الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

لماذا يُلقى اللوم دائمًا على الضحايا في الجرائم الجنسية؟!

يحدث لوم الضحية (Victim Blaming) عندما تُحمَّل الضحية المسؤولية الكاملة أو الجزئية عن الجريمة أو الحوادث التي ارتكِبَت ضدها، ويظهر هذا اللوم على شكل ردود اجتماعية سلبية من وسائل الإعلام وأفراد الأسرة والمعارف والمجتمع المحيط وحتى يحدث من المختصين في الشؤون القانونية والطبية والصحة النفسية أيضًا، وتُبنى غالبًا ردود الفعل هذه عن سوء فهم الآخرين الذي يجعلهم يعتقدون بأن الضحية تستحق ما حدث لها، ونتيجة هذا اللوم يصبح من الصعب على الضحايا التأقلم والتعافي مما حدث لهم (1).

ولكن هل يسهم جنس مطلقي الأحكام في تشكّل مواقفهم؟ نعم وكلا، لأنه في هذه الحالة كانت النتائج متضاربة؛ إذ أظهرت بعض الدراسات أن النساء أقل لومًا للضحية وينسبن مسؤولية أكبر للمعتدي من الرجال، ويمكن تفسير ذلك بأن الرجال أقل قدرة على فهم منظور الضحية الأنثى في حين أن النساء تماثلن مع الضحية ورأين أن هذا الحادث قد يتكرر معهن. ولكن في دراسات أخرى وجدت أن النساء حمّلت الضحية مسؤولية أكبر مما فعله الرجال وقد يعود ذلك لحاجتهن لإبعاد أنفسهن عن الضحية ورغبتهن بالشعور بأنهن قادرات على التحكم في حالة العنف التي تورطت بها الضحية (2)، ونتيجة ذلك قد يمُلْن للاعتقاد بفرضية العالم العادل بأن الضحية استحقت ما حدث لها؛ أي تعرضت للأذى بسبب ذنب اقترفته لأن كل شخص يحدث معه ما يستحقه، لأن العالم عادل حسب اعتقادهن، وبذلك يحاولن الشعور بالأمان والحماية ويبعدن أنفسهن من احتمالية وقوع الجريمة ذاتها عليهن في مجتمع ربما لن يكون عادلًا (1,2).

ومن ثم نجد أن بعض الأفراد يلجؤون إلى لوم الضحية لتعزيز شعورهم الخاص بالأمان، مثل أن تُلام الضحية بناءً على سماتها الشخصية وعدِّها سببًا للجريمة التي حدثت معها وتبريرها للمعتدي، لذا قد يأتي اللوم من الدوائر المقربة للضحية كأفراد العائلة والأصدقاء وذلك بهدف طمأنة أنفسهم، فإن الضحايا هم تذكير بضعفنا فنحن لا نرغب بالتفكير بأنه يمكن أن نفقد السيطرة على حياتنا وأجسادنا، لذلك فإن لوم الضحية وتحميلها مسؤولية ما حدث لها يخلق شعورًا زائفًا بالأمان، وهذا يطمئن الأفراد أنهم سيكونون محصنين في حال لم يتصرفوا كما تصرفت الضحية وقت الحادث (1).

وعلى نحو أساسي فإن مواقف الأشخاص من المساواة الجندرية تسهم بتشكيل مواقفهم تجاه الضحية والجاني في الجرائم الجنسية؛ لأن امتلاك آراء تقليدية عن المرأة وأدوارها يزيد من اللوم على الضحية في حال كانت أنثى على خلاف الذين لديهم آراء غير تقليدية فأنهم أكثر دعمًا للضحايا (2). وبذلك فإن ما يرسّخ قبول التحرش الجنسي أو إدانة ضحايا الاغتصاب هو الصور النمطية الجندرية وإساءة معاملة النساء والمعتقدات النمطية بأن الذكر لديه الحق الشروع في سلوكيات جنسية وخرافة الإغواء بأن الأنثى أثارت الذكر البريء حتى تحرش بها أو اغتصبها إضافةً إلى الخرافات عن الاغتصاب (3)، التي يقصد بها المعتقدات الخاطئة المستخدمة نقل اللوم في حالات الاغتصاب من الجناة إلى الضحية عبر الاعتقاد بأن الاغتصاب مستحيل والمرأة تستطيع منع تعرضها للاغتصاب، وأن أغلب ضحايا الاغتصاب كانوا يريدون ذلك، وفكرة أن الرجال يغتصبون لأن لديهم غرائز لا يستطيعون السيطرة عليها، وأشارت نتائج الدراسات أن الرجال أظهروا تأييد لهذه المعتقدات الخاطئة أعلى من النساء، وارتبط تأييدها بالمواقف والسلوكيات العدائية تجاه المرأة، وارتبط أيضًا بمتغيرات متعلقة بالعنصرية والتفرقة بين الجنسين والطبقية والفروقات العمرية والتعصب الديني. وإن تأييد هذه المعتقدات ولوم الضحايا يؤدي إلى استمرارية الاعتداءات الجنسية ضد النساء من جهة ،ومن جهة ثانية ينخفض الإبلاغ عن الحوادث نتيجة ردود الفعل بإدانة الضحية التي تواجهها بعد التصريح عن تعرضها لاعتداء مما يسبب تعرضها لصدمات نتيجة هذه التفاعلات غير الداعمة التي قد تظهر من الشبكات الاجتماعية للضحايا، ومن الخدمات القانونية، والشرطة، ورجال الدين، ومقدمي الرعاية الصحية (4).

