كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (حياة في الإدارة؛ الإدارة في بناء الحضارة)

يقدم القصيبي خلاصة تجربته العملية في كتابه هذا (حياة في الإدارة) فقد أبرز أهمية الإدارة الجيدة في إنجاح عدة مشاريع كان قد أنجزها، خاصة تلك المشاريع التي كان لها الأثر البالغ في تحقيق نقلة مميزة في مستقبل بلاده. يعرض القصيبي تجاربه تلك فيما يشبه سيرة حياته المهنية متضمنًا كل المناصب التي تبوأها والدروس التي تعلمها، مع ذكر بعض الأمثلة من المواقف التي اعترضته.

يطرح الكاتب دروسه في الإدارة وفق ترتيب زمني تصاعدي، فهو يبدأ وكأنه يسرد قصة طفولته إلا أنه لا يلبث أن يعطيك النصيحة الأولى في الإدارة التي يلمسها الطفل في بداية حياته وذلك نتيجة لإسقاط أفعال البالغين في عائلته، ثم يوضح التأثير الإداري للمدرسين ومدراء المدارس في التلاميذ إلى حين مغادرتهم مقاعد الدراسة.

وينبه القصيبي لتجاربه السيئة مع البيروقراطية وسلبياتها في مواضع متعددة ، فهو يرى أن البيروقراطية تعني التعقيد ومع التعقيد سنكون معرضين للفساد لا محالة، وذلك باختلاف الأصعدة والمجالات الإدارية التي تتربص بها البيروقراطية.

"إن الإصلاح الإداري الفعال يستطيع أن يقضي على التسيّب والتعقيد وكثير من الفساد ولكنه في غياب التجهيزات الأساسية الضرورية لا يستطيع تقديم خدمات عامة تُذكر"

يتناول الكاتب قضية إعجاب كثيرٍ من الأكاديميين السعوديين بالنظام التعليمي المتبع في الجامعات الأمريكية، ويلفت الكاتب إلى سذاجة من اعتقد أن بمقدورهم اعتماد النظام التعليمي ذاته في المملكة العربية السعودية، دون مراعاة فوارق متعددة تحول دون تطبيقه منها: وجود استثمارات مالية ضخمة، وكثير من التجهيزات الضرورية.

بعد حصوله على شهادة في القانون من مصر وشهادة الماجستير من أميركا يروي القصيبي تجربته في العودة إلى السعودية للتدريس في الجامعة. وفي هذه المرحلة يؤكد أن من أهم عوامل نجاح أية مؤسسة إدارية كبيرة كانت أو صغيرة الالتزام بساعات العمل المطلوبة وذلك بضبط ساعة الوصول وساعة المغادرة.

أما بعد نيله شهادة الدكتوراه من بريطانيا وتعيينه عميدًا لكلية التجارة بدأت المصاعب تزداد على كاهله، وتزداد خبرته الإدارية معها كل يوم. في هذه الفترة تبلورت ملامح الأسلوب الإداري الذي ينتهجه وهو الأسلوب الهجومي وفق تعبيره "الإداري الهجومي لا ينتظر القرارات ولكن يستبقها، والإداري الدفاعي يحاول أن يبتعد عن اتخاذها" وقد استخدم الأسلوب ذاته عندما تولّى إدارة السكة الحديدية.

يتحدث القصيبي مطولًا عن منتصف سبعينات القرن الماضي فقد عدها مرحلة مهمة في تاريخ المملكة حدثت فيها ثورة تنموية شاملة طالت المجالات كافةً. وكان للقصيبي نصيبه من تلك التغييرات المهمة، فقد استلم حقيبتين وزاريتين؛ الأولى وزارة الكهرباء والصناعة - كانت وزارة جديدة في حينها - والثانية وزارة الصحة.

وفي المدة ذاتها بدأت المملكة تعتمد مبدأ التكنوقراط في تعيين الوزراء وكذلك إدخال الدماء الجديدة من الشباب، ما أدى إلى نقلة نوعية في تاريخ البلاد. كان القصيبي يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر عندما كان وزيرًا للكهرباء والصناعة. يشرح الكاتب أن التكنوقراط لا تعني التخصص وفق ما هو شائع في دول العالم الثالث حيث يسود الاعتقاد أن وزير الكهرباء يجب أن يكون مهندسًا، ووزير الصحة يجب أن يكون طبيبًا. ووفق الكاتب فإن الوزير المتخصص قد يكون أقل فاعليةً من الوزير غير المتخصص في غياب الصفات الإدارية المطلوبة في القائد الإداري الناجح "الصفة الأولى المطلوبة العقلية وهي القدرة على معرفة القرار الصحيح، والصفة الثانية المطلوبة النفسية وهي القدرة على اتخاذ القرار الصحيح. إذا كانت الحكمة جوهر الصفة الأولى فالشجاعة روح الصفة الثانية. والصفة الثالثة المطلوبة مزيج من الصفة العقلية والصفة النفسية، وهي القدرة على تنفيذ القرار الصحيح. فالحكمة لا تكفي ولا الشجاعة؛ لابد من صفة ثالثة وهي المهارة"

يستفيض القصيبي في إحصاء وشرح المشاريع التنموية التي عمل فيها في وزارة الكهرباء والصناعة، والصعوبات التي واجهته وكيف تمكن من التغلب عليها. فقد وحّد عمل شركات الكهرباء في أربع شركات كبرى رئيسية، واقترح إنشاء شركتين عامتين للموانئ، ودعم الصناعيين الذين يرغبون في افتتاح مصانعهم الخاصة وقدّم التسهيلات بعيدًا عن البيروقراطية عملًا بالنهج الاقتصادي المعتمد بالمملكة (الاقتصاد الحر) لتحقيق رغبة الدولة في دعم القطاع الخاص والعودة بالفائدة على الدولة والمواطنين. وتوسع بالحديث عن المدة التي استلم فيها وزارة الصحة لأنه رأى أن قطاع الصحة من أصعب القطاعات إدارةً في العالم. 

ويختتم كتابه بالمدة التي أصبح فيها سفيرًا لبلاده في البحرين ثم في بريطانيا. فقد أصبح لديه متسع من الوقت لممارسة هواياته المفضلة في القراءة والكتابة، وتوثيق حياته الشخصية والعملية في كتب عديدة أصدرها فيما بعد.

معلومات الكتاب: