الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

كيف يتأثّر الطلاب بفصل الجنسين في المدارس؟

عادتِ النِّقاشاتُ بين الباحثين عن السِّماتِ الأكاديميَّةِ والاجتماعيَّةِ للتعليمِ أحاديِّ الجنس مقارنةً بنظيره المختلط (Mixed Sex Education) (1) بعد إعادة النظر في قوانين وزارة التعليم الأمريكية بخصوص التعليم أحادي الجنس (Single Sex Education) عام 2006، والغرضُ الرئيسُ من هذه النقاشات عن أشكال التعليم وأنماط المدارس -انطلاقاً من أنّ مشاعرَ الطُّلابِ ومواقفهم تجاهَ التّعلّمِ تؤدي دوراً مهماً في تقييم نجاح البرامج التعليمية- هو تقييمُ موقفِ الطَّالبِ تجاه التعلم، وتُقييمُ نظرته تجاه الجنس الآخر (2)، وقد سُلِّط الضوء على التعليم المنفصل بين الجنسين في جميع أنحاء العالم لأنّ تجربة التعليم لها تأثير مهم في التطور النفسي والاجتماعي للطلاب(1).

وتنتج عن جودة التعليم عوامل متعددة ومعقّدة، لذا سنعرضُ الموضوع  -في هذا المقال- من خلال مقاربتين فقط؛ الأولى تتعلق بــ الأداء التعليمي للطالب أو الطالبة؛ لأنّ التحصيلَ العلميَّ الجيّدَ واحدٌ من الأهداف الرئيسةِ للمؤسساتِ التعليميّة إن لم يكن أهمَّها، أما المبحث الثاني فسيكون عن مهارات التواصل مع الجنس الآخر واستعراضُ نتائجِ الأبحاثِ في هذا الصدد.

الأداء التعليمي للطُلّاب بين المدارس المختلطة والمدارس أُحادية الجنس في المجتمعات المحافظة

وُضعتِ العديدُ من الدراسات لتقييمِ الأداءِ التعليميِّ والتحصيلِ الأكاديميِّ للطُلاب في مختلف أنواع المدارس، إلّا أنَّ النتائجَ بين هذه الأبحاث كانت تختلفُ في بعض النواحي وإن اتفقت في بعضها الآخر (2)، ففي دراسةٍ على الطلاب الملتحقين بالمدارس الثانوية للذكور والإناث إضافةًإلى المدارس المختلطة داخل حدود مدينة إسطنبول في تركيا شاملةً 39 منطقة من المدينة، كان المشاركون فيها 525 طالبةً و318 طالباً في أربع أنواعٍ مختلفةٍ من المدارس كالآتي:

- ثانوية للبنات

- ثانوية للبنين

- ثانوية مختلطة

تشيرُ نتائجُ هذا البحثِ إلى أنّ الدرجاتِ التي حصلَ عليها طلابُ المدارسِ الثانويّةِ للبنات كانت أعلى من تلك في المدارس الثانوية للبنين وطلاب المدارس المختلطة بين الجنسين على حدٍّ سواء. ويُعتقدُ أنَّ الفتياتِ تحصَّلن على درجاتٍ أعلى في مجال المشاركة المدرسية؛ لأنهنّ يتفاعلن مع بعضهن أكثر في المدرسة أحاديَّةِ الجنس، بسبب مواجهتهنَّ مشكلاتٍ في الخروجِ من المنزلِ إضافةً إلى المدرسةِ بسبب طبيعةِ أُسَرِهِمِ المحافظةِ. علاوةً على ذلك، يمكن أنْ يرتبطَ سببُ تمتعهم بمستوياتٍ عاليةٍ من المشاركة في المدرسة بحقيقة أنّهم ينضجون بسرعةٍ أكبرَ من أقرانهم الذكور ويكونون أكثرَ رغبةً في النجاح، ووجدتْ نتائجُ مشابهةٌ في أبحاثٍ عديدةٍ أخرى (2).

فصل الفتيات في مرحلة التعليم العالي

يعتمدُ المدافعون عن الكلياتِ الجامعيّةِ المخصصةِ للفتيات دائمًا على الدراساتِ البحثيَّةِ التي تُظهر أن هذه المؤسسات توفر بيئةً تعليميَّةً عاليةَ الجودةِ للطالبات. فعلى سبيل المثال، يمكنُ أن تحصلَ الفتياتُ الملتحقاتُ بكليّاتِ الفتياتِ على البكالوريوس في العلوم الحيويَّة والفيزيائيَّةِ أو الرياضيات بمعدَّلِ 1.5 مرة أكثرَ من الفتيات في المؤسسات التعليمية المختلطة، وتُظهر الفتيات الملتحقات بكليات الفتيات تطورًا أكبر في المجالات المعرفية مثل التطور الأكاديمي والفكري مقارنةً مع نظرياتهنّ في الكليات والجامعات المختلطة، وقد فرت الثقافةُ والطقوسُ الأقلُّ أبويّةً التي تتميز بها كليات الفتيات مزيدًا من الدعم للطالبات لتولي القيادة وتجاوز الأدوار التقليدية للجنسين.

وأخيرًا؛ أبدت الطالبات في كليات الفتيات عموماً رضىً أكبرَ عن تجربتهنَّ الجامعيَّةِ. أما على صعيد حياتهنّ بعد الجامعة، فقد وُجد أنَّ كليات الفتيات أنتجتْ عددًا أكبرَ من الخريجات الحاصلات على درجة الدكتوراه في المجالات الأكاديمية غير التقليدية، وذلك مقارنةً مع نظيراتهن في الكليات المختلطة (3).

وقد قارنَ باحثون -في دراسةٍ أخرى- تجاربَ الفتياتِ المُلتحقات بكليّاتٍ للفتيات فقط مع تجاربَ لفتياتٍ التحقْنَ بمؤسساتٍ ذات تعليمٍ مختلطٍ. وقد أُجريَ تحليلٌ للبياناتِ من عيناتٍ عشوائيةٍ لطالباتٍ من 26 كلية نسائية و 264 كليّةٍ مختلطةٍ، وتبيَّنَ أنَّ نسبةَ مشاركةِ النساء ومبادرتهنَّ في الكليّات أحاديَّة الجنس كانت أكبر من تلك في المؤسسات التعليمية المختلطة (3).

ما الفوائد التي يراها مناصرو المدارس أحادية الجنس؟

يُزعَم أنَّ المدارسَ الثانويَّةَ أحاديَّةَ الجنسِ لديها مناخاتٌ أكثرُ جديةً وأكثرُ مناعةً ضدَّ ثقافة "تقييم الأفراد والمواعدة" السائدة (4)، أي إنها ذاتُ بيئاتٍ لا يكون فيها الطلاب والطالبات تحت ضغط إثارة الإعجاب أو إثبات الذات. فلا يزال بعضٌ من الطرف الآخر يرى أنّ المدارسَ المختلطةَ ذاتُ طابعٍ أبويٍ بطبيعتها، وأنّها ضارةٌ بوضوحٍ على الفتياتِ؛ لأنهنَّ في مثل هذه المدارسِ يتعرَّضْنَ للضغطِ لضمانِ عدم تفوقهنّ على الذكور، وتشعرُ الفتياتُ بضرورةِ التركيزِ على الملابس والشعر في البيئات المختلطة، إضافةً إلى أنَّ الذكور في المدارس المختلطة يميلون إلى احتكار اهتمامِ المعلمين داخل الصفوف والساحات خارجها (4).

أما بالنسبة للذكور، فيقولُ بعضُ المعلمين بأنَّ مدارِسَ الجنسِ الأحاديِّ تسهِّلُ الترابطَ بين الذكور وتحسِّنُ تنميةَ شخصياتهم في كلٍ من المدارس الثانوية والكليات، ويرى المدافعون عن المدارس أحادية الجنس أنَّ التعليمَ المختلط لا تتوفر فيه العوامل التي تساعد على نضج الذكور، ولا تتسم بالانضباط الذي يحتاجه الشباب الذكور بالنظر إلى ميولهم إلى القلق والعدوانية (4).

ما الفوائد التي يراها مناصرو المدارس المختلطة؟

عموماً لا تُدحضُ الحججُ السابقةُ من قبل دعاة التعليم المختلط، بل تُبرَّرُ كونَهَا شرًا ضروريًا لتحقيق المساواة أو لمساعدة الطلاب على التأقلم على التعايش بين الجنسين، ولكن يُعتقدُ أنَّ الفصولَ الدراسيَّة للتعليم المختلط تعمل على جعل الفتيان اجتماعيًا بشكلٍ أفضلَ من خلال الحدِّ من السلوك العدواني والمعادي للمجتمع (4).

وجدتِ الأبحاثُ المكثفةُ في أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أنَّ مدارس التعليم المختلط تتمتع بأجواءٍ أكثرَ ودّيةً وأكثرَ راحةً من المدارس أحادية الجنس، وتحتوي على المزيد من الفرص للتواصل الاجتماعيِّ بين الذكور والإناث. أمَّا على مستوى الكلية الجامعية، وُجِدَ أيضًا أنَّ الكليات المختلطة تُصنّف على أنَّها أكثرُ إمتاعًا فيما يتعلق بالحياة الجامعية في الحرم الجامعي (4).

تختلف مهارات التواصل فيما يتعلَّقُ بتجربةِ الفصل بين الجنسين في التعليم ويؤثر هذا الفصل في تفاعل الطلاب بين الجنسين وتكوين الصداقات، فقد أكّدتْ بعض الأبحاثِ الحديثةِ أنّ الطلابَ في المدارس أحادية الجنس يُعانون عدمَ وجودِ قابليَّةٍ للمقارنة مع العالم الحقيقيِّ خارجَ المدرسة، وترتبطُ أيضاً بوجود صعوبةٍ أكبرَ في تكوين علاقاتٍ سليمةٍ مع الجنس الآخر، مما قد يؤدي إلى تجنّبٍ مستقبليٍ للمواقف المختلطة بين الجنسين التي ستكون حتميةً بِحُكم الجامعة والعمل، وبالنسبة للأفراد المغايرين جنسياً ستكون هناك صعوبات في التعرف إلى شركاء عاطفيين محتملين (1).

إذ وجدت العديد من الدراسات أنّ الطلاب في بيئة التعليم المختلط أصبحوا أكثر اجتماعيَّةً مع الجنس الآخر (2). ربما لأنّ المدارسَ المُختلطة تُوفر الفرصة للتعرف إلى المعايير السلوكيَّة المتميزة للجنس الآخر، وتتيح الفرصة لممارسة المهارات الشخصية المطلوبة للتواصل على نحوٍ فعالٍ ومريحٍ معهم (1).

تلك الدراسات السابقة جعلت موضوع الفصل بين الجنسين أقلّ ضبابيةً على الرَّغم من اختلاف بعض نتائجِ الأبحاثِ، استطعنا من خلالهم التعرف إلى إيجابيات وسلبيات كلّ نوعٍ من المدارس، وبناءً عليه فإنّه من الممكن أن نعتمد على هذه المعلومات في المُستقبل لتحديد الخيار الأمثل للأجيال القادمة.

المصادر:

1. Wong W, Shi S, Chen Z. Students from single-sex schools are more gender-salient and more anxious in mixed-gender situations: Results from high school and college samples. PLOS ONE. 2018;13(12):e0208707. Available from: هنا   
2. Erdoğdu M. The roles of attitudes towards learning and opposite sex as a predictor of school engagement: mixed or single gender education?. Palgrave Communications. 2020;6(1):81. Available from: هنا  
3. Kinzie J, Thomas A, Palmer M, Umbach P, Kuh G. Women Students at Coeducational and Women's Colleges: How Do Their Experiences Compare?. Journal of College Student Development. 2007;48(2):145-165. Available from: هنا  
4. Mael F. Single-Sex and Coeducational Schooling: Relationships to Socioemotional and Academic Development. Review of Educational Research. 1998;68(2):101-129. Available from: هنا