الغذاء والتغذية > الرياضة وتغذية الرياضيين

تناول الكحول وعلاقته بالأداء الرياضي والتعافي ما بعد التمرين

كثيرًا ما تفرض الأندية والجمعيات الرياضية وعلى نحو متكرر حظرًا أو قيودًا على استهلاك الكحول من قِبل الرياضيين المتعاقدين معها. على الرغم من ذلك، تُظهر المسوحات الغذائية للمجموعات الرياضية أن تناول الكحول المبلّغ عنه ذاتيًا من قِبل الرياضيين أنفسهم يُشكل ما يصل إلى 5٪ من إجمالي مدخول الطاقة اليومي لدى نخبة الرياضيين، ومع هذا يبقى مدخول الرياضيين من الكحول أقل من غيرهم (1). ويبدو أن تناول الكحول يزداد في حالة الرياضات الجماعية، إذ يزداد استهلاك الكحول غالبًا بوصفه عنصرًا من عناصر الترابط الجماعي ويمكن أن يكون مرتبطًا بتخفيف التوتر (2).

وُثقت التأثيرات الضارة للكحول في فيزيولوجيا الإنسان على نحو جيد، إذ تبيّن أن التناول المفرط للكحول يؤثر في العديد من جوانب التمثيل الغذائي والوظيفة العصبية وفيزيولوجيا القلب والأوعية الدموية والتنظيم الحراري والاعتلال العضلي للعضلات الهيكلية؛ ومن هذه التأثيرات والآليات المحتملة نذكر:

1. التأثير في الهيكل العظمي والعضلات:

هنالك تأثيرات ضارة محتملة للكحول في عضلات الهيكل العظمي. أولًا، يمنع الكحول عبور شوارد الكالسيوم في «الخلية العضلية-Myocyte» عن طريق تثبيط القنوات العضلية الخاصة بهذا، فظهرت هذه التأثيرات في دراسات على الأنابيب العضلية البشرية المعزولة وأنابيب عضلات القوارض في المختبر (3,4). بالتالي فإن هذا سوف يضعف ارتباط الانقباض والإثارة؛ مما يقلل من القوة الناتجة. مع ذلك، فشلت البيانات السريرية البشرية في دعم هذا الدليل المختبري. ثانيًا، قد يؤثر استهلاك الكحول في سلامة الغشاء المخاطي، مع وجود دليل على ارتفاع في إنزيم «الكرياتين كيناز-Creatine Kinase» داخل الخلايا، بعد تناول الكحول وممارسة الرياضة، ولكن ما زال هناك حاجة لدراسات سريرية لدعم هذه المعلومة. من المفهوم جيدًا أن تقلصات العضلات والألم وفقدان الحس العميق هي الأعراض الشائعة لإساءة استخدام الكحول؛ لكن الآليات الأساسية لا تزال تخمينية (1).

2. التأثير في التنظيم الحراري والترطيب:

من المعروف أن للكحول تأثيرًا في ماء الجسم وعمله كمصدر للبول. ويعود تحديد الكحول بوصفه مصدرا قويا للبول إلى عام 1948، إذ ظهرت زيادة في إنتاج البول بمقدار 10 مل بعد كل غرام من الإيثانول المستهلك (5). وثبت أن الكحول يعمل بوصفه موسعا وعائيا محيطيا؛ ويؤدي هذا في المقام الأول إلى زيادة فقدان السوائل من خلال التبخر والتبول؛ فيزداد «الجفاف-Dehydration».

هناك أيضًا تداخل في آليات التنظيم الحراري المركزية تسبب انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية. بالتالي، ليس من المستغرب ثبوت أن استهلاك الكحول على نحو متكرر يقلل من تحمل العمل في درجات الحرارة العالية والمنخفضة (1).

