الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

ماذا تعني عذرية النساء في المجتمعات الشرقية؟

الإكراه على عُذرية الفتاة هو تقليد قديم وراسخ في المجتمعات الشرق أوسطية؛ إذ تُعد عذرية الفتاة أو ما يُعرف ب"عفتها" قبل الزواج أمرًا مفروغًا منه لدرجة أن العذرية تصبح صفة مطلقة وهوية لا هوادة فيها للمرأة قبل الزواج (1).

قوانين وأعراف مجدت العذرية لدى المرأة:

يُعد قانون حمورابي البابلي الذي وُضِع في القديم في بلاد ما بين النهرين قرابة عام 1780 قبل الميلاد؛ أول تشريع قانوني لإضفاء الطابع المؤسساتي على السيطرة والتحكم الجنسي في المرأة والأسرة الأبوية. وتمكن الآباء بموجب هذا القانون من التعامل مع عذرية بناتهم بوصفها قيمة وملكية أُسرية، وإذا وُجِد أنَّ هناك رجلاً يغوي فتاة عذراء، كان عليه أن يدفع ثلاثة أضعاف قيمتها لوالدها. ومع ذلك، كانت أهمية العذرية حتى قبل هذا القانون الشهير مُسجلة بالفعل في دستور بلاد ما بين النهرين عام 2100 قبل الميلاد في مدينة أورنامو (Ur-Nammu)، وهو أقدم دستور قانوني معروف وموجود اليوم. وينص هذا الدستور على أنه إذا انتهك الرجل حق رجل آخر بفضح عذراء تقربه بِصلة، يجب قتل المُعتدي (1).

عرّف النظام القانوني المصري في القرن التاسع عشر الجريمة الجنسية ضد النساء على أنها تتمثل "بفض البكارة" عوضًا عن النظر إليها بوصفها اغتصابا؛ ومن ثم رأى عذرية المرأة على أنها ضحية الاعتداء وليست المرأة نفسها (1).

ولم يُرَ "بفض البكارة" اعتداء على الإنسان، بل على الأخلاق العامة؛ إذ نجد هنالك تركيزا متكررا في قانون العقوبات التركي عن عذرية المرأة سواء في تعريف الجرائم ضد المرأة أو في كيفية إنزال العقوبة في مُرتكبها. إنَّ حالة المرأة الاجتماعية بكونها عذراء أو غير عذراء أو متزوجة تؤدي دورًا مهمًا في الكيفية التي يُفسَّر من خلالها الجريمة ضدها. وتوجد هذه الأحكام في معظم الدساتير القانونية في الشرق الأوسط (1).

هل شرف الأسرة مرتبط بعذرية نسائها في مجتمعات الشرق الأوسط؟

وبحسب المحظورات الثقافية، يُعدُّ سن البلوغ هو البداية لعملية تنظيم صارم؛ وبذلك هو السن الذي يُنبئ ببدء معاناة الأُنثى في حياتها في مجتمعات الشرق الأوسط، إذ يعتمد شرف العائلة بالدرجة الأولى على السلوك الحسن الملحوظ للإناث؛ والذي يشمل السلوك المتواضع وعدم الاختلاط بالذكور ممن ليسوا من الأقارب والإذعان وطاعة الذكور واللباس المحتشم وتجنب كل السلوكيات أو النظرات أو الإيماءات أو الكلمات التي قد تجعل من عذرية الفتيات موضع شك، وتُعد العذرية مسألة ذات أهمية بالغة بين الرجال، إلى الحد الذي يتمثل فيه شرف الرجل ومكانته بين ساقي المرأة؛ لذلك لا يمكن للمرء أن يبقى "رجلاً" إذا بقي صامتًا تجاه وجود تجاوزات جنسية من قبل قريباته من الإناث؛ وذلك كونه يُنظر إلى الرجولة على أنه مفهوم مُدمج في الإدراك العقلي حول الأُسرة (1).

وأبرز مثال على هذا هو الطقوس والعادات السائدة ولا سيما التقليد الذي يجري من خلاله عرض الملابس الداخلية الملطخة بالدماء التي ترتديها المرأة ليلة الزفاف، ولا يقتصر الأمر على انتشار وضع هذه الملابس على طبق في بعض المناطق، ولكن أيضًا بتزيينها بغطاء يحمل شهادة عذرية صادرة حسب الأصول من الطبيب وتُرفق مع الثوب من خلال دبوس لمنعه من الانزلاق (2).

وفي حال لم تمتثل الفتيات لتلك الأعراف والقواعد ستكون كما لو أنها تتخلى عن حياتها ذهنيًا وروحيًا جراء ما ستتعرض له من تشهير ووصم بالعار؛ هذا إن لم يحدث الأخطر من ذلك وهو ما يُعرف بجرائم الشرف. فإذا فقدت الفتاة عُذريتها، سيتغير كُل شيء بالنسبة للأنثى وعائلتها وسيضيع الشرف والمكانة، وربما حتى الحياة (1).

وفي إحدى الدراسات التي أُجريت على نساء من عائلات عربية وعربية أمريكية لمعرفة آرائهم عن العذرية، كان هُناك ميل واضح عند اللواتي المتأثرات بثقافة أهاليهن لترسيخ هويتهم العربية بترسيخ فكرة أهمية العذرية للفتاة وإنها جزء من هويتهن (3).

عذرية مزيفة لإتمام مراسم الزفاف!

ومن أجل محو آثار تجارب ما قبل الزواج وقبل الشروع في الاحتفالات التقليدية التي تسبق الأعراس، يجب على الشابة أن تجد طبيبًا متعاطفًا معها ليحوّلها على نحو سحري في غضون بضع دقائق إلى فتاة عذراء "بغشاء بكارة" سليم ومهبل لم يلمسه رجل من قبل (2).

ما يقودنا إلى ما يُعرف بالعذرية المُزيّفة لأن الرجال يطلبون المستحيل، فهُم يريدون أن يُتاح لهم الانخراط مع النساء في علاقات جنسية قصيرة الأمد قبل الزواج، ولكنهم يشرعون في بحث محموم عن عذراء لم يقم "بانتهاكها" أي رجل آخر بمجرد أن يقرروا الزواج. ويواجه هذا الرجل احتمالية كبيرة بأن تنطلي عليه خدعة طبيب ذكي، وهذا ما يُعد مجرد تحول في الأحداث لأنه قد قام مُسبقًا "بتدنيس'' بنات وأخوات وأبناء عموم الرجال الآخرين، أي دنّس الرجال أنفسهم بحسب دستوره الأخلاقي. إنَّ الاتصال الجنسي هو تجربة مهينة تحط من قدر المرأة وفقًا لعقل الرجل الذي يسعى للزواج من عذراء؛ وتُهين بالتالي أي رجل مرتبط بها أو يقرُبها. لذا سيكون هذا الرجل في يوم زفافه البطل الذي سيفوز بأكبر انتصار على الإطلاق بزواجه من تلك الجوهرة النادرة (2).

المصادر:

1. Ghanim D. The virginity trap in the Middle East. New York: Palgrave Macmillan; 2015. Available from: هنا

2. Mernissi F. Virginity and patriarchy. Women's Studies International Forum. 1982;5(2):183-186. Available from: هنا

3. Abboud S, Jemmott L, Sommers M. “We are Arabs:” The Embodiment of Virginity Through Arab and Arab American Women’s Lived Experiences. Sexuality & Culture. 2015;19(4):715-736. Available from: هنا