كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

في الحب والحب العذري من الرغبة والحاجة، حتى امتلاك المحبوب

ليس بخافٍ على أحدٍ أنّ الفلاسفة والمفكرين درسوا الحب وتأملوا طبيعته منذ أقدم العصور وعالجوه من وجوهه جميعها، ابتداءً بالحب الجنسي وانتهاءً بالحب الصوفي النقي المتوجّه بكليّته نحو الذات الإلهية.

في هذه الدراسة يبحث الكاتب (صادق جلال العظم) مفارقة الحب بكونه حاجةً لإشباع نهمٍ جسدي، وتحقيق الشعور بالاكتفاء والرضا، والتغلّب على نقصٍ يعيشه العاشق المفارق لمعشوقه. ولاتعنيه مُثُل الحب الأفلاطوني ولا حب المال والوطن والأخوة والأهل؛ والغرض من ذلك تضييق نطاق الموضوع الذي يهدف لمعالجته.

يوضّح الكاتب مفارقة الحب واختلافه بين شخصيتين عاشقتين: الأولى شخصية العاشق الدنجوان، والثانية شخصية العاشق العذري، فشخصية الدنجوان وفق ما يرى الباحث تتصف بالتقلب السريع والاستجابة المباشرة للمثيرات العاطفية والغرامية المحيطة بها، بغية إبقاء الحب في مستوى العشق العنيف والانفعال الحاد؛ يهزأ الدنجوان بشريعة الامتداد، امتداد الحب وتواصله عمرًا طويلًا، ويرفضه أيضًا، ويرفض كل ما يمتّ إليه بصلة مثل الزواج.

"ينفض الدنجوان يده من شريعة الامتداد، ويعارض جميع قيمها ومعاييرها، ويرفض كبتها وقمعها لسورة العشق، ويهزأ من مؤسساتها الاجتماعية الرئيسة، وخاصةً الزواج والروابط العاطفية الدائمة المستقرة."

ثم يتناول الكاتب ظاهرة الحب العذري ويدرسها بعيدًا عن الأفكار المسبقة والمفخّمة، وينحّي عنها كل الآراء الشائعة المعروفة، ويأخذ مثالًا عليها قصة جميل وبثينة باعتبارها حكايةً نموذجية بالنسبة إلى قضية الحب العذري.

يطرح الكاتب أسئلة عديدة تضع معاني الحب العذري في موضع الشك منها: لماذا لم يكتم جميل حبّه لبثينة إن كان في الحقيقة يحبها ويبغي الرباط المقدّس بينه وبينها، ليقدم على خطبتها تمشّياً مع الأعراف القبلية؟

ولماذا سلكت بثينة سلوكًا مشابهًا حين كانت تعتزّ بهيام جميل ونسيبه بها بين أترابها؟ الأمر الذي جعل أية علاقةٍ طبيعية وفق العادات القبليّة مستحيلةً بينهما.

يقول الكاتب: "يبدو إذًا أن الحب العذري ضد مؤسسة الزواج وماتعنيه، ويتحدّاها تحدّياً مباشراً، ومع أنّ الحبر سال في الكلام عن عفّة هذا الحب وطهارته ومثاليته، كان العاشق العذري يزور عشيقته المتزوجة في عقر دارها، ويقضي الليالي مختبئًا عندها، على الرغم من أنف زوجها وأهلها!".

يدرس الكاتب ثنائياتٍ عاشقة في الأدب العربي من خلال أشعارهم وقصصهم، ويصل إلى نتيجةٍ مفادها أنّ العاشق العذري شهوانيٌّ إلى أقصى الحدود، وهو أبعد مايكون عن التغلب على شهوته والسيطرة عليها، بل على العكس من ذلك، إنّه يرعى هذه الشهوة ويعتني بها ويؤججها ويعمل على اشتداد حدّتها باستمرار. إنّه يستمتع بإبقاء شهوته للحبيب على هذه الحال لاتستقر ولا تهدأ.

إذًا أين حقيقة العشاق العذريين من الأوهام التي ينسجها الكتّاب والمعلِّقون حول الطهارة والبراءة والعفة؟ ألم يُشبّبوا بصواحبهنّ ويُشهّروا بهنّ؟ وألم تستمتع العشيقات بدورهنّ بهذا الهيام والتشبيب؟.

في فصل الكتاب الأخير يوضّح الكاتب خصائص العاشق الدونكيشوتي الذي يبني في مخيلته مخططًا استراتيجيًا محكمًا، فيه المبادئ والمقدمات والنتائج والحسابات الدقيقة للتراجعات بغية غزو قلب الحبيبة التي خرج هائماً على وجهه يبحث عنها.

"يطوف العاشق الدونكيشوتي بدار حبيبته، ويفرح إن رأى من رآها، وإن ساعده الحظ وظفر منها بمجلس، أنشد لها الأشعار وأكثر من استعمال التشبيهات والاستعارات إلى ما هنالك من هذا النوع من العشق الذي يستمر بين ثلاثِ سنواتٍ وخمسٍ ملؤها الرسائل والمعاناة والشكوى والمواعيد ومناجاة الطبيعة."

يمتدح أبرز شعراء الحب في العصر الحديث، (نزار قباني) هذا الكتاب/ الدراسة فيقول ما نصّه: "قبل هذا الكتاب، كان العشّاق العذريون في تصوّرنا أنقياء كالملائكة، معصومين كالقدّيسين. ويأتي صادق جلال العظم في هذا الكتاب ليمزّق القناع عن وجوه العشّاق العذريين، وليكشف، بالمنطق والفكر الفلسفي العميق، أنّهم كانوا في حقيقتهم نرجسيين وشهوانيين".

معلومات الكتاب: