الجغرافيا البشرية والعلوم الإقليمية > الجغرافيا السياسية

(Borders).. حكاية الحدود

قديمًا، كانت تجمُّعات الصيادين تحمي أراضيها دون تحديد حدودٍ واضحةٍ لها، وبدلًا من ذلك وُجِدِت مناطق فاصلة بين القبائل، وكان من المتعارف عليه أنَّ دخول هذه المناطق والتوغُّل بالاقتراب من أراضي القبائل الأخرى قد يكون خطيرًا جدًّا ويؤدي إلى مخاطر مميتة. ومع مرور الوقت أصبحت هذه المناطق الفاصلة أضيق شيئًا فشيئًا، وأصبحت التنظيمات البشرية -سواء البدائية منها أم المتطورة- أكثر دقة في تحديد مناطق السيطرة وحدودها (1).

ميَّز أخصائيو الجغرافيا السياسية بين ثلاثة أنواع من الحدود؛ (Borders) و(Boundaries) و(Frontiers)، إذ يُعَدُّ مصطلح (Border) مفهومًا سياسيًّا يُحدِّد حدود أراضي الدولة التي تكون الحركة فيها مقتصرةً على من يمتلك الوثائق والتصاريح اللازمة، أمَّا مصطلح (Boundary) فيُعَدُّ مصطلحًا أشمل يشير إلى المناطق المحاذية للحدود الفاصلة بين الأراضي التي تختلف خصائص سكانها الاجتماعية أو العرقية، في حين لا يمثل مصطلح (Frontier) حدًّا فاصلًا ولكن منطقةً على جانبي الحد حيث تتأثر النشاطات البشرية ضمنها وفقًا للحدود بين الدولتين إن كانت مفتوحة أم مغلقة وإن كانت هاتان الدولتان صديقتين أم في حالة حرب وتُعرف أيضًا باسم المناطق الحدودية (Borderlands) أو المناطق الانتقالية (Transition zones) بين الدول (2).

فتح أم إغلاق الحدود؟

كان فتح الحدود أمرًا مشروطًا بالتغييرات الهيكلية للعولمة بما يتضمَّن التدفق الحر لرأس المال العالمي والفضاء الإلكتروني (Cyberspace) العابر للحدود، والذي سمح للمعلومات والاتصالات بأن تتجاوز العوائق التقليدية، إضافةً إلى التغيرات السياسية والتاريخية كسقوط ما يُسمى بالستار الحديدي (Iron curtain) من جهة (2)؛ والذي عُدَّ حاجزًا وهميًّا يفصل بين أوروربا الشرقية والغربية وتسَّبب في عزلة الاتحاد السوفييتي في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (3)، وإزالة الحدود الداخلية الفاصلة بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وفي حين أنَّ بعض الحدود قد فُتِحت للحركة وأصبحت أكثر نفاذية بين بعض الدول، أنشأت العديد من الدول حواجز جديدة للفصل في محاولة لتقوية الهوية الوطنية وآليات التحكم وخصوصًا في المناطق التي شهدت نزاعات عرقية أو قومية مستمرة (2).

إنَّ وجود الحدود يتعلَّق بالسلطة السياسية إلى حدٍّ بعيد، وتُنشأ سياسيًّا واجتماعيًّا؛ إذ قد تنشأ نتيجة الغزو العسكري أو السيطرة الثقافية أو الاتفاقات الثنائية اعتمادًا على مدى الاختلاف في تكافؤ القوى؛ فقد يفرضها الجانب الأقوى أو وفقًا لاتفاقٍ بين الجانبين. ويُمكن للحدود أن تُحدَّد طبيعيًّا؛ وذلك عندما يكون ملائمًا للسلطة الاستفادة من الميزات الطبيعية بما لا يتعارض مع مصالحها، فتستخدم السلطة هذه الميزات الطبيعية لتشكِّل حدودها (2).

فهل يقتصر إنشاء الحدود على الحدود الفيزيائية بين الدول؟

يمكن أن تنتج الحدود يوميًّا عن طريق النصوص والخطابات أو التمثيلات الإعلامية أو الكتب المدرسية أو القوالب النمطية وغيرها، فلا يقتصر إنشاؤها على المناطق الحدودية التي تفصل دولتين مختلفتين عن بعضهما؛ بل قد يتعداها إلى مجال واسع من الممارسات داخل أو خارج أراضي الدولة في مواقع مختلفة (4). وقد لا تتطلَّب الحدود أن تكون مرئيةً لتكون فعالة؛ فالحدود المحسوسة والمحفوظة في المخيلة والتي قد تمنعنا من الانتقال من منطقةٍ خاصةٍ بمجموعةٍ ما إلى منطقةٍ خاصةٍ بمجموعةٍ أخرى لا تتطلَّب الوجود الفيزيائي للحواجز أو الجدران لتؤثر في حياتنا اليومية (2).

فهل سنصل إلى عالمٍ خالٍ من الحدود؟

مع الأخذ بالحسبان للتفاعلات والعلاقات العابرة للحدود بين الدول، ما تزال المسافات مهمةً والحدود بين الدول لم تختفِ، فعلى الرغم من ازدياد الانفتاح بين الدول؛ العالم اليوم بعيدٌ كليًّا عن الاندماج من ناحية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فالانفتاح بين الدول لا يتزايد خطيًّا؛ إذ قد يتزايد في بعض الأحيان ويتناقص في أحيانٍ أخرى ومن المحتمل أن تستمر هذه التقلُّبات في المستقبل ممَّا يجعل موضوع وجودنا في عالمٍ متكاملٍ خالٍ من الحدود أمرًا مشكوكًا به (5).

ما هو الوضع الحالي للحدود بين الدول؟

حتى بدء انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، كان عدد المسافرين عبر الحدود يتزايد باستمرار مدعومًا بالرحلات ذات التكاليف المنخفضة وتأثيرات العولمة ونمو الأسواق الجديدة وسهولة الحصول على التأشيرات (Visa) في العديد من الدول (6)، ولكن بعد بدء انتشار الجائحة تعطَّلت حركة التنقل الدولي على نحوٍ كبير وأُغلِقت الحدود وفُرِضت القيود على السفر وطرأت تغييرات جديدة على إجراءات التأشيرة ومتطلَّبات الدخول. ومع إعادة فتح الحدود، من المرجَّح أن تضع الدول متطلَّبات إضافية من أجل السفر بفرض مزيدٍ من الفحوصات الطبية والاختبارات والتقارير عند عبور الحدود، ووفقًا لتقرير المنظمة العالمية للهجرة الصادر في 17 حزيران (يونيو) عام 2020؛ في حال لم تكن إجراءات العبور هذه مؤقتةً ومحترمةً لخصوصية الأفراد فقد تستغلها بعض الدول على نحوٍ مفرط لفرض المزيد من القيود. فالسيناريوهات المستقبلية المحتملة لإزالة قيود السفر لا تعتمد فقط على الأوضاع الصحية بل ستتأثر بالخصائص الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية للحدود الفاصلة بين الدول (7).

فما العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أثرت في إنشاء هذه الحواجز بين دول العالم؟ وما الصراعات التي أنتجتها أو نتجت عنها؟

هذا ما سنستعرضه في "سلسلة حدود"، فتابعونا لنتعرف معًا إلى هذه المواضيع المختلفة.

المصادر:

1_Bellezza G. On Borders: From Ancient to Postmodern Times. ISPRS - International Archives of the Photogrammetry, Remote Sensing and Spatial Information Sciences [Internet]. 2013 [cited 15 December 2020];XL-4/W3:1-7. Available from: هنا

2_Newman D. Borders, Boundaries, and Borderlands. In: Richardson D, Castree N, Goodchild M, Kobayashi A, Liu W, Marston R, ed. by. International Encyclopedia of Geography: People, the Earth, Environment and Technology [Internet]. Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, Ltd; 2017 [cited 15 December 2020]. p. 1-13. Available from: هنا

3_The Iron Curtain [Internet]. Cambridge Dictionary. [cited 29 January 2021]. Available from: هنا

4_Özdemir Z, Ayata A. Dynamics of exclusion and everyday bordering through Schengen visas. Political Geography [Internet]. 2018 [cited 16 December 2020];66:180-188. Available from: هنا

5_De Beer P, Koster F. Sticking Together or Falling Apart?: Solidarity in an Era of Individualization and Globalization [Internet]. Amsterdam: Amsterdam University Press; 2009 [cited 16 December 2020]. Available from: هنا

6_Steffens F. Facing up to the new world of border control. Biometric Technology Today [Internet]. 2020 [cited 16 December 2020];2020(9):8-11. Available from: هنا30123-5

7_(IOM) International Organization for Migration: Border Management and Migration Health. Cross-Border Human Mobility Amid and After COVID-19 [Internet]. 2020. Available from: هنا