العمارة والتشييد > التصميم المعماري

العمارة التقليدية والعمارة المعاصرة؛ صراع الهُوية والاستدامة

يؤثر المظهر المرئي للبيئة المبنية في الناحية النفسية والرفاهية الذاتية للأفراد. ومع ذلك؛ فإن معلوماتنا عن الكيفية التي يفهم بها السكان المظهر المرئي للاتجاهات العالمية المعاصرة في الهندسة المعمارية والتصميم الحضري ضئيلةٌ (1). 

تنتشر العمارة المعاصرة المستوحاة من «فلسفة ما بعد الحداثة» و«عمارة التكنولوجيا الفائقة - High-Tech architecture» باستمرارٍ في جميع أنحاء العالم، وقد أدى التحضر العالمي والتكثيف الحضري إضافةً إلى العولمة إلى ظهور أسلوب عالميٍّ للهندسة المعمارية سيطر على الأنماط المعمارية التقليدية المرتبطة بتاريخ كل مكان وحضارته؛ فأصبحت المدن متشابهةً أكثر، مثل: التشابه الحاصل بين مدن (نيويورك) و(شنغهاي) على الرغم من انتمائها إلى ثقافاتٍ مختلفةٍ (1). 

وأدى استيراد المفاهيم المعمارية من أوروبا إلى تجاهل أنماط العمارة التقليدية وتحوُّل المدن إلى مواقع بناءٍ مليئةٍ بالمفاهيم الغربية التي انعكست بظهور أنواعٍ مختلفةٍ من المباني الشاهقة غير المألوفة للأشخاص الذين من المفترض أن تخدمهم وليست ذات صلة بالجوانب الثقافية للبلد. على سبيل المثال: في بيئةٍ مثل (إسطنبول)؛ توجد المباني التقليدية والمعاصرة إلى جانب بعضها بعضا؛ فتظهر خصائص العمارة القديمة والمعاصرة معًا. أما المخططات الداخلية والواجهات الخارجية؛ فليس هناك أي انسجام. باختصار؛ هناك تصادمٌ حادٌّ بين أنواع المباني التقليدية والمعاصرة (2).

لهذا يجب أن نسعى بجدٍّ لاستخراج الأنماط التي يمكن أن نجدها في العمارة التقليدية، وأن نستخدمها بصورةٍ متماسكةٍ وحساسةٍ بدلًا من مجرد تقليب صفحات الماضي ومحاولة الخروج بما يسمى  "الأفكار الثورية" (2).

إضافةً إلى فهم الطريقة التي يؤثر بها المظهر المرئي للمباني والأماكن العامة في المشاعر والتصورات الإنسانية فهو المفتاح للنهضة الحضارية (1)؛ إذ يستجيب سكان المناطق الحضرية للشوارع والأبنية التي يسكنون فيها، ويُعدُّ فهم العلاقة بين العناصر المرئية والاستجابة الجمالية الناتجة عن التقييم العاطفي للمنطقة مفتاحًا للتصميم والتخطيط الناجح (3)؛ ما يدل على أهمية البحث لفهم تأثير السمات المادية للهندسة المعمارية في العواطف البشرية (1).

ومن العوامل المؤثرة في هُوية المكان مدى التكامل بين مبادئ التصميم والتخطيط العمراني مع البيئة المحيطة، واستغلال مواد البناء الموجودة في البيئة المحلية التي بدورها تلائم الظروف المُناخية مما يساهم في انخفاض استهلاك الطاقة (4).

ويجب على صُنَّاع القرار إيلاء اهتمامٍ أكبر للاحتياجات والتفضيلات السكنية عند اتخاذ قرارٍ بخصوص الأنماط المعمارية لمستقبل التطوير الحضري (1)، إضافةً إلى تطويع مناطق المباني التقليدية لبعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية لإعادة تأهيلها لأغراض السياحة، وبالتالي تحسين البِنية التحتية وتطوير الاستثمارات التي ستمكن من الحفاظ على تلك المباني وعلى قيمتها المعمارية والإنشائية والثقافية (5).

لاشك أنَّ العمارة فنٌّ ينعكس على حياتنا اليومية ويؤثر فيها، فلا بدَّ أن نعمل معًا لتطويرها حتى تلبي متطلباتنا وتكون مرآةً لنهضتنا الحضارية، فهل سنتمكن من صياغة عمارة الماضي بجُملٍ معاصرة؟

المصادر:

(1). Mouratidis K, Hassan R. Contemporary versus traditional styles in architecture and public space: A virtual reality study with 360-degree videos [Internet]. Sciencedirect. 2019 [cited 14 January 2021]. Available from: هنا

(2). Cakmakli O. Transformation of traditional design concepts into contemporary architecture [Internet]. Dspace.mit.edu. 1983 [cited 14 January 2021]. Available from: هنا

(3)  Zhang, H. and Lin, S., 2011. Affective appraisal of residents and visual elements in the neighborhood: A case study in an established suburban community. Landscape and Urban Planning, 101(1), pp.11-21. Available from: هنا

(4)  Ajaj A, Pugnaloni F. Re-Thinking Traditional Arab Architecture: A Traditional Approach to Contemporary Living. International Journal of Engineering and Technology [Internet]. 2014 [cited 20 December 2019];:286-289. Available from: هنا

(5) Journal of Settlements and Spatial Planning, 2016. Traditional Architecture with Contemporary Use. Methods of Preserving the National Architecture of Macedonia. [online] Available at: هنا [Accessed 27 January 2021]