيغة التفضيل في النقد الأدبي

مرَّ النقد الأدبي عند العرب بمراحل عدّة، بدا في مَهده نقدًا ذوقيًّا يعتمد تفضيلاتٍ شخصية غير مدعومة بدليل، واتسمت أحكامه ببعدها عن النسج المنهجي، وتنوعت شخصياته بين الرُّواة والشعراء أنفسهم والحكّام والنساء وحتى الأطفال.. وشكّلت تلك الأحكام نواةً أولى لما عُرف بالنقد الأدبي عند العرب.

برزت من بين تلك الأحكام الذوقية صيغة التفضيل "أفعل" التي تدل على الموازنة بين أمرين غَلبَ أحدهما الآخر في القيمة، فقالوا: هذا الشعر أحسن ما قالته العرب، وهذا البيت أمدح بيت أو أغزل بيت…إلخ، فكأنهم يعقدون مفاضلة خفيّة بين البيت الذي اختاروه وسائر أبيات الشعر، وتباينت الآراء في ذلك.

في ألبومنا هذا سنلقي الضوء على مختارات من تلك الأبيات التي أبدع أصحابها في سبك معانيها وصوغ كلماتها..

تابعوا معنا وشاركونا أبياتًا تفضلونها..

أمدح بيت:

تَرَاهُ إِذا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا ... كأنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أنْتَ سَائِلُهْ (1)

البيت لزهير بن أبي سُلمى (1)، يقول فيه: إن هذا الممدوح يفرح بما يعطي أكثر مما يفرح المُعطى، متهلِّل: مشرق الوجه مبتهِج (2).

وقيل إن أمدح بيت هو قولُ حسان بن ثابت: 

يُغشَونَ حَتّى ما تَهِرُّ كِلابُهُم ... لا يَسأَلونَ عَنِ السَوادِ المُقبِلِ (3)

يقول: قد أنِست كلابهم بالزوار، فهي لا تنبحهم، وهم من شجاعتهم لا يسألون (3).

أهجى بيت: 

قومٌ إذا اسْتَنبَحَ الأضْيافُ كلبَهُم ... قالُوا لأمِّهم: بُولي على النَّارِ (4)

قالت بنو تميم: ما هجينا بشيء أشدّ علينا من هذا البيت، وهو يتضمن وجوها شتّى من الذّم: جعلهم بخلاء بالقرى، وجعل أمّهم خادمهم، ويأمرونها بكشف فرجها، وجعلهم يبخلون بالماء أن يطفئوا به النار، وجعل نارهم من قلّتها تطفى ببولة (4).

أغزل بيت: 

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبّكِ قَاتِلِي ... وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إِلَّا لِتَضْرُبِي ... بِسَهْمَيْكِ فِي أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقتَلِ (5)

البيتان لامرئ القيس (5)، يقول أتوهمت أن حبك يقتلني أو أنك مهما أمرت قلبي بشيء فعله؟ وما دمعت عيناكِ إلا لتصيدي قلبي.

وقيل إن أغزل بيت هو قولُ جرير: 

إنَّ العيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ … قتَلْنَنَا ثم لم يُحييْنَ قتلانا (6)

الحَوَر: شدة البياض في بياض العين وشدة السواد في سوادها (2).

أفخر بيت: 

إذا غَضِبتْ علَيْكَ بنو تميمٍ … حَسِبْتَ الناسَ كُلَّهم غِضابَا (3)

البيت لجرير يفخر بقومه (3).

أرثى بيت: 

ومن عَجَبٍ أنْ بِتَّ مستشعرَ الثّرى ... وزِدت بما زودّتني مُتمتعا

ولو أنني أنصفُتك الودَ لم أبتْ ... خِلافَك حتى ننطوي في الثرى معا (3)

اختاره الأصمعي عن رجلٍ يرثي ابنَه (3).

وقيل أرثى بيت هو قول الخنساء في رثاء أخيها: 

يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخرًا … وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ

وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي … عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي (7)

وقد فسر الأصمعي تذكر الخنساء أخيها في وقتي طلوع الشمس وغروبها بأنها أرادت أن تمدحه بالشجاعة إذ يخرج مع طلوع الشمس إلى الغارة، وبالجود إذ يقصده الناس عند مغيب الشمس فيحسن قِراهم (8).

ونختم بقول طَرَفة بن العبد: 

وإنّ أحسنُ بيتٍ أنتَ قائلُهُ … بيتٌ يقال إذا أنشدتَه صَدَقا (9)

المصادر:

1- ابن قتيبة الدِّينَوَرِيُّ عبد الله بن عبد المجيد. الشعر والشعراء. تحقيق: عبد الرحيم قمحية. ط2. القاهرة، مصر: دار الحديث؛ 1998. م1 ص139

2- ابن منظور محمد بن مكرم. لسان العرب. ط4.  بيروت: دار صادر؛ 2005. جذر: هَلَلَ، حَوَرَ

3- العسكري أبو هلال الحسن بن عبد الله. ديوان المعاني. بيروت: دار الجيل؛ د ت. م1 ص32،76 / م2 ص175

4- النويري شهاب الدين. نهاية الأرب في فنون الأدب. ط1. القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية؛ 2002. م3 ص276

5- المستعصمي محمد بن أيدمر. الدر الفريد وبيت القصيد. ط1. بيروت: دار الكتب العلمية؛ 2015. م3 ص469

6- المجذوب عبد الله الطيب. المرشد إلى فهم أشعار العرب. ط2. الكويت: دار الآثار الإسلامية؛ 1989. م4 ص486

7- القرشي عباس بن محمد بن مسعود. حماسة القرشي. دمشق: مطبوعات وزارة الثقافة؛ 1995. ص167

8- السيوطي جلال الدين. المزهر في علوم اللغة وأنواعها. ط1. بيروت: دار الكتب العلمية؛ 1998. م2 ص288

9- ابن العبد طرفة. ديوان طَرَفة بن العبد. ط3. بيروت: دار الكتب العلمية؛ 2002. ص57