الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز

الخير على أنه موضوعٌ للفنِّ مراجعة فيلم The Lives of Others

"السبب الوحيد الذي يدفعنا لمشاهدة الأفلام هو أننا نسعى إلى مزيد من الشعر، مزيد من المتعة والتسامي في حياتنا" - Jim Kitses

نحكي اليوم قصة فيلم "The Lives of Others" الفيلم التاريخي والدرامي الحاصل على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2007م، الذي يروي قصة الرجل الرمادي ذو الوجه الشاحب باستثناء عينيه الفولاذية الزرقاء (Ulrich Mühe) الذي يؤدي دور جيرت فيسلر ببراعة لا متناهية، إذ يُكلَّف Wiesler بمراقبة زوج من المشاهير؛ الكاتب المسرحي جورج دريمان بأداء رائع من الممثل (Sebastian Koch)، وصديقته الممثلة كريستا ماريا سيلاند التي أدت دورها الممثلة (Martina Gedeck).

تدور أحداث الفيلم في ألمانيا الشرقية قُبيل سقوط جدار برلين، حول ضابط من الـ Stasi (الشرطة السرية الألمانية)، إذ يمتلك Wiesler مقومات المُخبر المثالي من الحدس القوي والغرائز البوليسية التي تستطيع أن تعرف المتهم من خلال التعذيب النفسي دون اللجوء لأساليب العنف أو الضرب حتى ينهار ويعترف، إذ يبدأ بالتسلل إلى حياة الثنائي السعيد -لاشتباه الـ Stasi بنشر الكاتب المسرحي مقالات غير شرعية في مجلات ألمانيا الغربية- وهو يتنقل في تنصته في شقتهما حتى لا يفلت من يده أيُّ تفصيلٍ يمكن أن يحدث بين تلك الجدران.

تبدأ الحبكة الدرامية في الفيلم عندما تتسلل حياة الآخرين الذين يراقبهم إلى وعيه في وضع يُفترض فيه أنه يحافظ على مسافة بين مشاعره الإنسانية ووفائه لمجتمعه بوصفه مُخبر في تلك الفترة.

الفيلم من إخراج و كتابة (Florian Henckel von Donnersmarck) الألماني الجنسية، الذي تبدو عبقريته في إخراج عمل يُعنى بالإنسان؛ العميل السري الذي أقحم ذاته في حياة الآخرين حتى لم يعد يُميِّز ذاته، والكاتب المسرحي الذي يتحوَّل من شخصية تشبه المجتمع حوله إلى شخصية لا تؤمن بالمعتقدات السائدة، فعندما نركز على شخصية العميل السري Wiesler يبدو وجهه كوجه بيروقراطي غير مرئي كقناع درَّبه في كل حياته على ألا يعكس أيَّة عاطفة، وكل ما يتعلق به متماثل وأحادي اللون وجامد ومستقيم، يجلس مع سماعات رأس كبيرة مثبتة على أذنيه، وجسده ووجهه متجمدين، ينتظر الآخرين كما تنتظر قطة فأرًا في علية قاتمة وكئيبة، يستمع سرًا إلى أعدائه، لكنه يستمع قسرًا إلى نوع الموسيقى التي كان يتجنبها طوال حياته، فلا حياة خاصة به، ولا هواية، ولا إلهاء عن وظيفته ذات التفكير الفردي، فليس لديه من يثق به، ولا نجد في الفيلم حديثًا داخليًّا للبطل حتى لإبلاغنا بأفكاره، لا نرى سوى ذلك الوجه الفارغ كفراغ حياته تمامًا، ولكن كيف يظل غير متأثرًا عندما يواجه يومًا بعد يوم سعادة وكفاح ونضال الزوجين المشاهير؟

وبينما يمضي Wiesler في أزمته -بين أن يكون وفيًا لمجتمعه مقابل أن يكون وفيًا لإنسانيته- يتهاوى اللغز عن ذراه الرائعة في جو مشحون بالعواطف المتفجرة.

يضيء هذا العمل السينمائي على التغييرات التي يمر بها الأشخاص بناءً على الظروف المحيطة، فلا يضع قواعدَ للصواب والخطأ، في إطار فنِّي جميل من الموسيقى والألوان والأجواء الملائمة لذلك الزمن. يتركنا مع تساؤلٍ صعبٍ؛ كيف يمكن للشخص الصالح أن يتصرف في ظل ظروفٍ مأساوية يحكمها الاستبداد؟ 

إذا كنت قد تابعت هذا العمل فما تقييمك له؟ وما هي المشاهد التي تظن أنَّها تُميِّز الفيلم؟ وما هي الأفكار التي تستطيع أن تشاركنا بها؟

معلومات الفيلم: