كتاب > روايات ومقالات

مسرحيّة كلّهم أبنائي (دعوة لإيقاظ الضمائر المغيّبة)

تتكون مسرحية (كلهم أبنائي) التراجيدية الساخرة من ثلاثة فصول، وقد نُشرت وأُدّيت على المسرح أول مرةٍ عام 1947 (1). تُصنّف هذه المسرحية ضمن أولى إبداعات المسرحي الأمريكي آرثر ميلر (Arthur Miller 1915-2005) الذي تميزت معظم مسرحياته بتسخير قضايا فردية لخدمة أخرى مجتمعية. بُنيت أحداث هذه المسرحية على قصّةٍ واقعية حدثت في (أوهايو)، وأما أحداثها فتدور في الباحة الخلفية لمنزل عائلة (كيلر) في بلدةٍ أمريكية في أواخر الأربعينات من القرن الماضي.

تصوّر المسرحية بأسلوبٍ تهكّميٍّ ساخر مأساة رجل الأعمال الناجح (جو كيلر) وعائلته المفكّكة المكونة من زوجته (كايت) وابنهما الأصغر (كريس) الذي نجا من الحرب على عكس أخيه الأكبر (لاري) الذي فُقد في البحر منذ ثلاث سنوات. يتمكّن (كيلر) من تبريء اسمه من تهمةٍ وُجّهت إليه أيام الحرب بشحن رؤوسٍ معيبة للمقاتلات الأمريكية، ما تسبب بمقتل 21 طياراً، من خلال تحميل شريكه وصديقه (ستيف ديفر) المسؤولية الكاملة عن قرار شحنها بداعي تغيبه في ذلك اليوم بسبب وعكةٍ صحيّةٍ ألمّتْ به، وصحيح أنه حصل على البراءة من التهمة ولكن ليس من عذاب الضمير الذي يضطّره في النهاية إلى تحمّل تَبِعات أفعاله.

لم تصدّق الأم بأن ولدها (لاري) قد قُتل مع أنها كانت تعيش دور الثّكلى بكل تفاصيله، ولكن بعد أن أعلن (كريس) عن نيّته الزواج من خطيبة أخيه السابقة ابنة (ستيف)؛ (آن ديفر) أدركت هي وزوجها أنه لا يمكن لهما العيش في أوهامهما بعد اليوم، وذلك قبل أن تُحلّ عقدة المسرحية مع كشف( آن) لرسالة توضح مصير (لاري). 

تكمن أهمية هذه المسرحية في أنها كشفت زيف الحلم الأمريكي ووجّهت نقداً لاذعاً لتّجار الحروب الذين لا يكترثون إلا للتربّح على حساب أرواح البشر، كما سخرت من أسطورة التّميز الأمريكي وتغليب المصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة؛ فقد قال (جو كيلر) في آخر محاولاته للدفاع عن نفسه: "ولكنني أعمل في التجارة، أعمل في التجارة!"

وهكذا، تدعونا مسرحية (كلهم أبنائي) إلى التحلي بالمسؤولية الأخلاقية ليس فقط تجاه عوائلنا، بل أيضاً تجاه المجتمع الذي نعيش فيه، إذ لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال فصلُ الأفعال الخاصة عن تلك التي نؤدّيها تجاه المجتمع؛ ذلك أن ما يؤذي الفرد لا بدّ وأن يلحق أضراراً بالمجتمع والعكس صحيح. ومع أن (ميلر) كتبها منذ 75 عاماً، إلا أنّ صداها لا يزال يتردّد حتى يومنا هذا، ومن هنا تنبع عبقرية هذا الكاتب الكبير.

المصدر:

(1) ميلر آرثر. كّلهم أبنائي. الطبعة الأولى. نيويورك: رينال آند هيتشكوك؛ 1947. البشلاوي، عبد الحليم (المترجم). طبعة مكتبة الأسرة. القاهرة: الهيئة العامة للكتاب. 2005