كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب التأملات؛ مناجاة الذات

كتب الإمبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس أنطونينوس أوغسطس ( Marcus Aurelius Antoninus Augustus) (121_180 اثني عشر كتابًا بين عامي 170 و 180 بعد الميلاد، وقد أصبحت من أكثر كتب الفلسفة تأثيرًا في تاريخ العالم. لم يكن للتأملات أي عنوان في الأصل وكتبه ماركوس أوريليوس لقراءته الخاصة، لا للجمهور. وكان عنوانه الأصلي باللغة الإغريقية العامة  ( Ta eis heauton ) وتعني  (إلى نفسه) .

يعكس هذا العمل سلوك الإمبراطور النبيل، وتطبيقه تقاليد الرواقية في حكمه باحثًا عن السلام الداخلي واليقين الأخلاقي في عالم تعمه الفوضى، ويشير إلى تحقيق الصفاء من خلال تناغم السلوك الشخصي للفرد مع شريعة الطبيعة في مواجهة الألم الذي لا مفر منه، والخسارة والموت والمعاناة التي هي صميم الحياة .

إنه كتاب أقوال قصيرة تتراوح من جملة أو جملتين إلى فقرة طويلة، لم تُنظَّم وفق الموضوع، تتكرر فيه بعض الأفكار، ما يشير إلى اعتقاده أنها الأكثر أهمية بالنسبة له.

يبدأ ماركوس كتاب التأملات بشكر للأشخاص الذين كان لهم تأثير إيجابي في حياته، مع التركيز على أولئك الذين غرسوا فيه سمات مميزة للرواقية الجيدة. وتشمل هذه السمات تقييم العقل قبل كل شيء، وعدم الانغماس في الأشياء التافهة، والحد من العواطف والرغبات، واتخاذ القرار الرصين يليه الالتزام الصارم بالاختيار الذي اتُخذ والصدق، والبهجة في مواجهة العقبات، وتجنب الخرافات و تأثير السفسطة.

أما عن الموضوعات الرئيسية التي تتكرر في جميع أنحاء الكتاب فهي: التغيير، والموت وقصر الحياة، ودور وأهمية العقل والإرادة، والتعامل مع الآخرين وقبول عيوبهم، وتجنب مطاردة المتعة والشهرة  والعيش وفق الطبيعة وقبول مسارها بالكامل.

ذكّر ماركوس نفسه بألا ينزعج من أخطاء الآخرين وأن يصححها إن أمكن، ولكن إذا كانوا عنيدين ولم يتغيروا، فعليه قبولهم. وفي الرد على هؤلاء الأشخاص، يجب ألا نسمح أبدًا بانتهاك مبادئنا. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أبدًا أن تتفاجأ من الأعمال الشريرة للآخرين. كان يعتقد أن الناس يفعلون أشياء سيئة جهلًا بالخير والشر، وعلينا أن نغفر لهم أخطاءهم ولو آذونا. يعتقد ماركوس أوريليوس أننا جزء من كائنٍ حيٍّ متصلٍ بالداخل، فأنت لا تستطيع إيذاء شخص واحد دون أن تؤذيهم جميعًا، فيقول: "ما يصيب الخلية يجرح النحلة". 

لقد عالج ماركوس أخطاء الآخرين بتذكير نفسه بأنه يجب أن يتركها لصانعيها ويبدأ بإصلاح نفسه "انسَ ما يفعله الآخرون ، وانس ما يفعلونه بخطأ. لديك ما يكفي في طبقك. ركز على نفسك، ركز على ما قد تفعله بخطأ. أصلح هذا. أبق عينك ثابتة على حياتك. ليس هناك وقت كاف لإضاعته مرة ثانية في تتبع الأشخاص الٱخرين.اهتمَّ بشؤونك."

يشرح ماركوس مرارًا وتكرارًا سبب كون السعي وراء الشهرة والثناء أمرًا أحمق ولماذا نهتم بما يعتقده الآخرون عنا خصوصًا بعد موتنا. ويشير إلى أنّ كثيرًا من الرجال المشهورين طوى النسيان ذكرهم، وأن أولئك الذين يمدحون أحدهم بعد وفاته سيموتون قريبًا. ويوضح أنه لا توجد أفعال خالدة:

"ضع في اعتبارك أنه بما أن أكوام الرمل المتراكمة على بعضها البعض تخفي الرمال السابقة ، فإن الأحداث التي حدثت من قبل في الحياة ستغطيها قريبًا الأحداث التي تليها".

 يتحدث ماركوس أوريليوس عن طبيعة الكون المتغيرة إلى الأبد وقبول الموت، ويذكّرنا بأننا جميعًا سنموت، ومع ذلك فإننا نفقد اللحظة الحالية مع أنها كل ما لدينا، ويذكرنا أيضًا أننا يمكن أن نموت في أية لحظة وأننا يجب أن نعيش على أكمل وجه قدر ما نستطيع " لاتعش كما لو كان أمامك سنوات لا نهاية لها. الموت يحجبك. عندما تكون على قيد الحياة وقادرًا، كن جيدا ".

يرى ماركوس أن التفوق على الألم والمتعة يسمح لنا بقبول مجرى الطبيعة تمامًا، والتركيز في أن نكون فاضلين. إن تصوراتنا للأحداث أنها مزعجة هي المصدر الحقيقي لأي تعاسة نمر بها، لا الأحداث نفسها. يعتقد ماركوس أنه يمكن لأي شخص أن يمسح على الفور أي انطباعات مزعجة من ذهنه ويكون في سلام. وأوصى بتذكر ما يلي كلما شعرنا بالقلق:

"مهما كان ما يفعله أو يقوله أي شخص ، يجب أن أكون جيدًا ، تمامًا كما لو كنت الذهب ، أو الزمرد ، يجب أن أكون زمردًا وأحافظ على لوني"

عرف ماركوس أن قدرتنا على التفكير تميزنا على الحيوانات، وهي قوة مهمة يجب أن نستخدمها على أكمل وجه. كان يعتقد مثل جميع الرواقيين أنه يمكن استخدام عقلنا لفهم سبب الوجود في الطبيعة. تتمتع عقولنا بسلطة كاملة على آرائنا ولا يختبر العقل المعاناة إلا عندما يخلق بنفسه رغبة محددة في الحياة. ماركوس الذي كان حاكمًا في عصره كان أيضًا القلم وراء هذه السطور: "لديك قوة على عقلك، وليس على الأحداث الخارجية. أدرك هذا ، وسوف تجد القوة ".

إن في كتاب التأملات نصائح عملية بعيدة عن التفلسف، ويُعد تدوينًا للتدريبات الرواقية وشكلًا من أشكال ممارستها، تمامًا مثل ما قد يكون تكرار الصلاة أو الترنيمة. إنه يوصي بأن نجعل ما كتب أسلوبًا لحياتنا، فصنع القرار بأيدينا وكيفية النظر إلى الأحداث في حياتنا كذلك. فإذا تدربنا نستطيع أن نتحكم تمامًا في أفكارنا وأفعالنا ولنا حرية القرار، ويمكننا دائمًا اختيار أن نكون فاضلين.

معلومات الكتاب: