الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

لماذا نعطي صفات إنسانية لما هو غير إنساني؟

هل شعرتم يوماً أن حيوانكم الأليف يتصرف وكأنه إنسان؟

أو هل تضايقتم يوماً من حاسوبكم وأحسستم أنه يغيظكم ببطئه في حين أنكم بأمس الحاجة إليه وأصبحتم تكيلون له التهم والشتائم (1)؟

ما هو برأيكم شعور الشمبانزي هام (Ham) في الصورة التي أُخذت أثناء تحضيرات إطلاقه إلى الفضاء عام 1961 (2)؟

إن ظننتم أنه يشعر بالسعادة فأنتم إذاً وقعتم ضحية لما يسمى بانحياز الأنسنة (Anthropomorphic bias)، إذ أنكم ألحقتم صفات بشرية بأشياء لا تملكها (1)، والمسؤول عن ذلك هو اللاوعي الذي يتعامل مع غير البشر على أنهم بشر كشكل من أشكال الانحيازات المعرفية (Cognitive biases)، فالتعبير المرسوم على وجه القرد هام يدل على الخوف، ويُسمى أحياناً بابتسامة الخوف (2).

ويقول الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم (David Hume 1711-1776): "هنالك ميل كوني من البشر نحو إدراك جميع الكائنات بالطريقة التي يدركون فيها أنفسهم.. فتجدهم يرون وجوهاً في القمر، وجيوشاً في السحاب" (2).

ويعود سبب إلصاقنا صفات بشرية لما هو غير بشري لأسباب تطورية، فمثلاً إن سمع أحد أسلافنا القدامى صوتاً في أجمة من الشجر، من الأفضل له أن يخمن أنه حيوان مؤذ على أنها الرياح فقط، فيهرب وينجو بحياته، ولو أنه كان عقلانياً واستقصى سبب هذا الصوت فوجد حيواناً ضارياً، لما نجا منه، ولما كان له أحفاد مثلنا (1,2).

فالحيوانات مثلاً تمتلك صفات شبيهة بصفات البشر كالرغبات والعواطف، ولكن هذا لا يعني أنها مماثلة لتلك البشرية الأكثر تعقيدًا، أو أنها تمتلك ذكاء وعقلانية ودوافع مثلنا (1).

ولكن فهمنا البشري للحيوانات الأليفة وتفسيرنا لسلوكياتها على أنها بشرية، يسمح لنا بالحصول على الدعم الاجتماعي الضروري لصحتنا، وهذا ما أثر على مظهر وسلوك بعض الحيوانات كالكلاب من خلال الانتقاء الجنسي، لتصبح أكثر أُلفة بالنسبة لنا، ما سبب العديد من المشاكل الصحية لها بسبب مزاوجتها مع بعضها (3).

يدفعنا هذا الانحياز إلى إطلاق أسماء بشرية على حيواناتنا الأليفة، والاحتفال بأعياد ميلادها، وإلباسها أزياء بشرية، ومعاملتها كأطفالنا، ودفنها وفقاً لطقوس تشبه تلك التي نتبعها عند دفن البشر (3).

ومن الممكن أن يقودنا هذا الانحياز للإيمان بالأشباح، إذ أننا قد نعطي البرودة والأصوات الخافتة صفات بشرية، ما يجعلنا نظن أنها ناتجة عن شبح (1).

دفع هذا الانحياز أيضاً أسلافنا لعبادة الإله زيوس مثلًا، إذ أنهم عندما رأوا البرق والرعد واحتشاد الغيوم، شبهوا ذلك بشعور الغضب الإنساني، وظنوا أنه ناجم عن غضب إلهي لا عن أسباب علمية متعلقة بالطقس (1)، كذلك عند سؤال الدينيين عن وصف الإله؛ نجدهم يحملونه صفات بشرية (2).

من جهة أخرى، يجيبنا هذا الانحياز على السؤال الآتي: كيف نعرف أن شخصاً غيرنا يمتلك عقلاً كعقلنا؟

إن إدراكنا لامتلاك العقل هو إدراك شخصي، إذ يدرك كل شخص أن لديه عقلاً، وعندما نلاحظ تصرفات غيرنا على أنها متشابهة مع تصرفاتنا بشكل كبير، فإننا نستطيع التكهن بأنهم يمتلكون عقولاً مثلنا (1).

ولكن ماذا عن الذكاء الاصطناعي إن تصرف مثلنا وتحدث مثلنا مستخدماً لغتنا، هل سنستطيع القول عندها أنه يملك عقلاً كعقلنا (1)؟

المصادر:

1. Johnson D. Anthropomorphic Bias. In: Arp R, Barbone S, Bruce M, ed. by. Bad Arguments: 100 of the Most Important Fallacies in Western Philosophy. 1st ed. Wiley-Blackwell; 2018. p. 305-307. Available from: هنا  

2. Dacey M. Anthropomorphism as Cognitive Bias. Philosophy of Science [Internet]. 2017 [cited 30 April 2022];84(5):1152-1164. Available from: هنا 

3. Serpell J. Anthropomorphism and Anthropomorphic Selection—Beyond the "Cute Response". Society & Animals [Internet]. 2003 [cited 30 April 2022];11(1):83-100. Available from: هنا