كتاب > اكتب تكن

قراءة في كتاب (فن الرواية): دراسة في أدب الرواية الجزء الأول

ينطلق ويلسون من عمله عندما أُوكلت إليه مهمَّة تدريس نخبةٍ من الطلاب مادة الكتابة الابداعيَّة. من المؤكد أن الكاتب ليس عليه أن يتعلم الكتابة الإبداعيَّة، بل التفكير الإبداعي وهذه مهمةٌ تقع على عاتق المعلم عملًا بمبدأ سقراط "أن المعلم ليس هو الذي يعطي المعرفة، بل إنَّه أشبه بالقابلة التي تساعد على الولادة". ويؤكد ويلسون أن الكاتب الذي يتسمَّر أمام ورقة بيضاء لا يعني أن ليس لديه أفكاره الخاصة ليكتبها، بل العكس من ذلك تمامًا فهو لديه كمٌّ هائل من الأفكار إلا أنَّه عاجز عن أن يكون سقراط نفسه بحسب تعبيره، يقول هيمنغواي حول ذلك: "إنَّ الكتابة تبدو سهلة غير أنَّها في الواقع أشق الأعمال في العالم".

يعتبر ويلسون أنَّ القصة أو الرواية محاولةُ الكاتب لإحداث صورةٍ ذاتية ويستشهد بقول شكسبير "إنَّ الفن يحمل مرآةً تعكس الطبيعة" أمَّا ويلسون يقول: "إنَّ الفن مرآةٌ يرى فيها المرء وجهه هو".

فيكون أهم سؤالٍ يساور الكاتب عندما يبدأ بالكتابة هو "من أنا؟. ماذا أبغي أن أكون؟"  والكاتب الذي يتمكن من معرفة ذاته يخطو الخطوة الأولى للإبداع، ويظهر ذلك جليَّاً في أعماله الروائيَّة. يضرب لذلك بعض الأمثلة منها: الروايات الأولى لبرنارد شو التي توضح عملية إنشاء الذات، أمَّا الكاتب ذو الشخصيَّة المشوهة غير قادرٍ على إحداث أمرٍ عظيم بحسب وصف ويلسون، ويطرح لذلك أيضًا بعض الأمثلة منها رواية (ماشادو دي أسيس).

ويؤكد ويلسون أنَّ معرفة صورة الذَّات يتطلب في الوقت ذاته تحديد الهدف، ولكل شخصٍ هدفٌ محدد وإن كان مُقيَّدًا مفروضًا عليه من الخارج بحسب تعبيره "المشكلة تتمثَّل في إظهاره إلى السَّطح، وهو جزءٌ من مهمة الإبداع تمامًا كما هو جزء من عملية الكتابة نفسها". ويرفض ويلسون الفكرة القائلة إن الروايات غير ذات تأثيرٍ وإنَّها نتاجٌ غير مهمٍّ فيقول: "إنَّنا نقول إنَّ داروين وماركس وفرويد غيَّروا وجه الثَّقافة الغربيَّة. ولكن تأثير الرواية كان أعظم من تأثير الثلاثة مجتمعين".

في الفصل الثَّاني ينتقل ويلسون إلى سردٍ تاريخيٍّ لبداية ظهور الرواية، وعلى الرغم من أنَّ المؤرخين ينسبون ظهور الرواية إلى رواية (روبنسون كروزو) للكاتب (ديفو) التي ظهرت عام 1719 إلا أن (ويلسون) يرى أنَّ أوَّل ظهورٍ للرواية كان من خلال مجلة (أديسن وسيتل) المعروفة باسم (سبكتيتر) التي ظهرت في إنكلترا عام 1711. وبعد أن أصبح القراء أكثر نهمًا للقراءة ظهرت رواية (باميلا) لمؤلفها (رشاردسن) عام 1741 التي اجتاحت قراء القارة العجوز بأكملها وأحدثت ثورةً في تاريخ الكتابة تضاهي الثورة الصناعيَّة بحسب رأي ويلسون. ومما ميَّز هذا العمل الأدبي أن كاتبها قام لأول مرةٍ بإطلاق العنان للخيال الأدبي بما يبهر. ويقول ويلسون بصيغة أخرى "لقد علَّم رشاردسن العقل الأوروبي الاستغراق في أحلام اليقظة". ولم يتوقف الأمر لدى رشاردسن عند روايته بل أصدر روايته الثانية (كلاريسا هاولو) عام 1748 التي علّق عليها ويلسون بقوله "كان لها من الخصائص الواقعيَّة والمأساويَّة ذاتها الموجودة في روايات دوستويفسكي".

ويشير في الفصل الرابع إلى أنَّ الثورة التي أحدثها رشاردسن في عالم الرواية تتمثل في اعتماده المبدأ الفلسفي "التجربة الفكريَّة"؛ التي تعني افتراض أحداثٍ ما، ومن ثَم إعمال الخيال في تلك الأحداث، وكان فعل ذلك مستحيلًا في الواقع، لكننا نجدها ممكنةً في الكتابة من خلال الأدب، وكان ذلك ما فعله رشاردسن. وهي التجربة التي تعطي مجالًا للحريَّة الفكريَّة فكانت الكتابة موطنًا لتلك الحريَّة "إنَّ الهدف الأساس من الرواية ارتبط بالإحساس بالحريَّة كما أصبحت مشكلة الحريَّة أحد موضوعاتها الأساسيَّة". ويعطي الكاتب بعض الأمثلة منها روايات ماركيز دو ساد التي ارتكزت بحسب وصفه على افتراض أنَّ هدف الإنسان في الحياة المتعة "وأنه يجب أن يكون الإنسان حراً لتحقيق ذلك".

ويعتبر ويلسون أنَّ الرواية عدسةٌ مكبرة تُستخدم لتوسيع مدى الرؤية والتركيز على بعض الزوايا في حين أنَّ الوعي البشري آلةٌ تصويرٍ ذات زوايا رؤية حادة، وبرأيه أن الكاتب المبدع يتقن فنَّ الدمج بين تلك الزوايا ويعطي مثالًا عن ذلك الكاتبَ الروسي (تولستوي) الذي تمكَّن من استخدام تلك العدسات استخدامًا متقنًا "لم يفهم ذلك فهمًا غريزيًَّا إلا تولستوي. إذ تجمع رواية (الحرب والسلام) الرؤية بوساطة العدسات مُتَّسعة الزاوية وضيقة الزاوية". ومن ناحيةٍ أخرى تأتي عظمة تولستوي بالنسبة إلى ويلسون من أنَّه "أوَّل روائيّي الطبيعة التناقضيَّة للحريَّة".

وفي معرض القول يضع ويلسون مجموعةً من الاستنتاجات حول الرواية في نهاية هذا الفصل كقوله "إنَّ الهدف من جميع هذه التجارب الفكريَّة هو استغوار الحريَّة الفكريَّة".

معلومات الكتاب: