الفيزياء والفلك > النظريات الأساسية في الفيزياء

الحلقة السادسة- عالم ميكانيك الكم العجيب1

 

/p>

عند نهاية القرن التاسع عشر كانت النظريات الفيزيائية قادرة على تفسير الكثير من الظواهر والتنبؤ بالنتائج الدقيقة للقياسات وانعكس نجاحها على النجاح المستمر للثورة الصناعية مما دعى الفيزيائي جيمس كلارك ماكسويل عام 1871 للقول -وإن كان عن غير قناعة- "خلال بضعة سنوات ستكون كل الثوابت الفيزيائية الهامّة قد حسبت، وستكون المهمة الوحيدة للعلماء هي اجراء هذه الحسابات بدقة اكبر". ولكن الواقع كان مختلفا فقد وجدت بعض المسائل التي لم تجد شرحا في الفيزياء التقليدية، ولعل أهمها قضية توهج الأجسام الساخنة أو ما يعرف باشعاع الجسم الأسود وسنشرحها ببساطة: تخيل انك وضعت ابريق شاي فارغ على النار وتركته يسخن، فعند النظر من فتحة الأبريق سنجدها سوداء مظلمة وبازدياد الحرارة ستتوهج تدريجيا بالأحمر فالبرتقالي .... وكما نعلم فلكل لون طول موجة معين ولم يستطع أي قانون فيزيائي استنتاج علاقة تردد الموجة بدرجة الحرارة او الطاقة. وأكبر مثال يومي على معضلتنا هو الشمس فلم تستطع الفيزياء فهم علاقة لون سطح الشمس الاصفر بدرجة حرارتها ناهيك عن عجز الفيزياء عن تفسير مصدر طاقة الشمس ( في الواقع يشع سطح الشمس ضمن عدة ترددات مرئية ولكن الشدة الإشعاعية الصادرة تبلغ قيمتها العظمى عند الترددات الموافقة للضوء الأصفر).

حتى عندما حاول الفيزيائيون تطبيق النظرية الكهرطيسية بدقة اكبر وجدو صيغة تعتبر صحيحة للترددات المنخفضة ولكنها تتنبأ بطاقة لا نهائية من اجل ترددات الضوء الفوق بنفسجي والأعلى وهذا مستحيل، ودعيت هذه النتيجة السيئة "الكارثة المافوق بنفسجية". 

عام 1900 تكمن ماكس بلانك من ايجاد حل للمشكلة ولكن ذلك استلزم فرضية غريبة. كانت جميع نظريات الفيزياء تعامل الطاقة على انها مقدار مستمر، أي مهما كان هناك قيمتين قريبتين من بعضهما للطاقة يمكنك الحصول على قيمة بينهما. ولكن بلانك افترض ان الطاقة تنتقل بشكل محدد وبكميات لا يمكن تقسيمها اطلق عليها اسم "كمّات". وكان القانون المستنتج يفسر التجربة تماما ولكن غرابة الفرضية لم تجعلها محببة للتداول بين الفيزيائيين واستلزم الأمر نظرة عميقة من آينشتاين ليدرك أهميتها في تفسير ظاهرة اخرى غير مفهومة وهي المفعول الكهرضوئي، أي انتزاع الالكترونات من سطح المعادن بواسطة الأشعة الضوئية وهو مبدأ أساسي في خلايا الطاقة الشمسية . فوجد اينشتاين أنه بعلاقة بسيطة باستخدام فرضيات الكمات يمكن تفسير المفعول الكهرضوئي بنجاح وهو ما حاز عليه اينشتاين جائزة نوبل عام 1921.

معضلة أخرى لم تتكمن الفيزياء التقليدية من تفسيرها وهي ثبات الذرة. فبحسب النظرية الكهرومغناطيسية التقليدية أي شحنة تتحرك بحركة دائرية كما تتحرك الألكترونات حول النواة تصدر اشعاعا وتفقد طاقتها تدريجيا حتى تصل المركز، اي تنهار الذرة وهذا عكس ما نجده. وضع نيلز بور فرضية غريبة باستخدام فكرة الكمات وكانت ناجحة في تفسير خواص وأطياف العناصر البسيطة كالهيدروجين ( الطيف المرئي للغاز بلغة مبسطة جدا هو اللون الذي يتوهج به الغاز عند تسخينه).لكنها لم تفسر اطياف بقية العناصر.

قبل فرضية الكمات كان الضوء امواجا كهرطيسية تحمل طاقة تنتشر في الوسط المحيط، ولكن فكرة تكميم الطاقة اعطت صفة جسيمية للضوء ايضا فكل موجة يمكن تمثيل بعض خواصها بانها خواص جسيمات مادية ولعل أوضح فكرة عن هذا المبدأ جاءت عندما لاحظ كومبتون أن الضوء يتشتت عن الالكترونات بطريقة تشبه نوعا ما اصطدام كرتيّ بلياردو مما يعني ان كمات الأشعة الكهرطيسية أو الضوء والمدعوة فوتونات تتصرف في بعض التجارب كالجسيمات الصغيرة .

/p>

إن هذه الفكرة دعت الفيزيائي الفرنسي لوي ديبروي أن يفترض العكس: تتصرف الجسيمات الصغيرة كالألكترونات كموجة في بعض الحالات. كانت فرضية غريبة ايضا ولكن تم التحقق منها تجريبيا باجراء تجارب وجد فيها ان مسار الالكترونات ينعرج عند المرور من شقوق صغيرة جدا كما تنعرج امواج الضوء.

وبالتالي كما نصف الأمواج بمعادلة تسمى معادلة انتشار الموجة وجب ايجاد معادلة تصف حركة الجسيمات بنفس الشكل. وقد وجد ايروين شرودينغر هذه المعادلة التي دعيت بأسمه والتي تعد حجر الأساس في نظرية دراسة الظواهر الفيزيائية بالغة الصغر والتي تعرف بميكانيك الكم .ولكنها أيضا مصدر غرابة هذه النظرية..

ما هي نتائج هذه المعادلة؟ ومالذي دفع اينشتاين لاحقا لرفض تفسير ميكانيك الكم؟ كل ذلك ستقرؤون عنه في الجزء المقبل من شرح ميكانيك الكم في سلسلتنا أهم النظريات الفيزيائية.

 

مراجع للاستزادة:

/p>

- مع القفزة الكمومية – فريد الان وولف ، ترجمة الدكتور أدهم السمان

- مئة عام من الأسرار الكمومية – مجلة العلوم شباط/ اذار 2003 

مراجع متقدمة: 

- Introduction to Quantum Mechanics-David J.Griffiths

- Modern Quantum Mechanics-Jim Napolitano ، J.J Sakurai

حقوق الصورة: Hemera/ThinkStock