الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

صراع الأدوار الاجتماعية

نسمع كثيرًا من الأشخاص حولنا جُملًا وأقوالًا عمَّا يجب أن نكون عليه وعن التصرفات التي يجب أن تصدر منا حتى أصبحت هذه الجمل قوانينَ علينا الالتزام بها وأي خروج عنها يجلب الاستهجان، كأن تقول الأم لابنها: "أنت رجل لا يجب أن تبكي"، وأن يُقال لمديرٍ في عمله: "أنت مدير يجب أن تكون حازمًا مع موظفيك"، وأن يُقال للمرأة: "أنت أم عليك أن تكوني حنونة وتتحملي مسؤولية أبنائك"، جميع هذه الجمل وأكثر توضح التوقعات التي يفرضها المحيط على الأفراد وفق المكانة التي يشغلونها فيتوقعون من الذكر أن يكون قويًّا، ومن الأنثى أن تكون رقيقة حنونة، ومن الكبير أن يكون حكيمًا ناضجًا، ومن المدير أن يكون شديدًا حازمًا، كأنها قوالب جاهزة تحتاج من يُشغِّلُها. وللتوضيح أكثر يلزمنا إلقاء الضوء على مفهوم الأدوار الاجتماعية التي يؤدِّيها الأفراد كلٌّ بحسب مكانته وموقعه في المجتمع، ولكن ماذا يحدث إن تعددت هذه الأدوار وتضاربت؟ كيف يمكن التوفيق بين تعدد الأدوار وتوقعاتها؟ 

يشير مصطلح الدور الاجتماعي (Social Role) إلى مجموعة السلوكيات المتوقعة من شاغل منصب اجتماعي محدد، وهي مجموعة من الصفات والتوقعات المحددة اجتماعيًّا والمرتبطة بالمواقع الاجتماعية التي يشغلها الفرد. ويرتبط ذلك بالسلوك المهني للفرد بغض النظر عن الخصائص الفردية للأشخاص؛ مثل دور (المعلم) الذي يحمل في طياته دورًا مؤكِّدًا للسلوكيات المتوقَّعة؛ بغض النظر عن مشاعره الشخصية تجاه أي شخص (1).

ويمكننا القول إن الأدوار الاجتماعية تُكتَسب من التفاعل الاجتماعي المبدئي والإبداعي؛ إذ يتعلَّم الأطفال عن المجتمع ويطورون حياتهم الاجتماعية عن طريق أخذ أدوار الآخرين خياليًّا في ألعابهم كآباء وأمهات وأطباء ومعلمين، أمَّا بالنسبة إلى السلوك الاجتماعي للبالغين فيأخذون الأدوار لتطوير أدوارهم الخاصة والعمل عليها. ويسعنا القول إنَّ كل دور ينطوي على التفاعل مع الأدوار الأخرى، فعلى سبيل المثال لا يمكن تصور دور "المعلم" دون دور "التلميذ" ويمكن تعريفه فقط كسلوك متوقع فيما يتعلق بالسلوك المتوقع للتلميذ (1).

وتأتي أهمية الدور الاجتماعي من أنه يوضح كيفية تنشيط الأفراد اجتماعيًّا ومتابعتهم أنماطًا منتظمة، ويستخدمه علماء الاجتماع لدراسة البنى والمؤسسات الاجتماعية وتحليلها (1).

قد يؤدِّي الفرد دورين أو أكثر في وقت واحد مما يؤدي إلى مطالب غير متوافقة -وهذا ما يحدث غالبًا- ونسميه صراع الأدوار (Roles Conflict)، فعلى سبيل المثال النساء المتزوجات العاملات اللواتي يشغلن دور الموظفة والزوجة والأم، فلكل دور له سلوكيات وتوقعات محددة وقد تتعارض وتتضارب هذه الأدوار مما يخلق الصراع. وقد يحدث عندما يحدد الفرد دوره بطريقة واحدة في حين يحدده الأشخاص في الأدوار ذات الصلة بطريقة مختلفة ومثال ذلك دور التلميذ الذي يُحدِّده الآباء والمعلمون والأصدقاء بطريقة مختلفة (1).

وكذلك يحدث صراع الأدوار عندما يكون للأدوار ذات الصلة توقعات غير متوافقة مع الدور، ومثال ذلك دور المشرفين في الإدارة الوسطى الذين يتلقون توقعات متضاربة من المدراء في الإدارة العليا والعاملين في الإدارة الدنيا (1).

وكذلك يحدث صراع الأدوار عندما يكون للأدوار ذات الصلة توقعات غير متوافقة مع الدور، ومثال ذلك دور المشرفين في الإدارة الوسطى الذين يتلقون توقعات متضاربة من المدراء في الإدارة العليا والعاملين في الإدارة الدنيا (1).

يرتبط توافق الأدوار وصراعها بمدى رضى الأفراد عن حياتهم، ويكون ذلك بخلق التوازن بين كل دور من خلال المشاركة والالتزام والقيم المتوقعة، والمقصود بالمشاركة الوقت الذي يخصصه الفرد لدور ما، في حين يعكس الالتزام والقيم مدى أهمية الدور للفرد والدرجة التي يمكن للفرد أن يلبي احتياجاته من خلال هذا الدور؛ إذ إن الرضى في الحياة مرتبط بتطابق الأدوار وهو مقدار التطابق بين مستوى المشاركة في كل دور ومستوى الالتزام وتقييم هذا الدور، مثال ذلك إذا كان الفرد يشغل أكثر من دور (طالب، موظف، ابن) ويقدر بدرجة عالية وملتزم بدور الأسرة لكنه يشارك في هذا الدور بنسبة قليلة من وقته ويعطي الوقت الأكبر للأدوار الأخرى سيكون هذا الفرد أقل رضى عن الحياة من فرد استطاع التوفيق بين هذه الأدوار والتطابق بين الالتزام والقيم والمشاركة (2). 

ويسبب التناقض بين المشاركة في الدور وبين الالتزام بالدور زيادةَ الضغط النفسي وقد يلجأ الأفراد للأدوار الترفيهية والوظيفية إيجابيًّا لإرضاء الحياة عمومًا (2). 

إن التوقعات التي تفرض على الأفراد تبع أدوارهم المرتبطة بموقعهم ومكانتهم الاجتماعية تجعلهم يهتمون بصورتهم الاجتماعية أمام الآخرين ويسعون للمحافظة على هذه الصورة وعدم تشويهها، وتصعب هذه المهمة لدى الأفراد الذين يشغلون مواقع عدَّة ويؤدّون أدوارًا عدة في الحياة؛ إذ تتسع دوائرهم الاجتماعية وتتنوع وتختلف التوقعات منهم بحسب كل دائرة وقد تتعارض، وينعكس هذا على مواقع التواصل الاجتماعي فيجتمع في الحساب الشخصي للفرد مجموعة من الأشخاص من مختلف الدوائر الاجتماعية كالأسرة والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل مما يؤدي إلى صراع الأدوار ويؤثر في خيارات الأفراد وخصوصيتهم في نشر أنشطتهم وصورهم على هذه المواقع خوفًا من تضارب التوقعات وتأثيرها في صورتهم المهنية، مثال ذلك أن يشغل الفرد منصبًا وظيفيًّا مرموقًا فيشعر بالقلق تجاه مشاركة صوره في حفلة مع الأصدقاء؛ إذ يتوقع المديرون منه عدم نشر مثل هذه الصور في حين يتوقع الأصدقاء نشرها وإظهار مدى صداقتهم، وفي حال اختار الفرد نشر مثل هذه الصور قد يؤثر في صورته المهنية المستقبلية لذلك قد يتجنب نشرها أو أن يقطع الاتصال مع من يكون لديهم صراع معهم أو تقييد الجمهور وتحديدهم من الذين يرون هذه الصور وبذلك تتأثر قرارات الأفراد المتعلقة بالخصوصية و الإفصاح عن الذات على مواقع التواصل الاجتماعي (3).

للتعامل مع صراع الأدوار وإدارتها ينصح المختصون الأفراد التوفيق بين الأوقات التي يقضونها في كل دور، ويمكن توضيح ذلك عن طريق رسم مخطط دائري يوضح الوقت الذي يقضونه في كل دور فعليًّا، ثم رسم مخطط آخر يوضح التقسيم المثالي للوقت بين الأدوار والمقارنة بين المخططين، وبذلك يبين أين تكمن المشكلة وما هي التغييرات المطلوبة للحصول على توافق أفضل بين الأدوار وقد يتطلب الأمر استشارة اختصاصيين اجتماعيين للمساعدة (2).

 في الختام ما هي الآليات والأساليب التي تستخدمها للحد من صراع الأدوار والتوفيق بين الأدوار التي تشغلها؟

المصادر:

1. Abercrombie N, Hill S, Turner B. The Penguin dictionary of sociology. 5th ed. London: Penguin; 2006. p. 332-334

2. Perrone KM, Webb LK, Blalock RH. The Effects of Role Congruence and Role Conflict on Work, Marital, and Life Satisfaction. Journal of Career Development. 2005;31(4):225-238. Available from:  هنا

3. Liu Z, Wang X, Min Q, Li W. The effect of role conflict on self-disclosure in social network sites: An integrated perspective of boundary regulation and dual process model. Information Systems Journal. 2018;29(2):279-316. Available from: هنا