الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

العذرية لدى كُلٍّ من الرجل والمرأة؛ هل هنالك معايير مزدوجة في الغرب؟

يُمثِّل كونك بتولًا -وهذا يعني أنَّه لم يسبق لك أن أقمت علاقات جنسية من قبل- حالةً عُليا من النقاء الروحي لكل من الرجال والنساء دينيًّا وفي الوقت الذي فقدت معناها وأهميتها الاجتماعية جزئيًّا، ولكن ما يزال يُعدُّ فقدان العذرية لحظة شخصية مهمة وحميمة لكلٍّ من الرجال والنساء، إذ إنَّها تسهم على نحو فعَّال في البناء الاجتماعي للهويات الجنسية (1). ولكن دعونا نُلقي نظرة عن كثب على هذا المفهوم وكيف كان تعامل الغرب معه على وجه التحديد.

العذرية في أوروبا وأمريكا بين القرن التاسع عشر والعشرين:

لكن قد كانت عذرية الأنثى على وجه الخصوص هي التي لفتت الانتباه في أوروبا في القرن التاسع عشر؛ إذ لم تكن حينذاك آليات الإخصاب مفهومة جيِّدًا، وكان مَنْع الحمل ممنوعًا. وقد جاء الطب التشريحي السريري ليؤكد فيما بعد على وجود ازدواج في الشكل الجنسي للعضو عند الأُنثى قبل العلاقة الجنسية وبعدها عن طريق التأكيد على وجود غشاء البكارة؛ الدليل المفترض على عُذرية الأنثى. لذا كان يُنظر إلى عذرية الفتيات على أنَّها ضمانٌ لنقاء النسب؛ لذلك، ساد اعتقادٌ بأنَّه يمكن لتوجيه النشاط الجنسي ليكون ذكوريًّا فحسب أن يزيد من إمكانية حماية عذرية الإناث قبل الزواج والتي اكتسبت أهمية اجتماعية كبيرة.

الأمر الذي خلق معيارًا مزدوجًا تُحمى فيه عذرية الإناث بينما تُشجَّع فقدان عذرية الرجل قبل الزواج؛ لأنَّ خوضهم للعلاقة الجنسية يُغني رجولتهم (1)، وإنَّ فكرة الكيل بمكيالين فيما يتعلق بالسلوكيات الجنسية للإنسان موجودة في الثقافة الغربية منذ فترة طويلة. وإن تطبيق مجموعة من المعايير أو القواعد على سلوكيات لجنس معين وتحديد معاييرَ أُخرى -تناقضها غالبًا- لجنس آخر، قد جعل من الممكن إطلاق أحكام مختلفة تمامًا على الرجال والنساء حتى عندما يكون سلوكهم متطابقًا تقريبًا. كانت هذه المعايير المزدوجة واضحة خاصة فيما يتعلق بالسلوك الجنسي قبل الزواج للمراهقين؛ فبينما سُمح للذكور بالتجربة والمشاركة بنشاط في علاقات جنسية مغايرة، كان على الأنثى أن تظل ساكنة وهامدة من ناحية التجارب الجنسية ولم يكن لديها رغبات جنسية. ويُعلَّم الأولاد والشباب الاستفادة من أيَّة فرصة لإقامة أيَّة علاقة جنسية تُتاح في طريقهم مع النساء. بالإضافة إلى أنَّ الشباب في الأسرة الأمريكية وكذلك في المجتمع ككل كانوا يُدفعون نحو خوض التجارب الجنسية من أجل تعزيز رجولتهم. فكانت التجربة الجنسية قبل الزواج وسيلة تقليدية يؤسس فيها الرجل رجولته ويثبِّتها(2)، ولخوض هذه التجارب، غالبًا ما كان ينخرط الرجال بعلاقات جنسية مع خادمة منزلية أو بالذهاب إلى بيوت دعارة (1).

لذا، فعن طريق انضمام الإناث إلى نظام ديني وبصفتها وسيلةً للتحرر من الإشراف الأبوي والزوجي؛ كانت العذرية الدائمة خيار الآلاف من الفتيات خلال القرن التاسع عشر. وفي حين أنَّ هذه الدعوات الأنثوية كانت تضم أقلية من النساء طبيعيًّا؛ ولكنَّ المُثُل العليا للعذرية كانت قد انتشرت في أنحاء المجتمع جميعه (1). هذا وقد عُلِّمت الشابات في مرحلة المراهقة أنَّ احترام الذات واحترام الآخرين يعتمد على ضبط النفس وكبحها عن التجارب الجنسية؛ ما جعل العذرية عند الزواج أمرًا متوقعًا على نحو تقليدي عند النساء، وغالبًا ما تخضع المراهقات للسيطرة من قبل عائلاتهنَّ من أجل حماية عُذريتهنَّ (2).

 فكانت تُقام الاحتفالات -مثلًا- تكريمًا لفضائل شابات قرويات، عن طريق إجراء انتخابات في منطقة روزيير Rosières في الريف الفرنسي، وذلك بعد إجراء فحص طبي ومنحهنَّ شهادة البكارة دليلًا يُثبت ذلك.

وكان يُحافظ على عذرية الإناث في فرنسا آنذاك عن طريق إثارة الشبح المُهين للأم غير المتزوجة؛ إذ منع القانون الفرنسي في ذلك الوقت أيَّ بحث عن الأب؛ ما يعني تَرْك الأُم غير المُتزوجة دون ملاذ تلجأ إليه.

في حين كان الوضع مختلفًا في دول مثل ألمانيا وإنكلترا؛ إذ ترك التعليم مجالًا أكبر للعفوية والعلاقات بين الفتيات والفتيان، وسمح القانون في هذين البلدين للنساء اللاتي تعرضنَّ للإغواء بمتابعة الإجراءات ضد مغويهن والحصول على تعويض (1).

ما العلاقة التي كانت تربط النظام الصناعي بالعذرية؟

كانت أيديولوجية العذرية عنصرًا مهمًّا في الأيديولوجية الجنسية الكلية للمجتمعات الصناعية، فهي لم تخدم مصالح الرجال وحدهم كجنسٍ من خلال منحهم السيطرة الشاملة على النساء بالنظر إليهنَّ كممتلكات؛ بل وكان يُنظر إلى أنَّها خدمت مصالح النساء كأفراد أيضًا. فكانت تجد النساء آنذاك أنَّ المجتمع يضفي الشرعية على سيطرتهنَّ الهامشية على المورد الوحيد النادر المتاح لهنَّ، وهو الإشباع الجنسي للرجال. لهذا السبب، كان يُعتقد أنَّه ينبغي أن تحظى الأيديولوجية المتعلقة بالعذرية بدعم متساوٍ إلى حدٍ ما من الرجال والنساء، وإن كان لأسباب مختلفة نوعًا ما. فقد كان يدعمها الرجال لأنَّه من خلال التحكم الظاهري -القانوني أو العام- في موارد المرأة الجنسية، فإنَّهم بذلك يُعزِّزون من موقع سلطتهم في مواجهة النساء بصفتهم جماعةً جنسية، وما جعل من أيديولوجية العذرية تبدو عمليةً جدًّا لكلا الجنسين هو أنَّ المرأة لم تكن تتمتع آنذاك بقوة اقتصادية كبيرة مقابل الرجل في تلك المجتمعات (3).

النظرة السائدة إلى الدوافع الكامنة وراء النشاط الجنسي لكلٍّ من الفتيات والشبان:

بينما يُنظر إلى السلوك الجنسي للمراهق على أنَّه مدفوعٌ بالحاجة الجسدية أو الدافع البيولوجي، فقد لوحظ أنَّ الدوافع إلى السلوك نفسه تختلف بالنسبة إلى الإناث تمامًا. ليُنظر إلى الأنثى التي تنخرط في تجربة جنسية على أنَّها مدفوعة بالحاجة إلى القبول والطمأنينة، أو بسبب بنية الشخصية العصبية لديها.

ويُنظر إلى المراهقات اللواتي ينخرطن في الجماع المتكرر على أنَّهن يبحثن عن الحب أو العلاقات الوجدانية غير المتوفرة في المنزل. وتختلف مُقاربة السلوك الجنسي للفتاة المراهقة عن الأنثى البالغة، فيُنظر إلى الأولى على أنَّ سلوكها مدفوع بتمرد ضد الوالدين أو المجتمع ككل، بينما -وعلى النقيض من ذلك-  يُتعامل مع الجنسانية الذكورية للمراهقين على أنَّها خطوة نحو الرجولة وتعدُّ طبيعية جدًّا.

قد تشعر الفتاة المراهقة عندما تصبح أكثر أمانًا وارتياحًا في العلاقة بأنَّ التجربة الجنسية وحتى الجماع مسموحٌ بهما؛ لأنَّها وشريكها "واقعان في الحب"، ولكن نظرًا لأنَّها رضخت للأمر وقامت بعلاقة جنسية معه، قد ينظر إليها هو فيما بعد على أنَّها ليست شريكة مناسبة لعلاقة ثابتة ومستقرة وللزواج خاصةً.

وفي حين يمكن أن يُطلق مصطلح "ولدٌ سيئ" على الذكر في مواقف مختلفة، يُنسب مصطلح "فتاة سيئة" على نحو حصري تقريبًا إلى الأنثى النشطة جنسيًّا.

ولكن أوضحت عديدّ من المؤشرات آنذاك أنَّ ازدواجية المعايير قد خَفَّت (2). فارتفعت في سياق المطالب النسوية والقلق المحيط بمرض الزهري مع نهاية القرن التاسع عشر الأصواتُ المُنددة بدخول الرجال بيوت الدعارة؛ كَوْن الأمر قد عرض الزوجات البريئات آنذاك لخطر العدوى.

وقد عزَّزت هذه التطورات كلها بعضَ المخاوف المتعلِّقة بعذرية الذكور؛ إذ ظلَّ ضغط الأقران وثقافة تقديس الأداء الجنسي يجعلان فقدان العذرية مرحلةً حاسمة في بناء الرجولة.

ولكنَّ المحظورات الأخلاقية بقيت ثقيلة، وظلت حالات فقدان العذرية خارج الزواج تحدث سرًّا في الأزقة الخلفية أو الحقول عمومًا.

ومع أنَّه لا يمكن أن يُعدَّ فقدان غشاء البكارة دليلًا على فقدان العذرية لدى الفتيات؛ كَوْنه يمكن للمرأة أن تفقده بعدة طرق مختلفة، بالإضافة إلى أنَّ هناك من تولد من النساء دون غشاء بكارة في الواقع (3)؛ ولكنَّ اللجوء المتزايد إلى جراحة غشاء البكارة يكشف عن الأهمية النسبية التي ما تزال تُعزى إلى هذا الأثر المفترض للعذرية. وتُظهِر التغطية الإعلامية لهذه الممارسات بالإضافة إلى بَيْع بعض الفتيات الأوروبيات العذريةَ بالمزاد العلاقاتِ المتناقضة التي تربط المجتمعات الأوروبية المعاصرة فيما يتعلَّق بالعذرية وفقدانها (1).

المصادر:

1. Mortas P. Women and Men Faced with Virginity [Internet]. Encyclopédie d’histoire numérique de l’Europe. [cited 22 May 2022]. Available from: هنا.

2. Dunwoody V. Adolescents and the sexual double standard [Master of Arts]. California State University, San Bernardino; 1979.p. 1-7. Available from: هنا;

3. Berger D, Wenger M. The Ideology of Virginity. Journal of Marriage and the Family [Internet]. 1973 [cited 22 February 2022];35(4):666-676. Available from: هنا.