3. التأثير في الأيض:

يُعد الكحول مصدرًا للطاقة العالية سريعة التحرر (29 كيلو جول لكل جرام) (5)، وله عدد من التأثيرات التي تحمل تداعيات على عملية التمثيل الغذائي البشري. على سبيل المثال، التناول المفرط للكحول يسبب «نقص السكر في الدم-Hypoglycemia». فقد ثبت أن تناول جرعات عالية من الكحول يضعف تكوين الغلوكوز الكبدي وبالتالي يقلل الغلوكوز الناتج (6)، ويقلل من امتصاص اللاكتات والجلسرين (7)، كذلك يقلل من امتصاص الغليكوجين وتخزينه في العضلات (7). إضافةً إلى ثبوت أن الكحول يسبب «نقص السكر التفاعلي في الدم-Reactive Hypoglycemi» عن طريق زيادة إفراز الأنسولين عند تناوله مع وجبة غنية بالكربوهيدرات (8)، وتحمل هذه النتائج تداعيات كثيرة على أداء التمرين والتعافي.

4. التأثيرات العصبية:

يُعد الكحول من المواد المثبطة المعروفة، إذ يسبب تقليل استثارة الجهاز العصبي المركزي والنشاط الدماغي، ويتضح من تباطؤ إيقاع تخطيط الدماغ. من الناحية الوظيفية، أظهر الكحول مرارًا وتكرارًا ضعفًا في التوازن ووقت رد الفعل والبحث البصري والتعرف والذاكرة ودقة المهارات الحركية الدقيقة حسب الجرعة المتناولة. هذا ورُبطت التباينات في النشاط العصبي ارتباطًا وثيقًا باضطراب طول النوم وجودته، إذ لُوحظ نقص في عمق النوم (1).

من المحتمل أن يكون تأثير الكحول في الوظيفة العصبية ناتجًا عن عدد لا يحصى من العوامل. فمن الممكن أن يكون التأثير المذكور أعلاه للكحول على استقلاب الغلوكوز هو المؤثر في الأداء الدماغي؛ مما يؤدي إلى أعراض تسمم الكحول. ووضعت نظرية «تراكم الأسيتالديهيد-Acetaldehyde»، وهو منتج ثنائي ينتج من استقلاب الكحول، بوصفها سببا محتملا للأعراض العصبية المكروهة المرتبطة بإساءة تناول الكحول، لكن هذا الاحتمال لا يزال تخمينيًا (9). علاوة على ذلك، من المحتمل أن يساهم التأثير السام لمجموعة من المواد التي تنتج في أثناء تخمر الكحول، في تقليل نشاط الجهاز العصبي المركزي، ومن هذه المواد نذكر الميثانول والهيستامين والبوليفينول (10).

الكحول والأداء الرياضي:

نظرًا للآليات العديدة والمعقدة التي يؤثر بها الإيثانول في الأنظمة الفيزيولوجية في الجسم، يمكن الافتراض وبقوة أن تركيزات الكحول المرتفعة في الدم في وقت التمرين ستضعف الأداء، وسنذكر بعض هذه التأثيرات:

1. التأثير في الأداء الهوائي (الآبروبيك-Aerobic):

لم تجد بعض الدراسات أي تأثيرات مهمة للكحول في الأداء الرياضي الذي يتطلب تحملًا دون الحد الأقصى وتجربة وقت المشي لمسافة 5 أميال. لكن في المقابل، هناك أيضًا دراسات توضح أن الكحول يضر بأداء التحمل. على ما يبدو فهنالك عتبة، إذ يصبح الكحول ضارًا بالأداء الهوائي. ويعتقد أن عتبة تسمم بالكحول تبلغ 20 ملي مول/ لتر من الإيثانول في كل من الدراسات الحيوانية والبشرية (11)، والتي يحدث بعدها انخفاض كبير في الأداء الرياضي، وهي علاقة لسبب تعتمد على الجرعة المتناولة من الكحول (1).

2. التأثير في الأداء اللاهوائي (Anaerobic):

على الرغم من القائمة الطويلة لأعراض العضلات والهيكل العظمي والأعراض العصبية المرتبطة باستهلاك الكحول والتي ذكرناها سابقًا، لكنه لم تتمكن غالبية الدراسات من إثبات علاقة سببية مهمة بين الكحول والأداء اللاهوائي (1). ولكن هنالك بحث حدد تأثير الكحول في أداء الجري، فقد فحص هذا البحث خمسة من العدائين باستخدام وقت الجري بوصفه مقياسا للأداء وأثبت ارتباطًا ضارًا -وإن كان غير متسق- بين جرعة الكحول وأداء الجري (12).

استهلاك الكحول وتأثيره في التعافي بعد ممارسة الرياضة:

ركزت معظم الدراسات التي تتناول الكحول و«تعافي (استشفاء) العضلات-Muscle Recovery» في الغالب على المقاييس الوظيفية لأداء العضلات والعلامات المنقولة بالدم لتلف الأنسجة الخلوية. حتى الآن أسفرت هذه الدراسات عن نتائج غير حاسمة تفشل في إثبات الاعتماد على الجرعة أو العتبة الحرجة التي تُتجاوز للتعافي العضلي. على الرغم من الارتباط السريري بين تعاطي الكحول المزمن والاعتلال العضلي للعضلات الهيكلية، لكنه يبدو أن لتناوله تأثيرا ضئيلا في الضرر العضلي الناتج عن ممارسة الرياضة. وقد يُعزى نقص النتائج إلى نوعية المؤشرات المقاسة في هذه التجارب المذكورة أعلاه، إذ أن «الكرياتين كيناز-Creatine         «kinase-وهو إنزيم داخل العضلات يستخدم على نطاق واسع عند وجوده في الدورة الدموية الطرفية بوصفه مقياسا لتلف العضلات- متغير بدرجة كبيرة وقد لا يوفر أفضل قياس لتلف العضلات (1). ولكن قد توفر المستويات المنتشرة من السيتوكينات الداعمة للالتهابات، والتي تُطلق من الجهاز العضلي، مقاييس بديلة لإجهاد العضلات وتلفها. ويبدو أن العمليات الالتهابية تتغير على نحو متنوع عند تناول الكحول المزمن والحاد. ويرتبط إدمان الكحول لفترات طويلة بمستويات عالية من المركبات الداعمة للالتهابات (13).

على غرار تحليل علامات تلف العضلات، فإن نتائج تناول الكحول على نحو حاد والتي تحدث داخل العضلات في مسارات التمثيل الغذائي للاستشفاء غامضة أيضًا، حيث أن تناول الكحول مباشرة بعد تمرين ركوب الدراجات لفترة طويلة له تأثير بسيط في إضعاف إعادة تخليق الغليكوجين. ويعتمد هذا الإجراء جزئيًا على الكحول الذي يحل محل الكربوهيدرات في وجبات الطعام المتوافقة مع الطاقة. وعلى الرغم من أن التثبيط الحاد لتخليق الغليكوجين قد يكون واضحًا، لكنّ فحص امتلاء الغليكوجين على مدار 24 ساعة أظهر عدم وجود تأثير ضار طويل المدى لتناول الكحول في مخازن الغليكوجين في العضلات (14).

في المقابل يُعد تخليق البروتين المعزز الذي يحدث بعد التمرين مهما لتسهيل الإصلاح والتضخم التكيفي. ويقلل تناول الكحول على نحو حاد من تخليق البروتين العضلي بطريقة تعتمد على الجرعة والوقت. ومن الناحية الوظيفية، يزيد استهلاك كميات معتدلة من الكحول من فقدان القوة المرتبط بالتمارين الشاقة (1).

الخلاصة:

تُعد تأثيرات الكحول في فيزيولوجيا الإنسان والمعايير التي تحدد الأداء الرياضي متعددة العوامل ومعقدة للغاية. وقد حددت العديد من الدراسات عددًا من الأعراض السلبية الناجمة عن تناول الكحول بشكل حاد وآليات التأثير المحتملة. ومع ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن لاستهلاك الكحول تأثيرات مباشرة في الأداء لم يُتأكد منها  على نحو دقيق سريريًا. فمجرد أنه ليس للكحول تأثير سلبي في الأداء على نحو قاطع، لا يعني أنه من العادي تناوله إن كنت رياضيًا. في الواقع، تُظهر البيانات نقصًا حادًا في تحليل التأثير الضار المحتمل للكحول في الأداء الرياضي والتعافي. فبناءً على الأدلة التجريبية المتاحة في النماذج الخلوية والقوارض، يجب على الرياضيين أن يظلوا حذرين من تناول الكحول بعد التمرين المكثف، مع التركيز على استراتيجيات غذائية فعالة ثبت أنها تعزز التعافي.

