الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

لماذا تستمر الضحية في علاقة تعنيفية؟

وفقًا لإحصائيات حديثة وعالمية فإن 80% من ضحايا العنف الجسدي من المراهقين والشباب متمسكون بقناعتهم في الاستمرار بعلاقتهم مع الشريك المعنِّف لهم، حتى إن بعضهم قد يرغب في الزواج منه، وإلى أن تدرك الضحية أنها أسيرة علاقة تعنيفية، وأن ما تعيشه هو انتهاك لحقوقها وخطر على حياتها، فإنها قد تستغرق حوالي ثلاث سنوات ونصف من العلاقة السامة لتدرك ذلك، وتجدر الإشارة إلى أن بعض العلاقات استمرت حتى ثمان سنوات، لا سيما أولئك الضحايا ممن لم يبلغوا من العمر 18 عامًا، إضافة أن نسبة إبلاغ الضحايا المراهقين المعرضين للعنف من الشريك لا تتجاوز 10% (أي واحدة فقط من كل عشر ضحايا) (1).

فما الذي يدفع الضحايا للاستمرار في علاقة قائمة على العنف وإساءة المعاملة من الشريك؟ وما العوامل المجتمعية الكامنة وراء هذا السلوك الذي يحول الضحية في أسوأ الاحتمالات من ضحية عنف منزلي إلى ضحية جريمة قتل؟ كما يحصل حاليًّا مع نساء حولنا.

تتعقد الأسباب التي تدفع الضحايا للرضى والسكوت عما تتعرض له، منها ما يتعلق بالمعنِّف أو الضحية أو المجتمع ذاته، وعليه يمكن أن نستعرض هذه الأسباب كما يلي:

أسباب تتعلق بالشريك المعنِّف:

من المحتمل كثيرًا أن يستمر الشريك المعنِّف بتهديد ضحيته، كالتسبب بالأذى أو القتل، أو التهديد بالتعرض للأطفال أو منع الأطفال عن الضحية بحجة الحضانة وحرمانها منهم، كما قد يحرص الشريك المعنِّف على محاصرة الضحية ماليًّا والتضييق عليها (2)، ومن المحتمل أن يمارس الشريك المعنِّف سلطته ونفوذه في حال كان شخصية مشهورة أو نافذة للضغط على أصحاب القرار للانحياز له والتهاون في قضيته (3).

أسباب تتعلق بالضحية:

غالبًا ما تتردد الضحية في الانسحاب والتخلص من العلاقة التعنيفية لأسباب ذاتية وأخرى مادية؛ إذ غالبًا ما تخشى الضحايا من انتقام الشريك المعنِّف بعد انفصالهم عنه، لا سيما إذا أبدى الشريك المعنِّف استعداده لتنفيذ تهديداته (2).

كما يشكل الخوف من فقدان حضانة الأطفال عقبة كبيرة أمام الضحية، فتدرك الضحية أن الزوج أو الشريك المعنِّف سيلعب على وتر حضانة الأطفال وحرمانها منهم بوصفهم نقطة ضعفها (2,3).

ويشكل تبني الضحية للمعتقدات التقليدية عن الزواج التي تتضمن خلق تبريرات لتصرف الشريك المسيء تجاهها عقبةً تطيل أمدَ هذه العلاقة السامة، فقد تبرر الضحية بقاءها مع شريكها بأنها باتت قادرة على التنبؤ بنمطه العنيف وهو خيار أفضل لديها من التشرد (3).

كذلك فقد تعفي الضحية معنِّفها من المسؤولية عن تصرفاته بدعوى أنها ناتجة عن تعرضه لضغوط في العمل أو لتعاطي الكحول أو المخدرات، أو قد تشعر الضحية بالحب والاهتمام والامتنان في علاقتها السامة مما يدفعها لتجاهل التلاعب والترهيب والخوف والعنف، وفي حالة أخرى قد يقنع المعنِّف ضحيته بالشعور بالذنب وبأنها تستحق العنف الواقع عليها منه، أو قد تعاني الضحية من متلازمة ستوكهولوم، فترتبط عاطفيًا بمعنفها وتسعى إلى مساعدته (1-3).

أما الأسباب المالية فهي تتمثل عجز الضحية المالي عندما تدرك عدم قدرتها على الاستقلالية المادية والعجز عن إعالة أطفالها ورعايتهم دون مساعدة الشريك المعنٍّف، وقد تعتقد أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها المالية حالَ الانفصال (3).

أسباب مجتمعية:

تشكل الأسباب المجتمعية الجانب الأكثر أهمية عندما لا تجد الضحية دعمًا حقيقيًا من المحيط حولها، مما يجعلها تفتقد الجرأة لاتخاذ القرار المناسب تجاه ما تعيشه من تعنيف وإساءة، ومن أهم هذه الأسباب:

- خوف الضحية من نظرة المجتمع واتهامها بالتقصير والتسبب في تدهور علاقتها بالشريك (ثقافة لوم الضحية) (3).

- سعي رجال الدين والقانون إلى "إنقاذ" العلاقة بين الزوجين بدلًا من إيقاف العنف وحماية الطرف المتضرر، إضافة إلى نظرة المجتمع أن اجتماعَ الأبوين أفضل للأطفال في الأحوال جميعها (2).

-  عدم جدية الجهات الأمنية في توجيه التهم للشريك المعنِّف، والوقوف إلى جانبه في بعض الأحيان، وضعف الرادع القانوني في حالات الاعتداء من قبل الشريك وتصنيفها على أنها "نزاعات منزلية" (2).

-  إحجام أغلب الضحايا عن الادعاء ضد الشريك المعنٍّف نتيجة الجهل بأن العنف هو جريمة يعاقب عليها القانون، أو بسبب ضغط المحيط عليهم لإقفال القضية وإنهائها، ومحاولة القضاة إقناع الجاني بالاعتراف بارتكاب جناية أقل من العنف مما يترك ضحيته معرضة للخطر (2).

- بعض المعتقدات الدينية والثقافية التي تحرّم الطلاق أو تنبذه، أو تفرض أدوارًا جندرية تدفع الضحية للقبول بالتعنيف (2,3).

- غياب دعم النفسي من مقربي الضحية كأسرتها وأصدقائها، إما بسبب منع الشريك المعنِّف لها من التواصل معهم أو خوف الضحية من اكتشافهم لعلامات العنف والإيذاء لديها (2,3).

-  غياب مراكز الدعم والحماية لاستقبال الضحايا ورعايتهم أو قلة توفرها (2).

أخيرًا؛ لا بد من القول إن وعي الضحية وتمييزها طبيعةَ علاقتها بالشريك هي الخطوة الأولى لاتخاذ القرار المناسب، في ظل توفر الدعم النفسي والمادي من أسرتها ومحيطها لإنقاذها من الاستمرار في علاقة سامة ومأساوية قد تفضي إلى الموت.

المصادر:

1. Muñoz-Rivas M, Ronzón-Tirado R, Redondo N, Cassinello M. Adolescent Victims of Physical Dating Violence: Why Do They Stay in Abusive Relationships?. Journal of Interpersonal Violence [Internet]. 2021 [cited 8 January 2022];.  PMID: 3345549. Available from: هنا

2. NCADV | National Coalition Against Domestic Violence [Internet]. Ncadv.org. [cited 8 January 2022]. Available from: هنا

3. Buel SM. Fifty Obstacles to Leaving, a.k.a., Why Abuse Victims Stay. THE COLORADO LAWYER. 1999;28(10):19 - 28. Available from: هنا