كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية: (رحلة إلى المريخ) هندسة إعادة التكوين

الكاتب (نبيل قوشجي) طبيب أسنان حاصل على شهادة ماجستير في العلوم الطبيَّة والصيدلانيَّة وشهادة دكتوراه في علوم طب الأسنان. ونُشرت له مؤلفات عديدة؛ منها طبية ومنها أدبية، ومن أعماله الأدبية رواية (أنا أعرف من قتلني)، ورواية (وادي السيليكون)، ورواية (رحلة إلى المريخ) التي كانت باكورة أعماله.

لطالما كان هدف البشريَّة إيجاد موطن بديل عن الأرض؛ والسبب الرئيسي لذلك الصراعات الكثيرة والمشاكل البيئية المتزايدة، ولأجل ذلك ما فتئت مراكز الأبحاث تعمل على البحث عن ذلك الكوكب البديل، وهذا ما تناولته رواية ( رحلة إلى المريخ) التي تصنف ضمن نمط الخيال العلمي؛ إذ عمل الكاتب على مناقشة موضوع السفر والاستيطان على كوكب المريخ مناقشة جديّةً وعلميةً في الوقت نفسه.

تنطلق الرواية من زاويتين؛ الأولى من شركة (سبيس ون) المتخصصة في انتقاء روّاد المريخ من البشر، أمَّا الزاوية الأخرى فهي حياة بطل الرواية آدم. تعمل شركة (سبيس ون) على نشر رغبتها بإرسال مجموعات من البشر إلى المريخ وتضع مجموعة من الشُّروط للانتقاء، فتنهال طلبات المتقدمين للسفر إلى المريخ كزخات المطر الغزير على رأس (نواه) رئيس اللجنة المُخصصة لاختيار أولئك الرُّواد. يصل به الأمر إلى أن يشعر أنَّه قد يكاد يكون مستحيلًا انتقاء أربعة روّاد للمجموعة الأولى من بين عشرات آلاف الطلبات التي وصلته، فيحاول أن يضع طريقة أكثر انتقائيَّةً ليسهل عليه الاختيار، فيقعد سلسلةً من الاجتماعاتٍ مع أعضاء اللجنة والسكرتيرة التنفيذية الخاصَّة باللجنة ليتباحث معهم في آلية الاختيار.

وتنتج عن هذه الاجتماعات تحديد معايير الانتقاء، ويكون من أهمها التنوع الثقافي والعلمي والجغرافي بين قارات العالم للأعضاء ضمن المجموعة الواحدة، مع التركيز على المساواة بين الجنسين وبين الأعراق أيضًا، ومن المعايير أيضًا أن تكون اللغةُ الإنكليزية اللغةَ الرسميَّة لأعضاء الفريق. ولاستيفاء كُل تلك الشُّروط عمل (نواه) ولجنته على اختيار امرأتين ورجلين بشرط أن تكون مهنهم متنوعةً. يقع الاختيار على طبيبة أطفالٍ إفريقيَّة ومزارعةٍ آسيويَّة وتاجر أخشابٍ من أمريكا اللاتينيَّة ومهندسٍ من الولايات المتُحدة الأمريكية. خلق التنوع الثقافي الذي كان شرطًا أساسيًّا للقبول عائقًا كبيراً أمام التآلف بين أعضاء الفريق الواحد في كل الأمور؛ بسيطها ومعقدها مثل: أسلوب الحياة، واختيار الطعام، ولفظ الأسماء ذاتها الذي يختلف من بلد لآخر اختلافًا جذريًّا، فتنوع الحضارات أمرٌ يميز البشريَّة، لكنه في الوقت نفسه حاجزٌ يصعِّب الاندماج بين البشر القادمين من حضارات مختلفة وهذا ليس أمرًا خفيًّا.

أمَّا الجزء الآخر من الرواية فهو يتعلق بحياة (آدم)، وهو مهندسُ تكييفٍ عبقريٌّ ومجِدٌّ في عمله بتميُّزٍ. لم يكتفِ ( آدم) بالوصول إلى منصبٍ عالٍ في الشركة التي كان يعمل بها، بل أنشأ شركته الخاصَّة التي تطوَّرت سريعًا. تصيبه عبقريته بجنون العظمة؛ بسبب طموحه اللامحدود، فالذكاء الخارق مع الخلل النفسي جعلا منه رجلًا خطيرًا، فهو مهووسٌ بفكرة إنجاب طفل؛ ولذلك تبدأ علاقته القوية مع زوجته (سوزان) بالفشل رويدًا رويدًا عندما يتبيَّن لهما أنَّ سوزان غير قادرة على الانجاب، فكان ذلك الإسفين الذي دُقَّ في صميم زواجه.

وعلى الرغم من النجاحات والحسابات المصرفيَّة والسيارات الفارهة والمنزل الفخم كان ( آدم) ضعيفًا جدًا أمام فكرة أن يكون أبًا؛ ما حوَّل حياته إلى جحيمٍ وجعل تفكيره غير سويٍّ، ووصل به الأمر إلى كُره البشر كلهم، خاصة من لديه أطفالٌ. كان ( آدم) يقارن دائمًا بين (آدم) أبو البشر - وفق بعض الديانات - وبين ذاته ( آدم) الذي لم يأخذ نصيبه من اسمه ليكون أبًا. عندما يصل خبر عرض شركة (سبيس ون) إليه يبادر بالتَّقديم ليُحقق حلمه بالإنجاب وليكون آدم أبو البشر الجديد على كوكب المريخ. 

رأي مُعد المقال:

يظهر من خلال هذا العمل سعة الاطلاع والثقافة العالية لدى الكاتب، فهي رواية زاخرة بكمٍّ كبير من المعلومات المتنوعة. وأهم ما يُميز الرواية الأسلوبُ المشوّق، واللغة السهلة في صوغ العبارات البعيدة كُل البعد عن المصطلحات العلمية المعقدة مع الإشارة لوجود شروحات لعديد من المصطلحات. وكذلك براعة الكاتب في صوغ أحاديث المنولوج الداخلي للشخصيات والتحليل النَّفسي لكل منها. 

معلومات الكتاب: