العمارة والتشييد > التصميم المعماري

مبنى «سادات آباد» السكني

 قبل أن نرى كيف استُخدِمَ مفهوم المشربية في مبنى «سادات آباد» السكني في إيران؛ دعونا نتعرف إلى مفهوم المشربية وبعض من فوائدها:

تاريخ المشربية (1):

يمكن تاريخيًّا إرجاع المشربية إلى العصرين المملوكي والعثماني في مصر، ومنذ ذلك الحين تطور مفهوم المشربية.

عرَّفها قاموس أوكسفورد للعمارة على أنها "ستار شبكي" من الخشب غالبًا يتميز بشكله المعقد والهندسي الجميل.

يقال إن كلمة مشربية أتت من فعل "شرب"، وهذا الارتباط يعود لعادة وضع الجرار داخل الرفوف الداخلية للمشربية لتبريدها من خلال الهواء المتخلخل القادم عبرها.

الوظائف الأساسية للمشربية (1):

من الناحية البيئية: تقوم عناصر المشربية تلقائيًّا بتنشيط دورة الحمل الحراري القادرة على تحريك كتل الهواء من منطقة الضغط العالي إلى منطقة الضغط الأدنى.

أما اجتماعيًّا؛ فتطورت المشربية لتكون عازلًا للرؤية؛ إذ تسمح المشربية للإناث داخل المنزل بمراقبة الحياة الخارجية أو التحدث مع جاراتهن دون أن يلاحظهنَّ أحد، وإضافة إلى ذلك كانوا يستخدمون المشربية لمراقبة أولادهم حين يلعبون في الخارج، أو لدعوة تجار الطرق إلى شراء أشياءَ ذات استخدامٍ يومي.

وبالتأكيد لا يمكن أن ننسى العلاقة بين المشربية والضوء؛ إذ تسمح المشربية بمرور الضوء الطبيعي الذي يشكل عناصرَ وأشكالًا ضمن الفراغ ناتجةً عن الشكل الشبكي للمشربية، ويخلق الضوء والظل إيقاعاتٍ ديناميكية.

أيضًا عملت المشربية على تقليل كمية الطاقة الحرارية الناتجة عن أشعة الشمس صيفًا التي تكون قاسيةً أو حجبها مسببةً ارتفاعًا حادًّا في درجات حرارة الفراغ الداخلي.

نلاحظ أنَّه في القرن الأخير توسعت بعض المدن العملاقة بصورةٍ خاطئةٍ أدت إلى إلغاء تكامل الفراغات الداخلية مع الخارجية، فاقتصر اتصال هذه الفراغات في معظم الكتل السكنية على فتحاتٍ صغيرةٍ ضمن الواجهات، مما أدى إلى خلق واجهاتٍ بسيطةٍ يكمن دورها الرئيس في السماح للضوء بالدخول إلى الفراغات الداخلية وحماية الأخيرة من الإزعاج القادم من المحيط الخارجي (2).

لذلك قام فريق المهندسين في مبنى «سادات آباد» السكني بالعمل على إعادة تشكيل التصميمات الداخلية وتصميم واجهة المبنى التي تهدف إلى تحقيق تواصلٍ أفضلَ مع المحيط الحضري من خلال العمل على واجهةٍ من ستائرَ قابلةٍ للتحرك ضمن زوايا معينةٍ مصنوعةٍ من الطوب المُثقَّب (3).

أُضيفَت هذه الستائر الطوبية على مَقرُبةٍ من الواجهة الزجاجية مما أدى إلى خلق مسافةٍ صغيرةٍ بين الزجاج والطوب يمكن تسميتها بالحدود الموسَّعة يصل إليها السكان من الداخل، وتمنحهم رؤيةً كافيةً للخارج وتسمح لهم بالشعور بالجو الخارجي وهم في الداخل (2). وتصلح لتكون مكانًا للزراعة حيث تتسلق النباتات فيها درابزينَ غرف المعيشة (3).

تفيد خاصية تحريك الستائر الطوبية في خلق فجوةٍ توفِّر التهوية الطبيعية، ووضع المهندسون غُرف المعيشة في المقدمة للاستفادة من الإطلالات الواسعة للمبنى (3) الذي يُطل على المساحة الحضرية الفارغة أمامه والموجودة بسبب المعبر القريب والمسافة البعيدة بين المبنى والمباني الأخرى (2). 

على الرغم من الإطلالة المفتوحة؛ فلا تزال الخصوصية متوفرةً في الفراغات الداخلية، وكما ذُكر سابقًا فإن الستائر الطوبية شكَّلت الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج، وقامت بتغيير مفهوم الواجهات من جدرانٍ ثابتةٍ مُصمتةٍ إلى أسطُحٍ انسيابيةٍ جذابة، وهذه القضية الأهم في هذا المشروع، ففي فصل الشتاء تسمح الستائر للضوء بالدخول إلى الفراغات الداخلية مع تأثيرٍ جميلٍ للظل والنور، وتعمل على نقل الحرارة لتدفئة الفراغات الداخلية؛ في حين أنه في فصل الصيف فإن سُمك الستائر يمنع دخول وهج الأشعة الشمسية ويسمح بتوفير الإضاءة الكافية للفراغات الداخلية (2).

لا يقتصر تعريف الواجهة على تشكيل المظهر الخارجي للمبنى فحسب؛ بل يُحدد أيضًا العلاقة بين الفراغات الداخلية والخارجية (2)؛ لذلك نجد أنَّه في الداخل تعمل الأرضيات الحجرية بوصفها استمرارًا للرصيف الخارجي لتساعد في دمج المحيط الخارجي الحضري بالفراغات الداخلية (3).

ويوفِّر المبنى درجًا للوصول إلى الوحدة التجارية إضافةً إلى توفيره ممرًّا منفصلًا للشقق التي تقع فوق مستوى الأرض بقليل، وهناك مجموعةٌ من السلالم أيضًا للوصول للقسم السفلي (3).

في النهاية نجد أن فكرة الأسطُح الطوبية المُثقَّبة التي تعمل كالمشربية من جهة تأمين الخصوصية وتحقيق الجوانب البيئية التي تحققها المشربية للفراغات الداخلية فكرةٌ على كل معماري أن يضعها بعين النظر؛ إذ نجد أن المعماريين هنا استفادوا من المفهوم العام للمشربية وطوروه ضمن محددات مواد البناء وثقافة المستخدم واحتياجاته في المنطقة ولم يقوموا بنسخ العنصر كما هو.

المصادر:

1. Almurbati N, Headley D, Ford P, Taki A. From Manual to Hybrid, Parametric Mashrabiya: Digital Workflow for the Re-envisioning and Conservation of Eastern Architectural Screens and the Engagement of Digital Tectonics. The International Journal of Architectonic, Spatial, and Environmental Design [Internet]. 2016 [cited 20 March 2021];10(2):29-39. Available from: هنا

2. Saadat Abad Residential Building / Mohsen Kazemianfard - fundamental approach architects [Internet]. ArchDaily. 2020 [cited 20 March 2021]. Available from: هنا

3. Astbury J. Tehran apartment block by Fundamental Approach Architects features perforated brick screens [Internet]. Dezeen. 2019 [cited 20 March 2021]. Available from: هنا