كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (شجرتي شجرة البرتقال الرائعة): الحياة من منظور طفل بقلب طير

رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة للكاتب البرازيلي “Jose Mauro De Vasconcelos – جوزيه ماورو دي فاسكونسيلوس 1920 - 1984”

الرواية العالمية التي دُرِّست في البرازيل وترجمت إلى عديد من اللغات، والتي هي جزء من ثلاثية تحاكي تقلبات عُمر زيزا البطل الصغير وأفكاره في كتابنا هذا، رواية ستعود فيها طفلًا في عمر الخامسة، زيزا الطفل الشقي العبقري الذي أتقن القراءة في سن الرابعة دون معلم، فلُقّب بالطفل الذي سكن الشيطان عقله.

لكنّ عبقريته وإحساسه المرهف كانا سبب تعاسته، إذ إنه من الصعب أن تعيش واقعًا تعيسًا بُنيَ من بشاعة فقر الوضع المادي لزيزا الحالم، محافظًا على إحساس يرفض ما يحصل، وعقل يحاول التأقلم. هي حرب تطحن قلب بطلنا الصغير. 

        "ما أشقى أن يكون للمرء أب فقير"

أما زيزا الصغير؛ فقد طور وسيلة دفاعٍ ضد كل ضرر، وهي مخيلته الخصبة، فكانت درعه وسيفه الذي غرز به قلب واقعه المرير، وجعل من مكان غرزة السيف أرضًا لنمو شجرة البرتقال صديقة زيزا ومخبأ كل أسراره وتخيلاته، لكن زيزا لم يتقن فصل المشاعر فصلًا جيدًا، فكره الجميع بحب! وتعرض للتعنيف والألم وكان يأمل أن يكون غدٌ أفضل، حتى إنه كان وحيدًا جدًّا دون أن يدرك معنى الوحدة بعد، عرف الألم ببعده الثالث وهو لم يجد تعريفه حتى.

"كان عشاءً حزينًا جدًّا من الأفضل عدم التفكير فيه مجددًا، تناول الجميع الطعام من دون أن يقولوا شيئًا، وبالكاد تناول أبي القليل من الخبز المُحمص. لم يرغب في حلق ذقنه، ولا في أي شئ. كما لم نذهب لحضور قدّاس منتصف الليل. الأسوأ أن لا أحد تكلم مع أحد. فبدا وكأن السهرة مأتم المسيح الصغير لا الاحتفال بمولده ".

سنلاحظ معا تقلب مشاعر زيزا نحو عائلته وكيف انتقل من حبه لأبيه -على الرغم من كل شيء- إلى كرهه إياه إثر الضرب لينتقل إلى مرحلة مختلفة تمامًا من المشاعر ألا وهي عدم الشعور، وتجلى ذلك عند قرار زيزا بأن يميت والده في قلبه وأن يكبر في سن السادسة قبل أوانه، لنلاحظ تخبطًا جديدًا في المشاعر والصور، فتارة نرى زيزا الطفل بقلب طير، وتارة نرى زيزا الصغير الكبير الذي يحاول أن يكبر بسرعة في عمرٍ وجب عليه لعب الكرة في الأزقة مع أقرانه.

"سأقتله.. - ما الذي تقوله أيها الصغير، تقتل أباك؟ - أجل سأفعل هذا، سبق وأن بدأت القتل، هذا لا يعني أنني سألتقط مسدس باك جونز وأطلق عليه الرصاص، لا، سأقتله داخل قلبي، بالتوقف عن حبه، وذات يوم سيموت!"

سنرى أيضًا زيزا المستكشف الذي برر سرقته أزهار الحديقة ليهديها لمعلمته الوحيدة التي أحسنت معاملته بأكثر الجمل التي قد ينطق بها طفل حقيقية ومنطقية. "ملكية العالم تعود إلى الله، أليس كذلك؟ كل ما هو موجود في العالم ملكٌ لله؟ إذًا، الزهور أيضًا"

ولن ننسى زيزا الذي لم يعاني من الفقر وتردي الوضع المادي فحسْب، بل كان عليه أن يتقبل عائلته الفقيرة عاطفيًّا، وكل ذلك جعله "طفل المزاريب" ذا الأفكار الشيطانية الذي يجوب الشوارع حاملًا أدوات تلميع الأحذية علّه يجني مالًا ويشتري به سيجارًا يرسم به البسمة على وجه أبيه التعيس.

"بما أنه لا أحد يحبني، فسيستغلون هذا الأمر لضربي لأي سببٍ كان".

ستظهر شخصية مختلفة في الرواية وهو البرتغالي الحكيم، الذي حرض مشاعر زيزا نحو انتقال آخر، فانتقلت مشاعر زيزا من الكره والرغبة في القتل من منظور طفل إلى حب كبير معوضًا كل الرفض والكره اللذَينِ تلقاهما بكثرة.

سنرى صداقة غريبة بين طفل وشجرة، سنشهد أحاديث فلسفية فطرية، ولا بأس بقليلٍ من السخرية من الواقع، وسنرى كيف ستكون نهاية تلك الصداقة الغريبة.

يعترف الكاتب في نهاية رواية "شجرتي؛ شجرة البرتقال الرائعة" إلى عزيزه الراحل فالداريس باجتياح شعور الطفولة له على الدوام، على الرغم من أنه في أثناء الرواية كان قد أتم الـ 48 عامًا، ويؤكد على استمرار الألم الذي نتج عن إدراكه المبكر للحياة. 

حُولت الرواية إلى فيلم مليء بالعاطفة، وعُدَّت قصة ماضي الكاتب بحد ذاته وطفولته، ستنهيها بدوامة عاطفية مع كثير من الأحاديث التي قد ترغب بمشاركتها مع أحد ما، فلا تتردد وكن كزيرا تجاوز كل الأحاديث التي لم تخبر لأحد، وشاركها ليكون ذا أثر.

معلومات الكتاب:

العنوان: شجرتي شجرة البرتقال الرائعة.

المؤلّف: جوزيه ماورو.

الناشر: مسكيلياني للنشر.

ترجمة: ايناس العباسي.

عدد الصفحات: 245.