المصادر:

1. Vella L, Cameron-Smith D. Alcohol, Athletic Performance and Recovery. Nutrients [Internet]. 2010 [cited 3 November 2021];2(8):781-789. Available from: هنا

2. Martens M, Watson J, Royland E, Beck N. Development of the Athlete Drinking Scale. Psychology of Addictive Behaviors [Internet]. 2005 [cited 3 November 2021];19(2):158-164. Available from: هنا

3. Nicolas J, Antunez E, Thomas A, Fernandez-Sola J, Tobias E, Estruch R et al. Ethanol Acutely Decreases Calcium Transients in Cultured Human Myotubes. Alcoholism: Clinical and Experimental Research [Internet]. 1998 [cited 3 November 2021];22(5):1086-1092. Available from: هنا

4. Cofan M. ACUTE ETHANOL TREATMENT DECREASES INTRACELLULAR CALCIUM-ION TRANSIENTS IN MOUSE SINGLE SKELETAL MUSCLE FIBRES IN VITRO. Alcohol and Alcoholism [Internet]. 2000 [cited 3 November 2021];35(2):134-138. Available from: هنا

5. Shirreffs S, Maughan R. The Effect of Alcohol on Athletic Performance. Current Sports Medicine Reports [Internet]. 2006 [cited 3 November 2021];5(4):192-196. Available from: هنا

6. Siler S, Neese R, Christiansen M, Hellerstein M. The inhibition of gluconeogenesis following alcohol in humans. American Journal of Physiology-Endocrinology and Metabolism [Internet]. 1998 [cited 3 November 2021];275(5):E897-E907. Available from: هنا

7. Jorfeldt L, Juhlin-Dannfelt A. The influence of ethanol on splanchnic and skeletal muscle metabolism in man. Metabolism [Internet]. 1978 [cited 3 November 2021];27(1):97-106. Available from: هنا90128-2

8. O'Keefe S, Marks V. LUNCHTIME GIN AND TONIC A CAUSE OF REACTIVE HYPOGLYCÆMIA. The Lancet [Internet]. 1977 [cited 3 November 2021];309(8025):1286-1288. Available from: هنا91321-6

9. SMITH B, ARAGON C, AMIT Z. Catalase and the production of brain acetaldehyde: a possible mediator of the psychopharmacological effects of ethanol. Addiction Biology [Internet]. 1997 [cited 3 November 2021];2(3):277-290. Available from: هنا

10. Pattichis K, Louca L, Jarman J, Sandler M, Glover V. 5-hydroxytryptamine release from platelets by different red wines: implications for migraine. European Journal of Pharmacology: Environmental Toxicology and Pharmacology [Internet]. 1995 [cited 3 November 2021];292(2):173-177. Available from: هنا90010-1

11. Cofan M. ACUTE ETHANOL TREATMENT DECREASES INTRACELLULAR CALCIUM-ION TRANSIENTS IN MOUSE SINGLE SKELETAL MUSCLE FIBRES IN VITRO. Alcohol and Alcoholism [Internet]. 2000 [cited 3 November 2021];35(2):134-138. Available from: هنا

12. McNaughton L, Preece D. Alcohol and its effects on sprint and middle distance running. British Journal of Sports Medicine [Internet]. 1986 [cited 3 November 2021];20(2):56-59. Available from: هنا

13. McClain C, Barve S, Deaciuc I, Kugelmas M, Hill D. Cytokines in Alcoholic Liver Disease. Seminars in Liver Disease [Internet]. 1999 [cited 3 November 2021];19(02):205-219. Available from: هنا

14. Burke L, Collier G, Broad E, Davis P, Martin D, Sanigorski A et al. Effect of alcohol intake on muscle glycogen storage after prolonged exercise. Journal of Applied Physiology [Internet]. 2003 [cited 3 November 2021];95(3):983-990. Available from: هنا