هل يمكن أن تكون الذاكرةُ كاميرا؟!

تُعَدُّ الذاكرة إحدى أهم وظائف الدماغ، إذ تُسهم في بناء شخصية الإنسان وتكوينها، ولا يستطيع من دونها إنجازَ وظائفه الإرادية كالمشي والتعلم وغيرها. وتنقسم الذاكرة إلى عدة أنواع، فهناك الذاكرة الحسية، والذاكرة الطويلة الأمد، والذاكرة القصيرة الأمد، ومن أهم أنواع الذاكرةِ الطويلةِ الأمد ذاكرةُ السيرة الذاتية (Autobiographical Memory)؛ أي ذاكرة الإنسان التي تحفظ تفاصيل حياته وشخصيته (1).

ينتج أحيانًا عن ذاكرة السيرة الذاتية نوعٌ فرعيٌّ يُدعَى "ذاكرة ومضات الكاميرا" (Flashbulb Memory)، وتُوصف كأنَّها لقطةٌ بعدسة الكاميرا لقوة تأثيرها ودقة تفاصيلها التي لا تتغير عبر الزمن وتبقى في الذاكرة الطويلة الأمد، وغالبًا ما تترافق مع حدث عام مهم ومؤثر ومفاجئ، ولكن لا يمكننا الوثوق تمامًا بدقتها؛ فهي تتكون من استقبال الشخص للحدث وليسَ الحدث كما جرى في الواقع (2)؛ أي إنَّ الأشخاص يتذكرون بقوة وبدقة متى وأين كانوا وماذا كانوا يفعلون عندما علموا بأمر الحدث المفاجئ (3)، إذ بيَّنت دراسات عديدة أنَّ الذاكرة هي تسجيلٌ لاستقبال الشخص للحدث، لذلك فدقة التفاصيل يمكنُ ألَّا تكون مطابقة للحدث بل لانطباع الشخص عنه (4).

وقد اكتشف هذه الظاهرة العالمان Roger Brown وJames Kulik في عام 1977، وذلك بعد إجرائهم دراسة تتناول ذكرياتٍ تدور حول اغتيال الرئيس كينيدي (4). ويمكن أن تتشكَّلَ ذاكرةُ ومضات الكاميرا عند مرور الشخص بمواقف خاصة مهمة ومؤثرة فيه إلى الدرجة التي يخلق فيها الدماغُ هذا النوع من الذاكرة لتلك المواقف (2)، مثل ولادة طفل أو يوم التخرج من الجامعة.  ووجدت بعض الدراسات أنَّ وجود الترميز الحسي (Emotional Encoding) -أي إدخال المعلومات إلى الذاكرة والتعلم المرتبط بالعامل الحسي- يُعدُّ عنصرًا أساسيًّا في تشكيل ذاكرةِ ومضات الكاميرا والمحافظة على استمراريتها (4).

يتحدث الأشخاص الذين اختبروا هذه الظاهرة بأنَّهم كانوا يشاهدون لقطة من كاميرا، لشدةِ دقة التفاصيل والمشاعر التي تعيدها ذاكرةُ ومضات الكاميرا إليهم. ومع أنَّه قد لا يتسنّى لجميعنا اختبارُ هذه الظاهرة المثيرة للجدل -إذ لا نواجه في حياتنا اليومية مواقفَ صادمة ومؤثرة بقوة-، فلا شكَّ في أنَّ العلم الحديث استطاع أن يُدخلنا إلى خفايا هذه الذاكرة المميّزة ويعرّفنا إليها.

المصادر: