الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة اليونانية

الأخلاق الكلبية؛ تمرّدٌ على الأعراف

لا بدّ من أنّك سمعت عن ديوجين (Diogenes of Sinope 404-323 BCE) الذي كان ينتمي لطبقة الأثرياء لكونِ والده امتهنَ صكَّ العملة، ومن ثم انتقل مع أسرته إلى أثينا ليعيش حياةً مترفة إلا أنه ذات مرة بينما كان يراقب فأراً، فكّر في أنه ليس بحاجة لكل تلك الثروات والترف، وأنَّ بإمكانه التكيَّفَ ببساطةٍ مع متطلباتِ الحياةِ دونَ السَّعيِ الحثيثِ وراء الثَّروة والرَّفاهيَّة ليصبحَ بعد ذلك أشهرَ الفلاسفة الكلبيين (1).

والشخص الكلبي (Cynic) هو الشخصُ الذي يعتقدُ بأنَّ الأنانيَّةَ هي المحرَّكُ الأوَّلُ والدافعُ الحقيقيُّ لسلوكِ الإنسانِ، وأنَّ الفضيلةَ تتمثَّلُ ببساطةٍ في أن نكونَ أشخاصاً صالحين قادرين على ضبطِ النَّفسِ في مواجهةِ أهوائها (2)، وقد وصف ديوجين وأتباعُه "بالكلبيين" نتيجةً لآرائهم تلك وتصرفاتِهم الرافضةِ والساخرةِ من قيم المجتمع المتحضرة (3)، والشبيهة بممارسات الكلاب ونباحها على الآخرين. 

وعلى الرغم من الأثر الكبير لهم على الفكرِ الأخلاقيّ في أثينا بعدَ وفاةِ سقراط إلا أنهم اشتهروا عبر مواقفهم وأقوالهم المُسجَّلةِ في الأدبِ القديمِ لا من كتاباتهم (4)، إذ إنَّ ديوجين مثلًا كان شبيهًا بسقراط بتفضيله المحاورات الشفهية المباشرة عوضًا عن النصوص المكتوبة (1)، ووضع ديوجين ثلاثةَ متناقضاتٍ أساسيَّةٍ لتكونَ مبادئَ لفلسفته وهي:

ومن بينها يعدُّ مبدأُ "الطبيعة ضد الأعراف" جوهر الأخلاق الكلبية والأكثر تمثيلًا لها، إذ اعتقد ديوجين أنَّ الحياةَ -وفقًا للطبيعة- أفضلُ من تلك التي تقومُ على أعراف وتقاليد المجتمع (4). 

وكانت الوقاحةُ الفجَّةُ هي التكنيكَ الذي اعتمَدَه ديوجين لصدمِ معاصريه في محاولةٍ منه لإعادة تقييم الأعراف الاجتماعية، من خلال لفتِ أنظارِ العامَّةِ لتلبيته حاجاته الجسديَّةِ ليَذْكَّرَ الآخرين بالقيود المادية المفروضةِ عليهم (3)، ويعدُّ ديوجين الابن الضال للتقليد السقراطي.. إذ إنَّ ديوجين رفض فكرة معلمه سقراط (Socrates 470-399 BCE)  بأن "الفضيلة هي المعرفة" وذهب إلى ما سماه ميشيل فوكو لاحقًا (1984-1926  Michel Foucault) بـ"ممارسة الذات" أو "ضبط النفس" لهدف أخلاقي يتمثل في الاكتفاء الذاتي والسعادة في ذلك (2).

ومن الواضح أن الكلبيين يفضّلون الحرية ولكن ليست تلك فقط بمعنى الحرية الشخصية وإنما لها ثلاثة أشكال: الحرية، الاكتفاء الذاتي، وحرية التعبير، وقد يبدو أن العديد من المفكرين الهلنستيين قد شاركوهم بمفهومهم عن الحرية ولكن عند الكلبيين كان الأكثر أهميَّةً هو حرية التعبير ولعلَّ أشهر مثالٍ عنها عندما كان ديوجين مستلقيًّا تحت الشمس وجاءه الإسكندر الأكبر وسأله أن يطلب منه أي شيء يريده! فأجابه ديوجين ابتعد عن ضوء الشمس، ليردَّ عليه المقدوني ممتعضًا: أنا الإسكندر الملك الأكبر، فيجيبه ساخرًا: وأنا ديوجين الكلبي (5).

المصادر:

1. Piering J. Diogenes of Sinope | Internet Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Iep.utm.edu. [cited 21 April 2021]. Available from: هنا

2. Branham R. Be More Cynical. Eighteenth-Century Studies. 2014;47(3):352-356. Available from: 

هنا

3. Roberts H. Cynic Shamelessness in Late Sixteenth-Century French Texts. The Modern Language Review. 2004;99(3):595,596. Available from: هنا

4. Ancient Ethical Theory (Stanford Encyclopedia of Philosophy) [Internet]. Plato.stanford.edu. [cited 21 April 2021]. Available from: هنا

5. Piering J. Cynics | Internet Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Iep.utm.edu. [cited 25 April 2021]. Available from: هنا