كتاب > روايات ومقالات

كتاب (الصبي الخادم): تأثير العنصرية في حياة الأفراد

تعود رواية (الصبي الخادم) إلى الكاتب فرديناند أويونو (Ferdinand Oyono 1929_2010)، وهو كاتبٌ ودبلوماسيٌّ وسياسي من الكاميرون، ونُشِرت هذه الرواية أوَّلَ مرة عام 1966. 

تأتي قيمة الرواية من كونها تصوِّرُ التشويهَ الذي ارتكبه الأوروبيون بقدومهم إلى إفريقيا عبر محو الحضارة المحلية، وتكشفُ علاقة السيد السيئة بالعبد، التي تقوم على العنصرية واحتقار السكان المحليين في إفريقيا. 

تدور أحداث الرواية حول يومياتٍ يعثر عليها الراوي قرب جثةٍ لشاب إفريقي يُدعى (تاوندي) يروي فيها الفتى يوميَّاته وخدمته في بيت القومندان وما أوصله إلى الموت، وقد كُتِبت هذه اليوميات بلغة السكان المحليين (الأووندو) وتُرجمت إلى الفرنسية بعدها.

كان الفتى (تاوندي) يعاني من قسوة والده الذي كان يُبرحه ضربًا من دون أسباب، ليقررَ الفتى في أحد الأيام الرحيلَ عن منزل والده إلى منزل الأب (غيلبرت) قائد البعثة التبشيرية في الكاميرون، الذي كان دائمًا يستميلُ الأطفال بقطع السكر التي يوزعها لهم. ويعيش (تاوندي) مع الأب الذي يعلّمه القراءة والكتابة، ليبدأَ بعدها بكتابة يومياته ويغيّر الفتى ديانته ليصبح اسمه (جوزيف). ولكن بعد موت الأب (غيلبرت) إثرَ حادث دراجة نارية ينتقل (جوزيف) للعمل في منزل القومندان الفرنسي (القائد العسكري المحلي) وزوجته، ليصبحَ خادمًا لديهم. يقول (تاوندي): "سأكون خادمَ رئيس الأوروبيين، وكلب الملك هو ملك الكلاب"، ويقول في يومياته: "كان الأب غيلبرت يعاملني كحيوانه الأليف"، وتتبدّى في هذه العبارات صورة الذات الدونية مقابل الآخر المتمثل بالعرق الأبيض الأعلى شأنًا، وتتوضّح العنصرية التي حكمت العلاقات البشرية في القارة السمراء. يدوّنُ (جوزيف) يومياته في عمله الجديد ويصوّرُ نظرة البيض إلى السود باعتبارهم كائناتٍ بدرجة أقلّ دائمًا، ولا يصلحون لشيء سوى أن يكونوا خدمًا. وعلى الرغم من قلة الشخصيات في الرواية، فإنَّ كلَّ شخصية تحمل في طياتها رمزيةً لفكرة أراد الكاتب إيصالها. 

فالخادمة الإفريقية (كاليسيا) مثلًا كانت عشيقة لكثير من الرجال البيض في السر، إلَّا أنَّها كانت تُحتَقر في العلن، إذ تقول الخادمة في حديثها عن الاضطهاد الذي كانت تتعرّض له برفقة الرجال ذوي البشرة البيضاء: "كاليسيا لا تخرجي، لدي صديق أوروبي". 

يتغيَّر مجرى اليوميات التي يدوّنها الفتى، وتتغير صورة العرق الأبيض المثالية التي كانت في ذهنه عندما يكتشف بالصدفة خيانة زوجة القومندان لزوجها، ثمَّ إنَّ شهادة (تاوندي)على هذا الحدث تُغيّر حياتَه، لأنَّه أصبح يعرف أكثر مما يجب؛ على حد تعبير صديقته الخادمة الإفريقية: "إنَّهم لن يستطيعوا النسيان ما دمت موجودًا لأنك تعرف تفاصيل قضيتهم، ولذلك فإنهم لن يغفروا لك أبدًا، إذ كيف يمكنهم أن يسيروا أمامك بخُيَلاء والسيجارة تتدلى من بين شفاههم ما دمت تعرف". 

يقرّر القومندان التخلص من الخادم عبر تدبير مكيدة له تقوده إلى السجن، حيث يلقى الفتى أشد أنواع التعذيب التي تنتهي بضربة بندقية من قبل أحد الضباط لتسبِّبَ له كسرًا في أضلعه يموت بعدها الفتى على إثر مرضه وعدم تلقيه الرعاية في مستشفى للسكان المحليين.

يركّز الكاتب في الرواية على تمثيلات الإفريقي في نظر الرجال البيض بأنَّه أبله أو طفل، وهي تمثيلات دونية تعايشت معها الذات الإفريقية، ويتّضح ذلك عندما يصف (تاوندي) كيف أنَّ القومندان لم يستطع تمييزه في إحدى المرات: "القومندان كان يضحك أيضًا! ولم يتعرف عليّ، وكيف يمكنه ذلك؟ فجميع الأفارقة يَبدون لهؤلاء الأوروبيين متشابهون". 

وأراد الكاتب في روايته تصويرَ العنصرية التي انتشرت في أوروبا، فحتى الأشخاصُ الذين تخلَّوا عن هُويَّتهم -كما فعل (تاوندي) بهجره لأهله وديانته- لم يكونوا موضع ترحيب من الأوروبيين الذين لم يكونوا يقبلون لذاتٍ من عرق آخر أن تنصهر مع ذواتهم، ولعلَّ آخر كلمات (تاوندي) التي قالها قبل رحيله -وقد ذُكِرت في بداية الرواية- تحكي قصة ألمه والصراع الذي كان يعيشه إثرَ وجوده بين رجالٍ من عرقٍ مختلف، إذ إنَّ الحضورَ الأبيضَ على الأرض السمراء خلقَ فجوةً في ذات الفتى (تاوندي)، الذي كان يطمح إلى اكتشاف عوالمهم.