الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

مغالطة الاحتكام إلى التقاليد Appeal to Tradition Fallacy

"- ما هذا الزمن البائس الذي وصلنا إليه يا صديقي؟ إنَّ جيل اليوم يفعل أشياء لم نكن نجرؤ على التفكير فيها! أمَّا من ضوابطَ يمكنها أن توقف هذه المهزلة؟! لا بدَّ من وجود مؤامرةٍ كبرى تستهدف تدمير معتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا..

ترى وتسمع في يومك القصير ما يؤذي ويؤلم.. لم نعتد رؤية الشباب يطيلون شعورهم.. أو الفتياتِ يعملن حتى ساعات متأخرة من الليل.. أو العشّاق يتناثرون في كل زُقاق كالقطط الشاردة.. وهناك هراء آخر يُسمّى أمراضًا نفسية وما هي إلّا نفوس تائهة أو ضعيفة مسّها الجن وسيطروا عليها..

مقالات وبرامج سخيفة تتحدث عن الجنس كأنّه موضوع طبيعي يمكن التحدث فيه.. ما هذه الترّهات؟! لقد تزوجنا وأنجبنا أطفالًا دون كل هذا العبث.. وما يندى له الجبين هو انتقاد ثوابتنا.. هل هناك أعظم من إساءة كهذه؟! أتعرف ما الذي يعنيه انتقاد ثوابتنا؟! يعني أن نفقدها تدريجيًّا ثم نضيع ونتلاشى معها.. 

- ألا تظنُّ أنّك ترتكب في كلامك مغالطة منطقية واضحة؟!

- مغالطة منطقية؟ ياللسخرية.. ما هذا المصطلح السخيف أيضًا؟!"       

إن المشاعر الدافئة التي قد تمنحنا إياها تقاليد معينة في فعل بعض الأمور قد تكون أحد أسباب تبجيلنا لها؛ إذ تُعدُّ الارتباطات العاطفية بالماضي تجارب شائعة وممتعة لنا جميعًا تقريبًا، فالعديد من التقاليد تؤدي وظائف اجتماعية ذات أهمية كبيرة على قدر ما تجسد الحكمةَ الناتجة عن الأزمنة السابقة التي تُوفر علينا عبء الاضطرار إلى اختراع حلولنا الخاصة للمشكلات الناتجة عن التفاعل الاجتماعي (1)، لكن حذارِ من الاحتكام إلى تقليدٍ معين لمجرد الاستنجاد به لتبرير حكم ما، لأنك عندئذٍ ستقع في مغالطة الاحتكام إلى التقاليد Appeal to Tradition، فأن يكونَ سلوكٌ ما تقليدًا اعتاده الناس لا يمثّل سببًا للاعتقاد بأنه يجب أن يستمر دون تغيير (2)، مع تجاهل أيّ دليل على وجوب هذا التغيير لمجرّدِ أننا كنا نفعل ذلك السلوك مدّةً طويلة (3).

فمغالطة الاحتكام إلى التقاليد Appeal to Tradition هي محاولة شخصٍ ما إقناعَ الآخرين بوجهة نظر محددة بمناشدةِ مشاعرهم التي تُبجّل التقاليد بدلًا من تقديمه الأدلة، وبخاصةٍ عندما يكون هناك مبدأ أو قضية أكثر أهمية على المحك (1).

مثال: ربما تخشى أن تستكمل دراستك الجامعية في الفرع الذي ترغب فيه لأنَّ أبويكَ يُصرّان على وجوب دراستك الطبَّ بوصفه "الفرع الأرقى بحسب التقاليد".

ويمكن للتقاليد القوية إدامة الظلم، وقد تَحُول دون تبني أفضل السبل لإنجاز الأشياء أيضًا (1)، ففعل بعض الأشياء في الماضي لا يجعل منها تصرفاتٍ صحيحة في الحاضر (3).

ويجد كثيرٌ من السياسيين ضالتهم في هذه المغالطة؛ إذ يستطيعون خداع جماهيرهم عن طريقها، ومن ثَمَّ تمنعنا مغالطة الاحتكام إلى التقاليد من المضيّ قدمًا واعتزال المعتقدات والمؤسسات الخطيرة والمؤذية، لأننا اعتدناها فحسب (3).

إنَّ جوهر هذه المغالطة هو اعتقاد الشخص بأنَّ تقاليد عائلته والثقافة التي ينتمي إليها مهمَّةٌ حتى لو كانت تقاليدَ غبية أو شريرة أو ظالمة، ويستمر في نقلها إلى أطفاله وإن اعترضوا عليها أو سألوا عن جدواها؛ يجيب الآباء عادةً: "لأني عندما كنت في عمرك كنت أفعل الشيء نفسه" (3).

المصادر:

1. Damer T. Attacking faulty Reasoning; A Practical Guide to Fallacy-free Arguments. 6th ed. Wadsworth: Wadsworth Cengage Learning; 2009. P.108.

2. Foresman G, Fosl P, Watson J. The Critical Thinking Toolkit. Hoboken. Wiley Blackwell; 2017. P. 152.

3. Michaud N. Appeal to Tradition. In: Arp R, Barbone S, Bruce M, ed. by. Bad Arguments 100 of the Most Important Fallacies in Western Philosophy. Glasgow: Wiley Blackwell; 2019. p. 121-124. Available from: هنا