الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

هل يعزِّزُ المشاهيرُ ووسائلُ الإعلامِ الصّورَ النَّمطيَّةَ الجندريَّةَ؟!

امتدَّ تأثيرُ وسائل الإعلام والمشاهير في القرن الواحد والعشرين إلى ما هو أبعدُ من المجالِ التّقليديّ لقطّاعِ التّرفيه في المجتمع، فقد تعدّى دورُهم من مجرَّدِ المصادقةِ على المُنتجاتِ البسيطةِ وترويجِها إلى أن يكونوا لاعبين أساسيين في النّزاعاتِ السياسيّة على الصعيدِ الدوليِّ، ونستطيعُ القول إجمالًا إنّ الإنترنت سرَّعَ انتشارَ هذه الظاهرةِ عالميًّا؛ إذ لمْ يعدِ المشاهيرُ مقيدينَ بإنجازاتِهم الشَّخصيَّة وأيضًا نتيجةَ تأثيراتِ سلوك القطيع والمجتمعات الافتراضية والهوس بالمشاهير (أو الهوس بأيِّ شخصٍ

 "مشهورٍ" عبر الإنترنت)، إضافةً إلى أنَّ تقنياتِ الإنترنت والهاتف المحمول العالمية تسمحُ بنشرِ عددٍ لا يُحصى من الصُّوَرِ والقصصِ خلال أجزاءٍ من الثَّانيةِ، مما يجعلُ التمييزَ بين الأفكارِ المنشورةِ على الإنترنت وبينَ الحقائقِ العلميَّةِ والسِّجِلَّاتِ التَّاريخيَّةِ أمرًا ليس بالسهل أبدًا. وبذلك نرى الأفرادَ في المجتمعِ العالميِّ اليوم لا يتأثرون بالعلمِ؛ بل ما يُأثّر فيهم حقّاً همُ المشاهير، ويبدو أنَّ مجتمعَ الإنترنت حاليًّا يقوم على علاقةٍ ثلاثيَّةٍ متناغمةٍ بين المشاهيرِ والجماهيرِ والإدمانِ على الشهرةِ. ويعيد الإنترنت بدوره صياغة هذه العلاقةِ الثلاثيّة وتسريع نشرها؛ مما يسمحُ للمشاهير بتوسيع دائرة تأثيرهم في مختلف المواضيع الجديدة (1).

يُعدُّ المشاهير أشخاصًا ذوي أهميَّةٍ بالنسبةِ لجمهورهم ومن ثَمَّ فإن إمكانيَّةَ أن يَكونُوا مؤثرين جدًّا في حياة هذا الجمهور هي احتماليَّةٌ عاليةٌ أيضًا. ولكن هل يُمكنُ أن يكونَ للمشاهيرِ ذلك التأثير الكبير في معايير الأشخاص ومواقفهم (2)، وكيف هو الأمر بالنسبة للأشخاص الذين لا يستطيعون تمييزهم أو معرفتهم بشكل خاص؟ وإذا كان لديهم فعلًا هذا التأثير، فعلى ماذا يعتمد؟

يحتاج ذوو الشهرةِ النجاحَ بالطَّبْعِ ليمتلكُوا القدرةَ على التأثير؛ لكنَّ التأثيرَ الضارَّ لعدم النجاح ليس التأثير ذاته الذي ينتج عن  الأخبار السلبيَّةِ المتوفِّرَةِ عن أحد المشاهير. مثل انتشار معلومات سلبية عن إدمان الكحول لأحد مشاهير راكبي الدراجات لم تؤثر في قدرته على النجاح بالمصادقة على علامةٍ تجاريّةٍ معينةٍ خاصَّةٍ بالدراجات بتأديةِ إعلانات عنها ولكن يختلفُ هذا التأثير عندما يَكونُ السُّلوك الأخلاقيّ مؤذٍ الآخرين (2).

وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاصَ الذين يُعدُّونَ مميزين يمكنُهم تعميمُ السُّلوكيَّاتِ والمواقفِ الموجبةِ أو اللازمة وتنشيطهما أكثرَ من الأشخاصِ الآخرين عمومًا. ويتمتع المشاهيرُ الناجحون بمكانةٍ اجتماعيّةٍ (Prestige) وتقول العديد من الدراسات أن المكانة الاجتماعية تجعل النّاسَ مميزين، وتمنح آراءَهم وزنًا وأهميَّةً إضافيَّةً؛ ففيها قوةٌ وقدرةٌ على جعلِ تقييمات شخصٍ ما ذاتَ صلةٍ بالآخرين وبذلك تؤخذ بالحسبان (2).

بينما يتصفح شابٌّ عشرينيٌّ الإنترنت ويتابع بعض المقاطع المصورة التي تهمه، يَظهرُ له فيديو منتشر للمغني اللبناني رامي عياش. يُكرّس فيه رامي في لقاءٍ تلفزيوني صورةً نمطيَّةً عن المرأة؛ فحينما يَدخُل إلى الإستديو اعترضَ الجلوسَ على الأريكة الزهريَّةِ لأنها girlie أو "بنّاتية".

هنا

قد يبدو الأمر عاديًّا حتى هذه النقطة، ولكن مع الاستمرار بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو للمشاهيرِ تظهرُ أمام الشابّ المغنيَّة نجوى كرم وهي تحدُّ من إمكانيات المرأة وتُسَخِّف من فكرة أن تمتلك طموحًا ومهنة فتقول: "أخاف أن يأتي يوم يسهر فيه الرجل على راحة أطفاله، وأن تأتي المرأة متعبةً من عملها لتطلب من زوجها أن يُحضّر حليبًا للأطفال"

وتستمر بإبداء رأيها عن دور المرأة في المجتمع قائلة: "أنا ضد أن تعمل المرأة لتملأ وقتها، فعمل المرأة الحقيقي بعيد عن أن يجعلها تشعر بالملل حيث عليها أن تطبخ وتنظف"

هنا

وهناك أمثلة أخرى عديدةٌ والأهم هو كيف سيكون تأثير هذه الأفكار النمطية في شابٍّ في مقتبل العمر يُكوّن أفكار عصرية عن المجتمع؟

إنَّ التنميطَ الجندريَّ واختلاف النَّظرةِ إلى أدوارِ الرَّجلِ والمرأةُ لم تأتِ من العدمِ بل إنَّ وسائل الإعلام هي واحدةٌ من أهمِّ الأسبابِ المؤثرة في نظرتنا إلى الرَّجلِ والمرأةِ وأشدِّها. تغرس وسائل الإعلام رسائلها في وعينا عندَ كلِّ منعطفٍ بِنَسْجِها يوميًّا في تفاصيلِ حياتنا (3). 

تحيي العديدُ من وسائل الإعلام تصوراتٍ غيرَ واقعيَّةٍ، نمطيّةً ومحدودةً عن الجنسين. فمواضيعُ وسائل الإعلام عنهما هي أولًا؛ تتمثل بها المرأة تمثيلًا ناقصًا ويكون الرجال ضمنيًّا هم المعيارَ الثقافيَّ والمرأة مُهمشة أو غير مرئية. ثانيًا، يُصوَّرُ كُلٌّ من الرّجالِ والنِّساءِ بطرائقَ نمطيَّةٍ تَعْكِسُ الحفاظَ على وجهات النَّظَرِ المُتعارف عليها اجتماعيًا عن النوع الاجتماعي. ثالثًا، تصدير صور عن العلاقات بين الرجال والنساء التي تُعزز الأدوار الجندرية التقليدية وتُطبِّع العنف ضد المرأة (3).

تَعْرِضُ المسلسلات ذات الشعبيّة الكبيرة النّجومَ من الرجال مجسدين الصّورةَ النَّمطيَّةَ للذكورة المتطرفة. أي إنَّهم صلبون، قُساةٌ وعنيفون، مستقلون، عدوانيون جنسيًّا، شُجعان، مسيطرون تمامًا على مشاعرهم ولا يبدون اهتمامًا بالعلاقات الإنسانية؛ إذًا تُعزز وسائل الإعلام المُثُل الثقافية طويلة الأمد عن الذكورة، وغالبًا ما تُصوَّرُ النساء على أنهن أكثر شبابًا ورشاقة من النساء من عامة السكان، وتكون أدوارهن سلبية غير مستقلة (تعتمد على الرجال) وأنهن طفوليات وبلهاوات وبكل تأكيد أدوات جنسية ومنخرطات في الأعمال المنزلية (3).

ويظهرُ الجمال والشباب على أنَّها متطلبات أساسية عند المرأة حتى في البرامج الإخبارية حيث توجد مذيعات الأخبار اللواتي من المتوقع أن يكنَّ أصغرَ سنًا وأكثر جاذبية جسديًا وأقلّ صراحة من الذكور (3).

 إنَّ وسائلَ الإعلامِ ومنصَّاتِ المشاهير يتزايدُ دورها تزايداً كبيراً في المجتمعات وفي نواحِي الحياة كافة، وعلى الرغم من الأثر الإيجابي الذي يمكن أن يتحقق أحيانًا، إلا أنَّ الآثار السلبية قد تكون كارثيَّةً في حال استمرَّ تمريرُ أفكارٍ ومعتقداتٍ نمطيَّةٍ بين أسطر أغنية، أو فيلم، أو برنامج تلفزيوني ما.

المصادر:

1. Choi C, Berger R. Ethics of Celebrities and Their Increasing Influence in 21st Century Society. Journal of Business Ethics. 2009;91(3):313-318. Available from: هنا

2. Lindenberg S, Joly J, Stapel D. The Norm-Activating Power of Celebrity: The Dynamics of Success and Influence. Social Psychology Quarterly. 2011;74(1):98-120. Available from: هنا

3. Wood J. Gendered Media: The Influence of Media on Views of Gender. In: Gendered Lives: Communication, Gender, and Culture. Wadsworth: Cengage Learning; 1994. p. 231-244.