كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (كشف الحلقة المفقودة بين أديان التَّعدد والتَّوحيد): تشريح عقائد التَّوحيد

ينقسم الكتاب من ناحية عدد الفصول إلى سبعة فصول، أمَّا من ناحية المواضيع فهو ينقسم لجزأين رئيسين؛ الجزء الأول لمحة تاريخية عن العصر الهلنستي وما قبله وما تلاه، والجزء الثاني لمحة عن بعض الديانات التي كان وجودها ممهدًا لبدايات التوحيد.

يبدأ الجزء التاريخي بالعصر الهلنستي الذي امتد بين (323ق.م -30م) ويعده الكاتب من بواكير عصور العولمة التي جمعت الشَّرق والغرب في بوتقة واحدة، فقد امتزجت علومهم وأساطيرهم وفلسفاتهم وميثولوجياتهم، وأنتجت عصارة معارفهم عصرًا مليئاً بالعلوم والمعارف، ووفق الكاتب فإنّ أهمَ ما نتج عنها بذرةُ التَّوحيد، فحضارات الإغريق والعراق وبلاد الشام كانت زاخرة بالديانات المتميزة بتعدد الآلهة ولكن في ذلك العصر تحديدًا تزاوجت الديانات الفلسفية مع الديانات العرفانيَّة وأنتجت فكرة تفرُّد الإله ومن ثمَّ وحدانيَّته.

وفي التقديم التاريخي عرض الكاتب بإسهابٍ أهم الممالك الهلنستيَّة التي حكمت، والممالك التي اندثرت ومنها: المملكة البطليمية ومن بعدها المملكة السَّلوقية ومن ثم المملكة المقدونيَّة. ويخرج الكاتب بنحت جديد (الرومانستي)؛ قاصدًا به الفترة الزمنية التي حكم فيها الرومان العالم الهلنستي فقد استمرت الروح الهلنستيَّة تحت المظلَّة الرومانيَّة في الفترة الممتدة بين (30-323م).

وينتقل إلى شرح موسَّع عن الديانات التي توصَّلت إلى مبدأ التفرُّد الإلهي والتَّوحيد الباطني على الرقعة الجغرافيَّة الهلنستيَّة مثل الديانة الهرمسيَّة والمساريَّة والغنوصيَّة التي تميَّزت بالطُّقوس الدينية السريَّة ولذلك دعيت بـ ديانات الأسرار وديانات العرفان في الوقت نفسه، وتشتمل طقوسها على نقل الأسرار من رجل الدين الكاهن العارف بتلك الأسرار إلى الفتية؛ أي الوافدين الجدد إلى الديانة، وبحضور مجموعة من المؤمنين، وهي طقوس سريَّة للغاية لا تُعرض للعامَّة ولغير المؤمنين.

والعرفان بمفهوم الديانات العرفانية لا تعني المعرفة الظاهريَّة التي تأتي بتراكم المعرفة مع الزَّمن وإنَّما تعني المعرفة الداخلية - أي في دواخل النَّفس البشريَّة - التي يتلقاها الإنسان الذي يتمتَّع بروح نقيَّة وطاهرة تُمكنّه من تلقي هذه الأسرار عن طريق المكاشفة، أي نوع من المعرفة تأتي من خلال المكاشفة.

في العصر السَّومري ظهر التَّوحيد الهرمسي في ديانات الخصب والزراعة في عبادة إله واحد مثل (تموز أو أدونيس أو آتيس)، أمَّا التَّوحيد المساري فهو التَّوحيد الذي يشير إلى إلهٍ متعالٍ واحد لا تدركه الأبصار في عالم النور، ظهر هذا الإله نتيجةً لاندماج الفلسفة الفيثاغورثيَّة مع ديانات الأسرار والتَّطهير. وأمّا التَّوحيد الغنوصي فإنه تقريبًا يعد استمراريَّة للتَّوحيد الهرمسي بالصورة التي اندمج بها مع الجانب الرُّوحي للمساريَّة مع الهرمسيَّة، وظهر في ديانات عدة أوَّلها كان الديانة المندائيَّة ومن ثمَّ في بعض المذاهب المسيحيَّة وبعدها المانويَّة واستمرت أيضًا في بعض المذاهب الإسلاميَّة. وبالنسبة لديانات التَّوحيد الظاهري فكانت اليهوديَّة من خلال الإله (يهوا)، والمسيحيَّة التي توصَّلت إلى فكرة الثَّالوث المُقدَّس الأب والابن والرُّوح القدس، والإسلام الذي دعا مباشرة إلى عبادة إله واحد وهو (الله).

ويشير الماجدي إلى نوع من الطُّقوس من أشكال العبادة الهلنستيَّة التي لعبت دورًا - بحسب رأي الكاتب - في التَّمهيد للتَّوحيد هو عبادة الملوك أو في صيغة أخرى تأليه الملوك، وكان هذا تقليدًا درج في مصر في زمن عبادة الفراعنة،وقد تطور هذا التقليد عن عبادة الفراعنة فقد عُد الملك سليلًا فرعونيًّا. والأنواع الأخرى تجسَّدت في عبادة النُّجوم وعبادة الحظ.

وفي تقديم موسَّع للفلسفات العلمية والأخلاقيَّة التي كانت سائدة في العصر الهلنستي يتوقف الماجدي في محطاتٍ عديدة، بدايةً عند الفلسفة الأبيقوريَّة أو ما يُعرف بفلسفة اللذَّة التي أسسها أبيقور، وتُعد امتداداً للفلسفة الأفلاطونيَّة، وبعدها يأتي على ذكر الفلسفة الرواقيَّة لمؤسسها زينون القبرصي، وهي فلسفة تقوم على العلوم، وآخرها الفلسفة الشكيَّة التي ظهرت عند بارمنيدس وهيراقليطس اللذين عملا من خلال أسئلتهم على توضيح الفرق بين المذاهب والأخلاق.

أمَّا بالنسبة للعقائد الدينيَّة الفلسفيَّة فقد ظهرت بداية عند أفلاطون الذي يُعد مصدر الأفكار المثالية والروحية، وقد لاقت أفكاره تربة خصبة في الشَّرق. وقد اعتمدت فلسفته على إله واحد مُنزَّه، وإله صانع للوجود، أمَّا العالم بالنسبة لأفلاطون فهو كائن عاقل على صورة الله، والنَّفس في عقيدته موجودة قبل أن تنزل إلى الجسد. فيما بعد أعيد إنتاج الفلسفة الأفلاطونية وظهر ما سُميّ الأفلاطونيَّة الحديثة وخرجت بأربعة اتجاهات: الجَّمع بين أفلاطون وزينون، والجَّمع بين أفلاطون وفيثاغورث، والجَّمع بين أفلاطون وأرسطو، والجَّمع بين أفلاطون والتَّيارات الثلاثة السابقة. 

رأي مُعد المقال:

يؤخد على الكاتب مأخذان: الأوَّل أنه أغرق الكتاب بمعلومات تفصيليَّة جداً قد لا تهم سوى الدارس المختص مثل شرح شجرة العائلة الحاكمة لبعض الممالك مع التواريخ ومدة حكم كل ملك منهم، أو إدراج مخططات نهجيَّة لُكل فكرة أو نوع من العقائد التي تطرَّق لها، أمَّا المأخذ الثاني فهو تكراره لكثيرٍ من المعلومات في مواضع عديدة، فهو على سبيل المثال في كل مكان ورد فيه مُصطلح الغنوصيَّة يعود إلى تعريفها وشرحها من جديد. 

معلومات الكتاب: