الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز

مراجعة فيلم الخيال العلمي Dune

"ما الأحلام إلا رسائل من الأعماق"، جملة افتتاحية تحمل في طياتها مشاهد ملحمية أخاذة؛ في عوالم بعيدة وكواكب لم نسمع بها قط، وفي عام 10191 تحديدًا، تبدأ أحداث فيلم الخيال العلمي (Dune)، الذي حصل على أكبر عدد من جوائز الـ BAFTA لهذا العام، و ثلاث جوائز اختيار النقاد، إضافة إلى فوزه بِـست جوائز أوسكار في حفله الـ 94، المقتبس من الرواية التي تحمل نفس الاسم للكاتب الأمريكي (Frank Herbert).

تدور الأحداث حول الشاب بول، وهو وريث عرش آل أتريديس "Atreides" على كوكب كالادان "Caladan"، الذي يرافق والده الدوق (Oscar Isaac) في رحلة إلى صحاري كوكب أراكيس "Arrakis"، المعروف أيضًا باسم "Dune"؛ لتولِّي عمليات استخراج مادة "التوابل" التي تُعد مهلوسًا ومصدرًا للطاقة، برفقة والدته جيسيكا (Rebecca Ferguson) وهي عضوة في جمعية غامضة؛ بناءً على أوامر من الإمبراطور، إذ سيتولى الدوق مسؤولية هذا الكوكب، الذي يعد موطنًا للديدان الرملية الوحشية التي قد يصل طولها لأربعمئة وخمسين مترًا، والسكان الغامضين الذين يسمون بـالفريمن، وموردًا ذا قيمة عالية لـ "التوابل".

سيتبع ذلك كثير من المؤامرات والمعارك، ولكن في صخب كل تلك المعلومات والحوارات تستوقفنا أحلام بول الذي تأتيه رؤى لفتاة لم يقابلها من قبل، نرى من خلال تلك الأحلام مقتطفات وومضات من أحجية متعددة الأوجه لمصير الشاب بول.

النجم الشاب (Timothée Chalamet)، في ثالث فيلم ضخم له في عام 2021م، وأول عمل له من هذا النوع، هو بول، الذي على الرغم من تمكنه وجودة أدائه بوصفه ابن العائلة النبيلة أتريديس، وتلاؤم ملامحه مع العمر المفترض للشخصية، لم نرَ فيه المقاتل المدرب الذي تصفه رواية هيربيرت.

إن القصة تذهب أبعد من بول وكوكب أراكيس والديدان الرملية، فكتاب هيربيرت لم يكن فقط رواية خيال علمي، بل هو حكاية جيوسياسية عن المجتمع وأطماع الشركات الكبرى والاستعمار والبيئة والأديان في إطار تنبؤي مستقبلي، وعلى الرغم من غرابة الكواكب والتكنولوجيا فإننا نرى فيها انعكاسًا واضحًا لواقعنا.

ولذلك فإن الرواية تزخم بالرموز، وبأسماء مناطق واختراعات جديدة، ومعلومات عنها وعن الشخصيات، مما يجعلها تحديًا حقيقيًّا لأي صانع أفلام، للموازنة بين سرد القصة والتعريف بهذه العوالم وقوانينها دون أن يتشتت المشاهد أو يضيع، تحدي قد يصعب حتى على فيلينوف الذي أثبت قدراته سابقًا بنصوص صعبة ومركبة مثل Arrival و Prisoners، فقط ليثبت من جديد أنه واحد من أقدر مخرجي جيله، وأكثرهم تمكنًا في السرد البصري.

فاعتمد الفيلم في أساسه على المؤثرات البصرية التي تبهرنا في جودتها وواقعيتها، بدءًا بالاختراعات المستقبلية مثل الطائرة ذات الأجنحة الثمانية والدرع ذي الفكرة المذهلة وحيلة الصوت " The Voice" التي يتدرب بول على إتقانها كثيرًا على يد أمه ليستطيع التحكم بالآخرين، وصولًا إلى تفاصيل صغيرة تتعلق بالنظام البيئي لكوكب دون، نظرة Villeneuve الثاقبة جنبًا إلى جنب مع الأساطير المعقدة لـ Herbert خلقا لنا عالمًا متكاملًا لم نتخيله من قبل!

أيضًا نلحَظ في الفيلم خليطًا ثقافيًّا غريبًا ومألوفًا في الوقت نفسه، إذ نرى لمحة من العربية في لغة الفريمن، وأساطير مستوحاة من الثقافة الأزتيك والتركية والفارسية وغيرها الكثير، محاكة مع بعضها بدقة وانسجام في عالم مستقبلي موحَّد، والذي بدوره يتناسب مع فكرتنا عن الخيال العلمي.

في هذا الخليط نرى مدى نجاح فيلينوف في إعادة صياغة القصة سينمائيًّا، فقد احتوى هذه التفاصيل وقدمها بأسلوب أكثر وفاءً وتطابقًا مع الرواية من رؤية ديفيد لينش (David Lynch) الخاصة التي عرضها في فيلمه عام 1984م، فيلم حمل اسم الرواية، لكن اختلف عنها في كثير من محتواه.

بعد فترة وجيزة من هبوطه على الكثبان الرملية، يدخل بول إلى العالم الجديد الذي ينتظره إلى جانب قبائل كوكب أراكيس، الفريمن، وهو الحدث الدرامي الفاصل الذي يمهد للجزئين القادمين من هذه الثلاثية؛ فينتهي الفيلم في منتصف الرواية قبل أن ينتهي كل شيء، الأمر الذي يتركنا منتظرين بفارغ الصبر إعلان موعد صدور الجزء الثاني.

وأنت قارئنا الشغوف، ما رأيك في الفيلم؟ هل يستحق أن ننتظره عامًا آخر حتى موعد صدور الجزء الثاني؟ وهل تفوق على نسخة ديفيد لينش السابقة؟ شاركنا رأيك في التعليقات...

معلومات الفيلم: