الفيزياء والفلك > النظريات الأساسية في الفيزياء

الحلقة السابعة- عالم ميكانيك الكم العجيب2

 

قرأنا في مقالنا السابق من السلسلة كيف أن المعادلة الأساسية لوصف عالم الجسيمات الصغيرة كالالكترونات هي معادلة شرودنغر التي تصف هذه الجسيمات وكأنها أمواج. حيث نجد في هذه المعادلة تابعا يمكننا ان نستنتج منه المعلومات اللازمة عن طاقة الجسيم او مكانه أو سرعته، ندعوه "التابع الموجي". وقد نجح الفيزيائيون عند تطبيق هذه المعادلة لدراسة الألكترونات التي تدور حول الذرات من أن يفسرو وجود مدارات محددة للذرات وأن يفسرو وجود طيف مميز لكل عنصر بالإضافة لتفسير عدة ظواهر اخرى مما سجل نجاحا لميكانيك الكم.

وتظهر غرابة ميكانيك الكم من وصف الجسيمات بأنها أمواج. فموجة الضوء مثلا عندما تمر عبر لوح زجاجي فقسم منها ينعكس عن الزجاج والقسم الأخر يعبره، ولكن عند تطبيق الفكرة على الالكترونات سنشعر بالغرابة لأن المعادلة تقتضي ان الألكترون ينعكس ويمر عبر الحاجز في نفس الوقت، وكأننا سنجد الإلكترون في مكانين في آن واحد. وعند اجراء تجربة لقياس مكان الالكترون لمعرفة ما إذا انعكس او استمر في حركته سنجده في حالة واحدة فقط إما قد مر وإما قد انعكس. ولفهم هذا وضع الفيزيائيون عدة تفسيرات لميكانيك الكم اشهرها تفسير كوبنهاغن – لأنه بني على مناقشات بين فيزيائيين مثل هايزنبرغ وماكس بورن ونيلز بور في مدينة كوبنهاغن- والذي يعتبر أن الالكترون موجود في الحالتين معا ولكن عملية القياس هي التي اختارت احدهما عشوائيا، فكل حالة من الحالات لها احتمال معين ، وكل حالة لها تابع موجي معين يمكن ان نعرف منه احتمال حصول هذه الحالة، ويعود هذا التفسير الاحتمالي لماكس بورن.

وهنا نجد أن عملية القياس لم تعد شيئا منفصلا عن الحادث الفيزيائي نفسه بحسب تفسير كوبنهاغن، فبحسب المقدار الذي نرغب بقياسه "تختار" جملة الالكترونات او الذرات حالتها او تابعها الموجي الجديد. فمثلا إذا اردنا حساب طاقة جملة نطبق ما يدعى "مؤثر الطاقة" على التابع الموجي، فيؤثر على حالة الجملة وتعطينا أحد خياراتها المتاحة على حد التعبير فنجد بالقياس قيمة واحدة للطاقة.

برغم أن دقة وصحة الحسابات تعد النجاح الأكبر لميكانيك الكم، ولكن هذا التفسير الاحتمالي والذي يعطي عشوائية للطبيعة يعد أحد اسرار ميكانيك الكم التي لم تجد جوابا شافيا برغم وجود عدة نظريات بعضها يلقى قبولا واسعا. ولكن بعض الفيزيائيين مثل اينشتاين ودي بروي وشرودنغر نفسه لم يتقبلو هذا التفسير الاحتمالي اطلاقا.

كما أن الرياضيات المستخدمة في ميكانيك الكم كان لها نتيجة غريبة على عملية القياس، فلم يعد بالأمكان حساب بعض المتغيرات الفيزيائية كالسرعة والمكان مع بعضهما بدقة متناهية، فأذا حسبنا سرعة الألكترون بدقة شديدة اصبح مستحيلا معرفة مكانه بدقة ، والعكس بالعكس، ولا يعود ذلك لمشكلة بأدوات القياس كما سيتخيل البعض بل هي صفة أساسية من صفات عالمنا الفيزيائي. ويطلق على المبدأ السابق اسم "مبدأ عدم التعيين" والذي قدمه الفيزيائي فيرنر هايزنبرغ. وبذلك نجد أن التفسير الاحتمالي للتابع الموجي مع مبدأ عدم التعيين لهاينزبرغ يعاكسان كليا كل ما نعلمه عن عالمنا الذي نعيش فيه. حيث نفترض أن نتيجة أي تجربة ممكن معرفتها مسبقا وأن القياسات ممكن أن تتم بالدقة التي نرغب بها.

وبدمج مبدأ النسبية الخاصة مع ميكانيك الكم تمكن بول ديراك من استنتاج المعادلة الموجية النسبية للألكترون واستنتج من خلالها وجود جسيم مضاد للالكترون ندعوه بوزيترون تحقق وجوده تجريبيا ( يمكن للقارئ ان يعود لمقالنا حول المادة المضادة). وعمم الفيزيائيون فكرة "التكميم"، فكما وجدنا ان طاقة الحقل الكهرومغناطيسي مؤلفة من كمات صغيرة ندعوها فوتونات، فإن طاقة الحقول الاخرى كحقول القوى النووية الضعيفة والشديدة مكممة. وتم رصد وجود كمات هذه الحقول. كما تفرض النظرية السائدة في فيزياء الجسيمات حاليا أن جميع الجسيمات المادية كالالكترونات والكواركات هية تكميمات لحقول ايضا. وسنتعرف في مقالنا القادم على هذه النظرية ونتائجها.

هل ما زلت تشعر بالغرابة من ميكانيك الكم؟ إن ذلك طبيعي تماما فمثلا يقول نيلز بور" كل شخص لم ينصدم بالنظرية الكمومية فهو لم يفهما".

أما الفيزيائي المتميز ريتشارد فاينمان فيقول " يمكنني القول باطمئنان أنه لا يوجد من يفهم ميكانيك الكم" .

مراجع للاستزادة:

- مع القفزة الكمومية – فريد الان وولف ، ترجمة الدكتور أدهم السمان

- مئة عام من الأسرار الكمومية – مجلة العلوم شباط/ اذار 2003 

مراجع متقدمة: 

- Introduction to Quantum Mechanics-David J.Griffiths

- Modern Quantum Mechanics-Jim Napolitano , J.J Sakurai

حقوق الصورة:Alejandro Guijarro