يبدو أن لوم الضحية وتحميلها المسؤولية ليس مقتصرًا على الرأي العام والأفراد العاديين بل له تأثيره في صنع القرار القانوني؛ إذ يوجد تساهل وتحيز في حالات الاعتداء الجنسي، وتتأثر الأحكام بمدى علاقة الضحية بالجاني سواء من المقربين أو المعارف أو الغرباء فيزداد اللوم على الضحية ويقل على الجاني كلما اقتربت العلاقة بين الاثنين، كذلك يتأثر بوضع الضحية في أثناء الحادثة هل كانت بكامل وعيها أو تحت تأثير الكحول ففي مثل هذه الحالات تقل احتمالات اعتبار الجاني مذنبًا، وهناك اتجاه نحو تحميل النساء مسؤولية التعجيل بالاعتداءات الجنسية وهو جانب شائع في اتخاذ القرارات القانونية، إضافةً إلى أن الصورة النمطية "للاعتداء الجنسي الحقيقي" والمتمثل بهجوم شخص غريب وعنيف على ضحية مطمئنة يسهم باللوم المباشر والسريع للضحية في الحالات المخالفة لهذه الصورة الراسخة في الأذهان. وبذلك قد تخضع الأحكام القانونية إلى المعلومات الاجتماعية القائمة على أساس المعتقدات المعممة والمعارف المخزنة بالذاكرة التي قد تكون معرضة للتحيزات والقيود والاهتمام بالمعلومات بشكل انتقائي من خلال التركيز على ما يتوافق مع مواقف المدرك الموجودة مسبقًا (5).

في الختام لا تسهم ثقافة لوم الضحية في حل مشكلات العنف والجرائم الجنسية، ولا حماية الضحايا من المزيد من الإيذاء بل على العكس تؤخر تعافي الضحايا وتأقلمهم بعد الحوادث التي تعرضوا لها، وتسمح للجناة بالتمادي وزيادة الجرائم واستمرارها وإيجاد المبررات لذلك، كذلك تنشر الخوف من الإفصاح عن الحوادث التي قد يتعرض لها الضحايا مستقبلًا والأخذ بالحسبان تشويه السمعة التي قد تتعرض له الضحية في حال الادعاء واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق الجناة مما قد يعزز صمت الضحايا وبقاء قضايا الاعتداءات الجنسية والعنف في الظل.

المصادر:

1. Victim blaming [Internet]. Canada: The Canadian Resource Centre for Victims of Crime; 2009. Available from: هنا
2. Brems C, Wagner P. Blame of Victim and Perpetrator in Rape versus Theft. The Journal of Social Psychology [Internet]. 1994 [cited 19 August 2021];134(3):363-374. Available from: هنا
3. De Judicibus M, McCabe M. Blaming the Target of Sexual Harassment: Impact of Gender Role, Sexist Attitudes, and Work Role. Sex Roles [Internet]. 2001 [cited 19 August 2021];44(7/8):401-417. Available from: هنا
4. Suarez E, Gadalla T. Stop Blaming the Victim: A Meta-Analysis on Rape Myths. Journal of Interpersonal Violence [Internet]. 2010 [cited 19 August 2021];25(11):2010-2035. Available from: هنا
5. Bieneck S, Krahé B. Blaming the Victim and Exonerating the Perpetrator in Cases of Rape and Robbery: Is There a Double Standard?. Journal of Interpersonal Violence [Internet]. 2010 [cited 19 August 2021];26(9):1785-1797. Available from: هنا