الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الأخلاق وعلم الجمال

معضلة الشر The Problem of Evil

لنفترض وجودَ طفل يتعرض لخطر الغرق في البحر بينما يكون الرجل (X) على الشاطئ في الجوار وهو يعلم بالخطر الذي يتعرض إليه الطفل ولكنَّه لم يفعل شيئًا لإنقاذه، ولنفترض كذلك أنَّ الرجل (X) ذو ذكاء جيد وقدرات جسدية مقبولة ويجيد السباحة، ولنفترض أخيرًا أنَّ الرجل (X) إنسانٌ خيِّرٌ ويسعى إلى فِعْل الخير دائمًا.

ولكن، بعد تقاعسِ هذا الرجل عن إنقاذ الطفل على الرغم من معرفته بالخطر الذي يتعرض إليه، أصبح من الممكن القول إما بأنَّ الرجل (X) ليس خيِّرًا كما كنَّا نعتقد أو بأنَّه يفتقد إلى القدرة التي كنُّا نصفه بها.

ولكنَّ هذا الحُكْم سابقٌ لأوانه؛ فإذا افترضنا وجودَ طفلين آخرين يتعرضان إلى خطر الغرق، ولا تصل قدرة الرجل (X) إلى درجة إنقاذ الأطفال الثلاثة، فكان عليه أن يختار إما أن ينقذ الطفلين او أن ينقذ الطفل الأول، فاختار ألا يمنع حدوثَ الشر الأول؛ لأنَّه بذلك كان سيحوْل دون حدوث خيرٍ أكبر وهو إنقاذ الطفلين، فهل يجعل ذلك من الرجل (X) شخصًا يفتقد إلى صفات الخير والقدرة التي وصف بها (1)؟

إنَّ هذا الافتراض يمكن أن يُقدِّم فكرةً واضحة عن معضلة وجود الشر في العالم، ولكنَّ هذه المشكلة تنشأ بسبب وجود شرور  يمكن لكائن يتمتع بالقدرة المُطلقة أن يمنعها دون أن يحول دون وقوع خيرٍ أكبر (1). 

ومن الواضح أنَّ الشرورَ تنتشر في عالمنا بأشكال مختلفة؛ كوجود أطفال يعانون من السرطان، أو رجل مسن يعاني من البرد والجوع، أو حالات الاعتداء والظلم التي قد يتعرض لها بعض البشر أو الحيوانات؛ إذ تبدو هذه الأحداث متعارضة مع وجود كائن كلِّي الخير والمعرفة والقدرة (1).

ولكن عند الحديث عن مشكلة الشر، ينقسم الفلاسفة إلى قسمين؛ فمنهم من يعتقد أنَّ وجودَ الشر يتعارض مع مفهوم الإله المُحبِّ، ومنهم يرفض وجود هذا التعارض. ويمكن صياغة معضلة الشر على النحو الآتي:

1- إن كان الإله راغبًا بوجود الشر فهو ليس خيِّرًا تمامًا.

2- إن كان الإله غيرَ راغب بوجود الشر، ومع ذلك تنتشر الشرور في العالم، فهذا يعني أن ليس له القدرة المطلقة.

3- لا بد أن يكون الإله إما راغبًا أو رافضًا لوجود الشر (2).

هناك كثير من الطرائق المُتبعة لصياغة معضلة الشر ومناقشتها؛ فهناك الطريقة الاستنتاجية التي تحاول إظهار حقائق عن الشر في العالم لا تتوافق منطقيًّا مع وجود كائن كلي القدرة، بينما تتمثل الطريقة الاستقرائية بادِّعاءٍ أكثر تواضعًا وهو أن هناك أنواع الشرور في العالم تقلل من احتمال وجود هذا الكائن (3).

من ناحية أخرى، إن كان البعض يعتقد أنَّ العالم سيكون أفضل حالًا دون وجود الغالبية العظمى من الشرور فهذا لا ينطبق على أنواع الشرور كلها؛ كالإحباط الذي يشعر به الفرد عند مواجهة مشكلة ما؛ إذ إنَّ الرضا الذي يختبره هذا الفرد عند الوصول إلى حلٍّ يفوق الشعور بالإحباط (3).

وتتعدد المحاولات لدحض فكرة أنَّ وجودَ الشر يتعارض مع وجود الكائن كلي القدرة؛ فمنها يعتمد على فكرة أنَّ المعرفة البشرية محدودة ولا يمكنها التوصُّل إلى استنتاج كهذا، ومنها يعتمد على فكرة "عدم وجود عالم مثالي"؛ فأيُّ عالم مهما كان جيدًا يمكن العمل على تحسينه وهذه الحقيقة ليست سببًا كافيًا لبناء استنتاج كعدم وجود كائن كلي القدرة والمعرفة والخير لمجرد أنَّ العالم لم يصل إلى المستوى المثالي (3). 

ومن جهة أخرى، يُعرَّف الإله -منطقيًّا- على أنَّه قادر على التعامل مع قضايا الخير والشر؛ لذلك فلا يمكن الإشارة إلى الشر على أنَّه عامل يدل على وجود تناقض في تعريف الإله؛ لأنَّه متضمن أساسًا في التعريف (2).

ومن الأفكار التي يجب أن تؤخذ بعين النظر عند البحث في مشكلة الشر  الإرادةُ الحرة، فهل يمكن لكائن كلي القدرة أن يضمن اختيار الأشخاص للصواب دائمًا (3)؟

المصادر:

1- Conway D. The Philosophical Problem of Evil. International Journal for Philosophy of Religion [Internet]. 1988 [cited 26 December 2021];24(1/2):35-66. Available from: هنا

2- Downing F. God and the problems of evils. Sophia [Internet]. 1968 [cited 22 December 2021];7(1):12-18. Available from: هنا

3- Tooley M. The Problem of Evil. In: Zalta E, ed. by. Stanford Encyclopedia of Philosophy [Internet]. The Metaphysics Research Lab, Department of Philosophy, Stanford University; 2002 [cited 16 May 2022]. Available from: هنا