الهندسة والآليات > تكنولوجيا الفضاء

أجسامٌ معدنيَّة تطفو في الفضاء، وتنتحل صفةَ النجوم

في ليلةٍ ريفيَّةٍ صافيَّةٍ وأنت مستلق لتمتع ناظريك بمشاهدة ذراع درب التبانة؛ فتتفاجأ بمرور نجمٍ بسرعةٍ معتقدًا أنَّه شهاب، لتكتشف لاحقًا أنَّه قمر صناعي كان يقوم بمهمته في حدود سمائك الصافيَّة؛ فتشهد بذلك ما يعرف بالتَّلوث الضَّوئي. 

أثبتت الدِّراسات مؤخرًا أنَّه لا يوجد مكان آمن من التَّلوث الضَّوئي على سطح كوكبنا يمكن لعلماء الفلك فيه أن يرصدوا النجوم بمعزلٍ عن التَّلوث الضَّوئي الناتجِ من مخلفات الصَّواريخ والأقمار الصِّناعيَّة التّي قُدرت عام 2020 بعشرات الآلاف من المخلفات المحيطة بكوكبنا من كلِّ حدب وصوب(1).

عدا عن السِّباق الفضائي لكلٍ من SpaceX وأقمارها، ومشروع كوبر (Project Kuiper) المزود من أمازون وشركة Oneweb الّتي تخطط لإطلاق إنترنت عالمي؛ لتكون الحصيلة المتوقعة، إرسال الآلاف من الأقمار الصِّناعيَّة إلى مدار الأرض (2).

وبالعودة إلى عام 1966 اتفِقَ على أوَّل معاهدة للفضاء الخارجي والّتي تتضمن المبادئ المنظمة لنشاطات الدّول في ميدان استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه، بما في ذلك القمر والأجرام السَّماويَّة الأخرى(3).

أحد بنود هذه المعاهدة ينصّ على أنَّه لا ملكية لأحد على الفضاء بما فيه القمر والأجرام الأخرى، إضافةً إلى ذلك فإنَّه يترتب على كل دولة من دول الأطراف في المعاهدة أن تتحمل المسؤولية الدّوليَّة عن الأضرار التي تلحق أي دولة أخرى بسبب جسم أو أجزائه فوق الأرض أو الفضاء الجوي أو الخارجي. 

وفي سياق الأضرار؛ منذ عام 2019 أطلقت Spacex أكثرَ من ألف قمر اتصال (ستارلينك)، من أجل تفعيل خدمة الإنترنت العالمي، الّتي كانت إلى حدٍّ ما ساطعةً، وتُرى بالعين المجردة؛ الأمر الّذي دفعَ المنظمات الفلكيَّة إلى مناشدة SpaceX لوضع حلول لمعالجة التَّلوث الضَّوئي الناتج عن انعكاس الضَّوء على سطوح Starlink .(1)

ومع الاستياء والمناشدات الّتي أبدتها تلك الجمعيات؛ عرضَ مهندسو SpaceX نموذجًا جديدًا يدعى Darksat؛ إذ استطاعوا خفض بريق الستلايتات، ليصبح نصف سطوع النموذج الأوَّل(4).

إضافةً إلى التَّلوث الضَّوئي هناك تلوث آخر لم ينفك البشر عن نشره منذ فجر سفرنا إلى الفضاء، فمخلفات الصَّورايخ والمركبات الفضائيَّة العائمة في مدار كوكبنا وحطامهما، ستستمر بالوجود طالما نحن نصعد إلى الفضاء. 

وتحتوي نفاياتنا الفضائيَّة على العديد من معززات الصَّواريخ، و أغطية الحمولة المخروطيَّة الّتي تستخدم لحماية المركبات الفضائيَّة ضد تأثير الضغط والتَّسخين خلال عبورها الغلاف الجوي، عدا عن أجزاء الصَّواريخ المرحليَّة المستخدمة لدفعه، والتي تنفصل عنه لإطلاقه نحو الفضاء، أضف إلى ذلك الستلايتات الّتي سرعان ما تصبح جزءًا من حطام النفايات عندما تنفد من الوقود أو تفشل ألواح طاقتها الشَّمسيَّة عن العمل. 

ناهيك عن مخلفات البشر أنفسهم الّتي تتضمن كاميرات، وقفازات رواد الفضاء، وكماشات، ومفاتيح ربط، وحتى حقيبة أدوات قد فُقِدت في الفضاء خلال إحدى جولات الرواد الفضائيَّة. 

بوجود زحام نفايات كهذا؛ وضعت "ناسا" قواعدَ إرشاديَّة تستخدمها لمساعدة سفنها ومركباتها الفضائيَّة على تجنب مخاطر الارتطام بأيّة مخلفات، ولتحافظ على سلامة المحطة الدّوليَّة من أي خطرٍ محتملٍ، فهذه الخطوط الإرشاديَّة ترسم صندوق تخيليًّا يُدعى "بعلبة البيتزا "، لأنَّه يأخذ شكلًا مستطيلًا مسطحًا حول المركبة، بأبعاد (4*50*50) كيلومتر ، وبوجود المحطة الفضائيَّة الدّوليَّة في منتصفها(5).

قد يخطر في بالك عزيزي القارئ أنَّ هذه النفايات غير مؤذية لك شخصيًّا، فقد تحترق في الغلاف الجوي، وتتحلل دون أثر، إلّا أنَّ هذه العملية قد تأخذ سنين طويلة من المعالجة، ناهيك عن التزايد المتصاعد في عدد معداتنا، وسفننا الفضائيَّة، وأقمارنا الصِّناعيَّة في الفضاء؛ وسنصل إلى مرحلة حيث مدارنا سيمتلئ بشتى أنواع تكنولوجيا البشر الصالح منها والخردة؛ لتشكّل ما يعرف "بمتلازمة كيسلر"، الّتي تفترض أنَّه سينشأ من تصادم واحد بين تلك الأجسام المعدنيَّة والحطام عدة تصادمات بسبب الزحام الفضائي حول كوكبنا  لتخلف  هذه التصادمات نفايات ومخلفات جديدة؛ مما سيقلل من نشاطنا في الفضاء، ويشكّل خطرًا على الرحلات الفضائيَّة المستقبليَّة (2).

المصادر:

1- Sokol J. Study finds nowhere on Earth is safe from satellite light pollution. Science. 2021 هنا
2- Polyakov M. Where does space junk come from – and how do we clean it up? [Internet]. World Economic Forum. 2021 [cited 12 Jun 2021]. Available from: هنا
3- The Outer Space Treaty [Internet]. Unoosa.org. 1966 [cited 10 June 2021]. Available from: هنا
4- Horiuchi T, Hanayama H, Ohishi M. Simultaneous Multicolor Observations of Starlink’s Darksat by the Murikabushi Telescope with MITSuME. The Astrophysical Journal [Internet]. 2020 [cited 21 July 2021];905(1):3. Available from: هنا
5- Garcia M. Space Debris and Human Spacecraft [Internet]. NASA. 2021 [cited 3 July 2021]. Available from: هنا